السيد محمد بن نصر الوالي السابق الذي عمل بالمنستير والمهدية وتحمل خطة رئيس مدير عام للشركة التونسية للتوزيع كانت له حكايات مثيرة مع نظام الرئيس المخلوع وقد أجرينا معه الحوار التالي لكشف النقاب عن بعض الخفايا التي ظل الرجل يكتمها ويبوح بها إلى عدد من أصدقائه. قبل اندلاع الثورة بسنوات وكنا كلما التقينا كنت تعبر لي عن تشاؤمك الكبير من مستقبل تونس. لو تعرفنا الآن عن الأسباب؟ لقد عمّ الفساد بالبلاد من رشوة ومحسوبية واستيلاء على الأملاك العمومية وممتلكات الغير، وكثرت المظالم ولا أحد كان يقدر على الاصداع برأيه أو ينبس بكلمة واحدة. وأمام التعتيم الاعلامي اعتقدت بأن البلاد سائرة نحو الهاوية. لكنك في الأعوام الأخيرة بدأ التفاؤل يعود إليك، ما الذي تغير؟ كل الممارسات زادت سوءا، لكن مرد تفاؤلي ميلاد قناة «الجزيرة» التي أصبحت تفضح تصرفات الحكام العرب ثم بروز «الفايس بوك»، الذي كان الأداة الفاعلة لفضح مظالم بن علي وحاشيته من قبل الشباب الذين يعود إليهم الفضل في التأسيس لهذه الثورة المباركة. بعد 3 أشهر من 7 نوفمبر تمّت نقلتك الى ولاية المهدية ليتم اعفاؤك سريعا؟ لقد اعتقدت خطأ أن بن علي صادق في ما جاء في البيان من توجهات كالحرية والديمقراطية، فعملت على تجسيمها. كيف؟ حرصت على تطبيق مصداقية نتائج الانتخابات البلدية ونجحت القائمة المستقلة بالشابة. وسمحت بحرية الرأي لكل المواطنين. وماذا كانت النتيجة؟ سارعوا باعفائي من خطتي كوال. ولكنهم جازوك بتعيينك رئيسا مديرا عاما للشركة التونسية للتوزيع؟ كان همهم معاقبتي لأنهم يعلمون علم اليقين بأن هذه الشركة تعاني صعوبات جمّة. اختلقوا لك حكاية كتاب محمد مزالي؟ وهو كذلك، فقد طلب مني مدير المكتبات المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ولكنني اعترضت وأكدت له أن الشركة تعاني من صعوبات مالية يعرفها العام والخاص ولا يمكن لها أن تتحمل مصاريف أخرى. فأعلمني بأن لنا مجموعة هامة من الكتب ببيروت وقد شاركنا بها في معرض دولي هناك وأن نقلها الى القاهرة لا يكلفنا كثيرا. وأمام هذا الموقف وافقت على المشاركة فأرسلت بأحد المساعدين لتنظيم الجناح، وكان هناك من بين الكتب التي عرضت بمعرض بيروت وقبل أن أتحمل المسؤولية كتاب للمرحوم محمد مزالي. وقد زار سفيرنا بالقاهرة جناح تونس. وما أن رأى هذا الكتاب حتى سارع باعلام وزير الخارجية الذي اتصل بدوره بوزير الثقافة الذي أعلم الرئيس المخلوع الذي أعفاني من مهامي دون بحث. عاد بعد مدة وعينك مجددا على رأس ولاية المنستير، ماهي الأسباب؟ لقد ساءت ظروف حياة الزعيم الحبيب بورقيبة وبلغ الأمر الى المواطنين، فساد التوتر بين الأوساط الشعبية، فسارع بن علي باطفاء الحريق قبل اشتعاله فاختارني بصفتي كابن من أبناء المدينة ونظرا لخبرتي، حيث عملت في خطتي كاتب عام للجنة التنسيق ثم كوال على رأس ولاية المنستير لأعود إليها مجددا ارضاء للزعيم الراحل وأهالي المدينة. وقد اشتكى لي الزعيم الراحل الذي عبر لي عن ارتياحه لظروفه الجيدة بعد تعييني من سوء المعاملة التي لقيها قبل ذلك. وكالعادة تجدد السيناريو وتم اعفاؤك نهائيا هذه المرة. بماذا اتهموك هذه المرة؟ الأسباب عديدة ومتعددة البداية كانت مع قراري استقبال المواطنين والاستماع الى شكواهم يوميا، ثم فتحت أمام المواطنين وأرباب المهن باب الاتصال المباشر مع الوزراء عند زيارتهم الى الولاية، لكن هذه التجربة توقفت سريعا بعد رفضها من السلط العليا ورأوا فيها نبشا في خفايا الحكم وتطاولا عليها. السبب الثاني كان ما حدث مع أحد المواطنين وأحد رجال الشرطة المعروفين بالنمر الأسود Tigre noir وكان هذا الصنف الذي صنعه بن علي يبعث به الرئيس المخلوع الى الجهات للترهيب. وقد صادف أن حاول راكب دراجة نارية بالمنستير الهروب وكان بامكان الشرطي اللحاق به في ظروف طبيعية لكنه حاصره مع احدى السيارات مما تسبب في سقوطه وتعرض للكسور. وهذا ما دفع بالمواطنين الى التجمهر وترديد شعارات رأى فيها النظام مسا منه. وتم ايقاف عدد منهم، فتدخلت وطالبت باطلاق سراحهم أو ايقاف الشرطي واعترضت على نقل المصاب الى مستشفى المهدية. فرأت السلط العليا في مواقفي انحيازا للمواطن ضد النظام. وتسارعت الأحداث، فبعد أيام قليلة جاء موعد افتتاح الموسم وذهبت الى ملعب مصطفى بن جنات لحضور أول مباراة ولما دخلت حيتني الجماهير وهتفوا بحياة بورقيبة. وكان عليّ أن أرد على تحياتهم. فأبلغوا بن علي بأن بورقيبة آخر ولد بالمنستير. وبعد يومين أبلغت بالاعفاء من قبل الوالي الذي خلفني قبل أن يهاتفني وزير الداخلية. لو تحدثنا عن مهازل بن علي نحو الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ولنبدأ بقصة تهريب العملة. منذ حدوث انقلاب 7 نوفمبر، بدأ الرئيس المخلوع يبحث عن أشياء تدين الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لتشويه صورته أمام شعبه. ووجد بملفات البنك المركزي أن الزعيم بورقيبة قام بتحويل مبلغ ألفي دينار الى فرنسا ولم يحول كما فعل هو ثروة الشعب المقدرة بعشرات الآلاف من المليارات. فطالب بفتح تحقيق في الموضوع ودعيت كشاهد في القضية المضحكة. وأصل الحكاية أن الزعيم بورقيبة بلغه أن احدى قريباته لم تتمكن من خلاص مبلغ ألفي دينار مقابل المبيت الجامعي بفرنسا، حيث كانت تتابع دراستها الجامعية. فغضب غضبا شديدا وأمر بسحب جواز سفرها فور رجوعها الى تونس. وقال ما الذي ذهب بها الى هناك وهي التي لا تقدر على الدفع وسحب صكا في المبلغ وأعطاني إياه وكان من ماله الخاص المتواضع جدا وطلب مني وكان يقضي اجازته بالمنستير أن أتصل بمحافظ البنك المركزي وأتحصل على ترخيص كان في متناول أي مواطن عادي يواصل دراسته بالخارج. وقد حرص الزعيم بورقيبة على تسوية الوضعية من ماله الخاص لأنه كان بامكانه مخاطبة سفيرنا بفرنسا لتسوية الوضعية من مال الشعب. وماذا كان مآل القضية؟ حفظت لأنها كانت ستثير المجتمع وخشية رد فعله. قلت لنا أن المال الخاص للزعيم الراحل متواضع جدا، فهل حدثتنا عن رصيده البنكي؟ الزعيم بورقيبة كان حريصا جدا على حماية مال الشعب، وحكايته مع ابنه الذي أخذ قرضا لبناء مسكن معروفة، وقد أمره ببيع المسكن وارجاع المبلغ والاقامة بمنزل أصهاره. وكان يتقاضى مرتبا متواضعا يصرفه في التبرع على الفقراء والمحتاجين وصادف أن طلب منه أحد المواطنين مساعدة فسلمه صكا به 250 دينارا والطريف أن هذا المواطن لما ذهب لسحب المبلغ وجد رصيد الرئيس فارغا لا شيء فيه. فتم صرف الصك في انتظار رصيد جديد وتم الاحتفاظ بهذا الصك للذكرى.