بكل أسف، وعقب ما حققته «الثورة الشعبية» المباركة من مكاسب جمّة لفائدة هذا الشعب الطيب، فإن ذلك لم يمنع من تسجيل انحرافات بالثورة، أو تحديدا ما يمكن اعتباره «ركوبا على الأحداث» والظهور في مظهر «البطولة الوهمية» والزعامات التي ولّت بدون عودة وحتى نكون محدّدين أكثر في كلامنا، فإن الثورة المباركة نجحت والحمد للّه في انهيار النظام البائد بفساده وقمعه للحرّيات، لكنها وفي المقابل سجلت «صعودا صاروخيا» للفكر الاقصائي المقيت ونأسف أكثر عندما نسجل ورود هذا «الفكر الاقصائي» عن نخب يفترض أن تكون «قلاعا» حقيقية للحرّية في الاختلاف وقبول الرأي الآخر. لا للركوب على الأحداث ما جرّني الى الحديث حول هذه المسألة بالذات، هو أنّ الجميع في تونس، على وعيّ تام بتعمّد «الآلاف» الركوب على الأحداث وبقدرة قادر أصبحت ألسنتهم لا تنطق سوى باسم «الثورة»، متناسين أن «الظرف» من الممكن أن «ينزع» الحق من صاحبه، كامكانية «منحه» لغير صاحبه، لكن التاريخ حتما سينصف الجميع ولو بعد مئات السنين. فتغيير الألوان تشبّها بالحرباء، من الممكن أن يوجد لصاحب هذا التلوّن «موقعا» في «الكعكة» القادمة، لكن من يعرفون «كوامنه» سيظلون على نفس شعورهم السابق نحوه وهو «الاحتقار» ولا شعور غيره. أما من تربى على «الثبوت» على مبادئه وتربيته وسلوكه، فإن لا شيء «يقلقه»، ولن يزحزحه عن المبادئ التي تربّى عليها ليظل في كل الأحوال «محترما» حتى ممّن يخالفونه فكره ومردّ هذا الحديث أننا لاحظنا بكامل الاستياء «حالة من التكالب» على تبني الثورة العفوية، والركوب عليها لمحاولة «تحويل وجهتها» بل وتزعمها و«حمايتها»!!! ومحاولة زرع أفكار جديدة داخل المجتمع، لكنها وللأسف لا يميّزها سوى «الاقصاء» وزرع الكراهية بين أبناء البلد الواحد ورشق كلّ من يختلف معه في الرأي باتهامات خطيرة قد تمسّ من أعراض الناس و«التصّلب» في الموقف ورفض مقيت للاختلاف. وعموما فإن ما يمكن التأكيد عليه في هذا السلوك الاقصائي والركوب على الأحداث أنه ناتج عادة عن سببين لا أرى ثالثا لهما، فإمّا أن هذا «الراكب» يخشى على نفسه من «عوراته» التي يعلمها فيه الجميع وعليه فإنه يعمد الى اعتماد أسلوب «السبّ وشتم الآخر» حتى يحوّل الأنظار عن «عوراته» والستر عليها. أما السبب الثاني، فهو «اللهث» وراء «قطعة» مهما كان حجمها من «الكعكة» التي سيتم تقسيمها مستقبلا. وأمام هذا الوضع الغريب، فإنّك تجد بالمقابل عديد الأشخاص لا يعمدون الى تغيير مبادئهم لأنهم أصلا لا وجود ل«خوف» يفرض عليهم هذا «التغيير المفاجئ» أو «الطارئ» ويبقون على خطهم «الاعتدالي» عملا بقوله جلّ وعلا: «وجعلناكم أمة وسطا».. ليظلّ باحثا عن مصلحة الشعب الذي نشأ فيه، لا لاهثا وراء خدمة أغراضه أو مصالح من يوجّهونه!!! نخب تشرّع الاقصاء!! وممّا زاد الطين بلّة أننا سجلنا صدور هذا الفكر الاقصائي المقيت، عن نخب فكرية وقطاعية وسياسية عرفت بتمسكها واستماتتها في «الدفاع عن الحرية» و«احترام الآخر، كاحترام الرأي المخالف»، فانبرت هذه «النخب» بدورها في سياق الاقصاء ولفظ كل فكر أو موقف قد يشتم فيه اختلاف مع ما تريد فرضه من أفكار ومواقف. وللأسف، فإنّ هذه «النخب» كانت بالأمس القريب تتصادم مع النظام السابق، متهمة إيّاه باعتماد أسلوب «الاقصاء والتهميش»، لكننا نجدها تطبق وبحذافيرها مقولة «بوش الابن»: «من لم يكن معنا فهو ضدّنا»؟!! لتجد هذه النخب نفسها «منغمسة» في مواقف وسلوكيات، في مفارقة غريبة عمّا بُنيّت عليه سابقا، في مشهد لا يقبله العاقل. ولهؤلاء وجب القول، بأن تونس ستظل فضاء رحبا لجميع أبنائها، تجمعهم هذه الأرض الطيّبة في كنف الحرّية المسؤولة واحترام الآخر، وعدم ايذاء الناس بالمسّ من أعراضهم أو كيل التهم غير الحقيقية لهم، عملا بقول ربّنا سبحانه وتعالى: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا». صدق اللّه العظيم. ونجّانا من خساسة «الراكبين على الأحداث» سواء من «السلطة» أو من يعارضها.