مختار الرصاع اسم لا يغيب عن ذاكرة المواطن التونسي إذ عرفناه في التلفزة الوطنية صحفيا ومديرا عاما وعرفناه مديرا لمهرجان قرطاج الدولي ومهرجان المدينة الذي أسسه سنة 1983. كيف يرى مختار الرصاع الذي أحيل على التقاعد المشهد الثقافي والإعلامي اليوم? «الشروق» التقته في هذا الحوار. هل كنت تتوقع ما حدث من انهيار للنظام? شخصيا كنت أتوقع ما حدث لأني كنت أعتقد أن الفساد لا يمكن أن يقود لأي نتيجة أخرى ولكن لم أتصور التفاصيل في الحقيقة وهذه فرصة لأترحم على أوراح الشهداء البررة وأحيي الثورة وأطلب من الله سبحانه وتعالى أن تمر تونس الى شاطئ السلام والاستقرار من أجل إرساء ديمقراطية حقيقية وهذا لن يتحقق إلا بتضافر كل الجهود والانتباه الى جيوب الشر والردة التي تتربص ببلادنا من أجل الدفاع عن مصالح واهية. ألا يوجد خوف من غياب الاستقرار وحالة فراغ وفوضى? هذا يعود أساسا في رأيي الى قوات الأمن والجيش الوطني ووعي المواطن كل الشعب التونسي يجب أن يتجند للدفاع عن الاستقرار والأمن وذلك بالانتباه والحذر واليقظة فلا بد من الالتحام بين قوات الأمن والجيش والمواطن للدفاع عن تونس للانتقال الى البناء وإرساء نظام ديمقراطي حقيقي. خضت في الفترة الأولى التي تلت 7 نوفمبر 87تجربة «نادي الصحافة» لماذا توقفت التجربة آنذاك? نادي الصحافة كان منبرا للاختلاف حول قضايا الشأن العام أردته منبرا للحرية والحوار الصريح وعندما بدأت في استضافة ممثلي المعارضة القانونية المعترف بها آنذاك للحديث حول قضايا سياسية واجتماعية واعلامية توقف البرنامج. قبل إحالتك على التقاعد وضعت في «الثلاجة» كما يقال لماذا? في الحقيقة أنا لم أستمر في كل الوظائف التي أوكلت لي أكثر من فترات قصيرة سواء في المسؤوليات الإعلامية أو الثقافية كنت أشعر أنني شخص غريب عن السياق السياسي وشخص غير مرغوب فيه لأنني ببساطة كنت مستقلا وصريحا في مواقفي وهذا كان شيئا مزعجا لبعض النافذين كما أنني لا أنافق ولا أتملق ولا أتوق لأي مسؤولية لذلك أبعدوني. ومهرجان المدينة لماذا غادرته? مهرجان المدينة جمعية أسستها مع بعض الأصدقاء سنة 1983 لتنمية المدينة وخلق حركية ثقافية ونجح المهرجان وأصبح علامة بارزة ليس في تونس فقط بل في البلاد العربية وكنت متمسكا باستقلالية المهرجان في طريقة تسييره واختياراته ولم يكن لي أي طموح من خلاله أكثر من تنمية المدينة وتطويرها وخلق نوع من التناغم بين الهوية العربية الاسلامية والروح التونسية المنفتحة على ثقافات العالم وذلك عبر خطاب ثقافي متجذر في تربته ومنفتح على العالم لأن تونس كانت دائما عبر تاريخه هكذا ، لكن هذه الاستقلالية لم يشملها الرضا التام فتم إشعاري رسميا بالانسحاب فانسحبت وتخليت عن رئاسة الجمعية. كيف ترى الثقافة بعد 14 جانفي? الثقافة اليوم يجب أن تؤسس لمبادئ الثورة وثقافة الثورة لا يمكن أن تكون إلا ثقافة للحرية والديمقراطية والكرامة والعمل والمساواة في فرص الحياة والتوازن بين الجهات. كان هناك عمل يجب أن يقوم به كل المثقفين وكل المسؤولين على الهياكل الثقافية فهو تعميق هذه المفاهيم وجعلها تنفذ الى العقول وخاصة عقول الأطفال والشباب حتى نبني أسسا جديدة لانسان آخر وليد الثورة. انسان حر ويعرف معنى الحرية ويدافع عنها انسان ديمقراطي أي يؤمن بالرأي والرأي الآخر انسان متضامن مع أخيه التونسي في الجهات الأخرى انسان يحتفظ بكرامته ويدافع عن كرامة أخيه التونسي حتى وإن أختلف معه في الرأي فنكون قد أسسنا لمفهوم آخر للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. لذلك يجب القطع نهائيا مع المفهوم الذي كان سائدا وهو مفهوم يعتبر الثقافة تنشيطا وترفيها ومهرجانات وتظاهرات تفتقد الى المحتوى الثقافي الحقيقي ولهذا يجب أن تكون المهرجانات والهياكل والتظاهرات الثقافية والمؤسسات تعمل وفق اختياراتها وبرمجتها وما تقدمه من ابداعات وعروض في سياق الثقافة الجديدة. عشت طويلا في مؤسسة التلفزة وتوليت مسؤوليات فيها كيف ترىالاعلام المرئي بعد الثورة? أعتقد أنه الى جانب القناة الأولى والثانية يجب أن تكون هناك قناة تهتم بالجهات لأن قناة تهتم بالجهات قادرة على اكتشاف الطاقات الابداعية والبشرية ويكتشف من خلال المواطن مدى ثراء وطنه جغرافيا وحضاريا. والانتاج الدرامي كيف يمكن تنميته? الانتاج الدرامي في أغلب بلدان العالم التي لها تجارب في هذا المجال ليس مسؤولية المؤسسات الوطنية بل الشركات الخاصة وفق كراس شروط ومناقصات عمومية يكون فيها الحق لكل الشركات حسب ضوابط مهنية محددة وليس أن تستأثر بها شركة دون أخرى، لكن هذا الانتاج يجب أن يكون خاضعا لتصور دقيق لأن الانتاج الدرامي يجب أن يكون في خدمة الاقتصاد والتنمية والديقراطية فهذه هي الأسس في الانتاج حتى نجذر القيم ونعمق وعي المواطن بتاريخه ونؤسس لتكافؤ الفرص.