نوفل بن عيسى دكتور في العلوم الموسيقية متخرج من جامعة السربون يدرس حاليا بالمعهد العالي للموسيقى بتونس، كما يشتغل به رئيسا لقسم التكوين الموسيقي، عازف فيولنسال بفرقتي الرشيدية والأوركسترا السمفوني التونسي. يشرف منذ سنوات على الادارة الفنية للفرقة البلدية للموسيقى المتوقفة عن النشاط لغياب الدعم المادي... ملحّن وقد حصل على جائزتين في دورتين مختلفتين من مهرجان الموسيقى التونسية، تمثل أحدث انتاجاته في صياغته وقيادته لعرض «أنا المدلل» الذي قدّم في اختتام مهرجان قرطاج الدولي الصائفة الماضية... وهو نجل الفنان الموسيقار الراحل عبد الستار بن عيسى. بعد «فورة» الحماس بنجاح ثورة 14 جانفي... ما هي قراءتك كمثقف ومبدع لها؟ أنا أعتبر ما حدث نقطة بداية الاستقلال الحقيقي للأمة العربية وما حدث في تونس تبعته أحداث مصر واليمن ومازال... مازال... إذ أنها صرخة شعوب استقلت بلدانها في منتصف القرن الماضي وبقيت هي غير مستقلة بفعل الطغاة الذين حكموها فأتت صرختها بعبارة أعطني حريتي أطلق يديّ. يتفق الجميع أنها ثورة شعبية لا دخل للساسة والمثقفين فيها؟ لقد اندلعت الثورة بما فعله محمد البوعزيزي رحمه ا& بنفسه اذ ضحّى بذاته في سبيل عتق الشعب التونسي خصوصا والشعوب العربية عموما فكانت ثورة شعبية لا دخل للساسة وأهل الثقافة فيها الذين لم يعوا بحجمها وبأبعادها إلا بعد ما تمت وأخذت الابعاد التي نعيشها اليوم. إذن كانت الثورة ترجمة لبيت أبو القاسم الشابي، إذا الشعب أراد الحياة / فلابد أن يستجيب القدر وبالتالي فهي ثورة شعبية وليست بثورة ثقافية أو حركة سياسية وبالتالي فلا يمكن ان يؤاخذ أهل الثقافة والابداع والساسة إذ أنها ليست بثورتهم وإنما هي صرخة شعب أهانه حاكمه. هذه الثورة تفرض خطا ابداعيا جديدا... ما هي مقوّماته حسب اعتقادك؟ ما نراه اليوم في خطاب المثقفين محاولة مواكبة الأحداث ومازالوا في البحث عن خطاب يترجم فكرا معيّنا ذاتيا كان أو موضوعيا وكأن بأهل الثقافة والابداع لم يهضموا بعد ما حدث وهذا عادي إذ أن الامور لا زالت في مهدها ولم تتبلور بعد آفاقها المستقبلية بطريقة جلية خاصة وأن أحداثا مماثلة تبعث في دول عربية شقيقة كما أن الشأن الداخلي ينحو الى استقرار ملامحه غير واضحة وركائزه مازالت غير جليّة. يعني أن على المثقف عدم التحزّب الى أي اتجاه سياسي؟ على المثقف أن يتحزّب الى فكر إذ أن أهل السياسة لهم دور مخالف لدور المثقفين حسب رأيي المتواضع والوضع الراهن يتطلّب تكامل الأدوار ولا التداخل. أما الفنانون فدورهم الراهن التأريخ لما نشاهده اليوم بابداعاتهم التي لابد أن ترتقي على مستوى الشكل والمضمون لتقطع مع الخطاب المألوف في الأنظمة السابقة التي كانت تعمل على توظيفهم. هناك دعوات لابعاد المغنين الذين (طبّلوا) للنظام السابق من المشهد الموسيقي الجديد؟ أرى أن المقياس الوحيد في الحكم على فنّان هو مستواه في الاداء والابداع ولابد من الوعي بأن الظروف الحياتية للفنانين في تونس صعبة وهو ما جرّ ببعضهم الى الانحدار ل «التطبيل» فإذا عرف السبب زال العجب لذا فمن المفروض أن تجعل هذه الثورة التونسي يفرض نفسه في المستقبل بكفاءته وأخلاقياته وما يمكن أن يضيف لميدانه لا غير. بصراحة الى حد الآن لم نستمع الى أغنية تتحدث عن هذه الانتفاضة الشعبية أعني هنا أغنية لصوت معروف؟ حسب علمي هناك أغان بصدد الاعداد ولكن عموما مازلنا تحت تأثير المفاجأة لأننا لم نكن نتصوّر أن ما حدث كان سيحدث وهذا ما يفسّر الفارق بين خطاب المثقفين والحركة الابداعية من ناحية وأحداث الثورة وما تلاها. موسيقى الراب تطرح نفسها هذه الايام كأفضل صوت للتعبير عن الثورة؟ هي نهج تعبيري موسيقي سيمثل لا محالة احدى ضروب الموسيقى في المستقبل وهذا تنوع مستورد في الاصل وتتونس بالوقت ومازال سيفرز انتاجا وسيكون له أهل صناعته وحتى أعلامه. والراب هل يغريك كمبدع للموسيقى؟ الموسيقى اختصاصات والراب ليس من اختصاصي ولا يمكن لي إلا أن أكون مستمعا له اذا ما استهوتني بعض أغانيه. هل ستؤرخ لهذه الثورة في عمل موسيقي؟ لم أفكّر في هذا بتاتا الآن لأنني حياء واحتراما لأرواح الشهداء ومن غامروا بأعمارهم في سبيل تحرير تونس من جهل حكامه وبطشهم وأنانيتهم أخشى أن يفسّر ذلك بالركوب على الحدث واستغلال ثمار الثورة دون حق ولكن قد أنتج عملا في المستقبل يعبّر عن بعض جوانب ثورة الكرامة والعزّة التي انفردت بها تونس وبرهن بها شعبها أنه لا يحق لأي كان الاستهزاء والاستخفاف به وفي هذا الصدد يتبيّن أن المرحوم الشهيد فرحات حشّاد قد صدق حين قال «أحبّك يا شعب». عزالدين باش شاوش وزير جديد للثقافة ما هي انتظاراتك؟ لقد استبشرت بتسمية رجل بحجم الاستاذ عزالدين باش شاوش على رأس وزارة الثقافة إذ أن اليوم قد حان الوقت لتلعب هذه الوزارة دورها في خدمة رجال الثقافة والفنانين والمبدعين وليكون هذا ممكنا فلابد من تطهيرها من الوصوليين والاستغلاليين وتعويضهم بأصحاب الكفاءة والأفكار النيّرة والاستشرافية. فقد جعل نظام بن علي من هذه الوزارة، وزارة المهرجانات في حين أنه من المفروض أن تكون سندا للمبدعين واليوم يمكن أن نتدارك هذا الأمر بسنّ القوانين التي تهيكل مختلف القطاعات الفنية وبخاصة الميدان الموسيقي الذي يشكو فراغا قانونيا مقدحا ومخجلا على مختلف المستويات أي القوانين الاساسية للمعاهد الموسيقية ولمهنة الموسيقى وللفرق بما في ذلك تلك التي ترجع بالنظر الى الوزارة فضلا عمّا تشكوه أعرق الجمعيات الموسيقية في تونس أي الرشيدية التي تعاني من مخلفات الفقر في الميزانية وفي التأطير وإذا كان لي أن أطلب من معالي السيد الوزير شيئا فهو أن يفتح ملف الموسيقى ومهنها لاعادة النظر في كل ما يتعلق بها وانقاذ هذا الفن وميدانه من السخافات والاهانات والاستخفاف الذين قزّموه وباختصار أوصية بالموسيقى في تونس وبأهلها خيرا. بماذا تريد أن تختم هذا الحوار؟ أفتخر اليوم أنني لم أنصّب ولم أوسّم قطّ في عهد بن علي ولكن هذا لم يمنعني من العمل في خدمة تأطير الشباب واثراء الانتاج الموسيقي التونسي رغم سعي أهل الجاهلية والذين في قلوبهم مرض الى تشويه سمعتي والتشكيك في قدراتي وكما يقول الشاعر: ليس بالرجال يعرف الحق وإنّما بالحق تعرف الرجال