«الشعب يريد اسقاط النظام»... سقط النظام ورحل بن علي. «الشعب يريد ايقاف المورطين في النظام السابق»... تم ايقاف العشرات من أقارب بن علي واصهاره والمقربين منه... «الشعب يريد حل التجمع»... تم تعليق نشاط هذا الحزب وغلق مقراته... «الشعب يريد» يريد فقط ولكن هل يكفي هذا كله حتى نحلم بحياة أفضل؟ لقد حققت لنا ثورة الشباب مكاسب جمّة لا ينكر هذا غير الجاحد أو المستفيد من نظام بن علي. ففي هذه الثورة سقط نظام حكم مستبد وهو أهم مكسب وتحررت الحريات من عقالها وتضاعف عدد الاحزاب المعترف بها وتسابق المنفيون على العودة الى وطنهم وصار الواحد منا يحكي ما يريد وقت ما يريد دون أن ينظر يمنة ويسرة خوفا من الرقيب أو «الصباب» وفي المقابل تكاد أكياس القمامة تطمرك لأن أعوان البلدية أضربوا عن العمل حتى تتحقق مطالبهم في العاصمة اليوم تجد صعوبة في التنقل راجلا او راكبا لأن السيارات تربض في أي مكان يحلو لها دون خوف من «الشنقال». في هذا المعهد يضرب التلاميذ عن الدراسة حتى يتم تغيير المدير، وفي ذاك يضرب الاساتذة عن التدريس حتى يتم تغيير الوزير، لم يبق الا أن يضرب الوزير حتى تسقط الحكومة التي تأويه. بالأمس رأينا عشرات الجامعيين يعتصمون أمام وزارة التربية للمطالبة بحقهم في الشغل وما على الوزير إلا أن يخرج عصاه السحرية حتى يشغل حوالي مائة ألف صاحب شهادة في مراكز لا تتحمل أكثر من 5 آلاف طالب شغل. في المقابل اعتصم السلفيون أمام وزارة الشؤون الدينية للمطالبة بتغيير وزيرها. وهناك في وزارة الشباب والرياضة اضطر الوزير الى البحث عن مكان آخر حتى لا يشغله المحتجون عن شغله. أما وزير الخارجية فقد اختفى عن الأنظار حتى يغيّر المحتجون موقفهم من تصريح له في حديث تلفزي. بعيدا عن هذا كله ترى المواطنين يهرولون لحلب الثورة وقد أمسك كل بإنائه، هذا يريد زيادة في أجرته. وهذا يريد الترسيم وذاك يريد الترقية وذاك يتحوز بقطعة أرض لا يملكها وذاك يكدس أثاثه في مشروع سكني لم يكتمل بناؤه؟ قد نجد الحق لبعض المطالبين بالشغل او الكرامة او العدالة... ولكن من بقي منا لبناء مستقبل بلادنا؟ من بقي لاصلاح ما أفسده الدهر والنظام السابق ونحن المحتجون أنفسنا؟ ألا ترون أننا طمحنا الى هدف نبيل (الثورة) بأساليب هدّامة مثل حرق المراكز الأمنية وتخريب المؤسسات الادارية ونهب المراكز التجارية واستعمال الاضراب عن العمل وسيلة ضغط. نحن الآن نتباهى بقدرتنا على التحرر من الاستبداد والاستعباد والظلم وبتصديرنا ثورتنا الى غيرنا من الدول... وهذا حقنا لكننا نتناسى ثورات شعوب أخرى فكرت في مصلحة بلدها اكثر من تفكيرها في المصالح الشخصية الضيقة. في اليابان مثلا للمواطن الحق في تحسين وضعه المهني (الزيادة في الأجر أو الترقية أو غيرهما) ولكنه لا يطالب بحقه عبر الاضراب عن عمله بل بمضاعفته كما وكيفا وهو يحمل شارة الاحتجاج على زنده. هذا التصرف يحير بعضنا ويضحك بعضنا الآخر ولكن قد نفهمه عندما نعلن الثورة على عقلياتنا الانتهازية فلننتظر علّها تندلع قريبا.