لقد مثلت الثورة الديمقراطية التي انجزها شباب تونس منعطفا تاريخيا تجاوز القطر التونسي ليشمل الرقعة الأوسع من العالم العربي واذا كانت الاستقلالية من أهم مميزات هذه الثورة من جهة كونها عبرت عن تمرد الشباب على الظلم والاستبداد فإن التحاق النخب السياسية بسيرورتها يمثل الترجمة الطبيعية لعلاقة الفكر بالممارسة فالشباب أنتج واقعا تجاوز تمثلات النخب حسم لأول مرة في التاريخ الحديث للبلدان العربية قضية الحكم بأن أعاده الى مدار السيادة الشعبية. ان اللحظة بالفعل فارقة تؤكد في مقدماتها ونتائجها وضعا غير مسبوق شبيه بكمونه باريس «La Commune de Paris» حيث جرت الجماهير النخب الى معركتها وفرضت عليها جدول أعمالها وبديهي أن هذه اللحظة بقدر ما كانت حاسمة في القطع مع الماضي بفترتيه فإنها دقيقة وحرجة من حيث أنها تشكلت كسيرورة من واجب النخب أن يؤثروا في مآلها لتكون بالفعل ولادة ديمقراطية لمجتمع مفتوح تعددي وحداثي ودولة مدنية تجسد بالفعل الارادة العامة وهو الغرض الأول الذي من المفروض أن تحققه الثورة الديمقراطية بكل ما تعنيه من مأسسة للتنوع ومن تقديس لحق الاختلاف. ان البداية حاسمة في تحديد طبيعة النتائج، من هذا المنطلق كانت المدرسة الليبرالية رافضة للمنطق الاقصائي ومشددة على شرعية اختلاف التجارب والمناهج. إن الاعتراف بهذه المبادئ هو الشرط الأساسي الكفيل بضمان انتصار الثورة بتجسيد قيمها ومثلها التي من أجلها ضحّى الشهداء بأرواحهم ويمثل ملف الحركة النسوية في تونس وفي العالم العربي عنوانا من أبرز العناوين التي من شأنها ان تضمن نجاح المشروع الديمقراطي المحمول على ثورة الشباب في العالم العربي. فالمرأة التي انخرطت في حركة التقدم الاجتماعي على مختلف الواجهات قد نجحت في فرض تنازلات هامة على الأنظمة الاستبدادية المنهارة وشكلت هذه المكاسب رصيدا جديرا بأن يصان ويحفظ ليعززه الفضاء المفتوح للحريات في عهد الثورة. ذلك أن موروث عهود الاستبداد مثقل بالدين السياسي والثقافي والاجتماعي وأن الحركة النسوية في فئتها الشبابية تشكو من هشاشة تجعلها موضوع استهداف خاص من التيارات الرافضة لمبادئ المساواة والمشككة في جدارة المكاسب التي ناضلت من أجلها المرأة منذ العهد الاستعماري. والمرأة الليبرالية بما هي جزء لا يتجزأ من الحركة النسوية التونسية والعربية لا ترى مسار الثورة مخصبا ومولدا الا بارساء نظام للكوتا في كل الهيئات والمؤسسات التي ستقيم النظام الديمقراطي المتطور الذي ينشده المجتمع وضحت من أجله الاجيال والكوتا كما نفهمها من المفروض أن تجسد حضور الشباب والمرأة في كل المجالس وضمن كل الهيئات لتكون ارادة الشعب مترجمة من خلال جهته وفئته بعيدا عن منطق الوصاية وقطعا مع آلية الاقصاء الرهيبة التي زيفت بالفعل ارادة المجتمع وسدت أمامه سبل التقدم والرقي ان تونس التي نحلم بها هي تونس التعددية والوفاق حول مشروع حداثي يغلق الباب نهائيا أمام الاستبداد مهما كان مصدره أو لونه وعليه فإن المرأة الليبرالية المؤمنة بحق الأطراف الأخرى في الاختلاف والتمايز ستواصل نضالها من أجل حق كل نساء تونس في التعبير والتنظم والارتقاء بالحوار الى مستوى آمال وطموحات الشباب صانع الثورة. بقلم: روضة الساسي (نائبة رئيسة المنظمة العالمية للمرأة الليبرالية)