في الوقت الذي كان فيه الوضع الثقافي داخل الجمهورية وفي المناطق النائية يتسم بالرداءة وفي وضع مزر على مستوى الفقر في الفضاءات وغياب التجهيزات والاطارات الكفأة في التنشيط الثقافي، وفي الوقت الذي كانت فيه الاعتمادات المرصودة لدور الثقافة وللتنشيط الثقافي تحول وجهتها الى مواقع أخرى... وعندما كان وزير الثقافة آنذاك الأستاذ المنجي بوسنينة يحرص على تجاوز هذه الحالة المزرية، ويسعى الى النهوض بالثقافة في المناطق الداخلية برصد الميزانيات وتجهيز دور الثقافة والعناية بالمواقع الأثرية... في هذا الظرف بالذات كان الشغل الشاغل لبعض الولاة وبعض الوزراء الوشاية وكتابة التقارير الأمنية في رجال الثقافة والمسؤولين الشرفاء والنزهاء. من هذه الوشايات والتقارير مراسلة من وزير الدولة وزير الداخلية عبد الله القلال الى وزير الثقافة بتاريخ 21 جانفي 1992. تتضمن وشاية تتعلق بالمسرحي السيد العلاني الذي كان يشغل وقتها خطة مدير دار الثقافة بالقيروان: وجاء في هذا التقرير: «ان المدعو السيد العلاني معروف بنقده وتحامله على السلطة والتشهير بها... موجها نقده بالخصوص للأوساط التجمعية: وينتهي تقرير الوزير باشارة الى أن السيد العلاني معروف بنزعته اليسارية المتطرفة وله مؤلفات مسرحية ناقدة!! أمثلة عديدة عن هذه التقارير (نملك نسخا منها) ومنها تقرير أمني موجه من والي المهدية الى وزير الثقافة بتاريخ 10 أفريل 1992 ويتعلق بمدير دار الثقافة برجيش اسماعيل بن مريم: ويتضمن هذا التقرير اتهاما لمدير دار الثقافة بتعاطفه مع حركة النهضة. ميولات نهضوية يقول التقرير: «أتشرف بأن أنهي الى سيادتكم أن المدعو محمد اسماعيل بن مريم مدير دار الثقافة برجيش المهدية متعاطف مع العناصر النهضوية ويمكن البعض من هؤلاء بأن تكون لهم صلة متينة بدار الثقافة...» ويطلب السيد الوالي في نهاية تقريره بنقلة المدير وتعويضه بمدير تجمعي!! ومن حسن حظ مدير دار الثقافة ان التحقيق الذي اذنت به وزارة الثقافة أبرز ان التقرير بني على وشاية من عمدة المكان الذي كان يكن الحقد لمدير دار الثقافة لأسباب شخصية، فلم تتخذ اجراءات في حق المدير. تقارير كثيرة وصلت الى وزراء الثقافة من جهات متعددة مثل الولاة والوزراء وحتى من بعض الهياكل الثقافية لكن الوزراء وقتها وأعني الاستاذ المنجي بوسنينة والأستاذ صالح البكاري كانا في مستوى المسؤولية وعلى قدر كبير من النزاهة وأكثر عدلا من الذين أتوا بعدهم وتحملوا مسؤولية وزارة الثقافة، ولم يخضعا لضغوطات هذه التقارير الأمنية فكان مصيرهما العزل والاقالة من المسؤولية، لكن الساحة الثقافية تشهد لهما بنظافة اليد وبمحاولتها تطهير الوزارة من عصابة السوء التي عاثت فسادا في أموال الوزارة وثروات البلاد من الآثار، ونرجو ان يتمكن الوزير الجديد السيد عز الدين الباشا شاوش من تطهيرها بصفة نهائية ويقلع جذور الفساد في وزارته.