بصراحة تبدو تهمةُ الركوب على الثورة سخيفةً وضعيفةً لا تليق بثورتنا "المباركة المجيدة"، لأنها تهمةٌ سريعٌ بلعُها وهضمُها ولا تُسبّب مغصا كبيرا للمُتّهمين بها، على غرار تُهمٍ أخرى تنتشر بكثافة هذه الأيام ويجري تسويقها في كلّ الأوساط: تجمعي،رجعي،علماني، لائكي، طرابلسي، ماسوني،عميل،ضدّ الاعتصام،متواطئ، قفّاف، من جيوب الردّة، بنفسجي، خائن، مندسّ،متطرّف، بيّوع، من الأغلبية الصامتة، رهدان، لحّاس، خبزيست، مع الواقف،ملتفّ،مناشد، طبّال...الخ. تهمة الركوب على الثورة ضعيفةٌ مرتجلةٌ لا تَرْقَى إلى مُستوى ما حققته النخبةُ بعد مرور شهرين من سقوط النظام المخلوع ورئيسِه وانحلالِ عقله السياسي الخبيث: التجمع الدستوري الديمقراطي، فهي تهمةٌ أقل ما يقال فيها إنها غير مواكبة للأحداث وغير منسجمة وطبيعة المرحلة ولا متشبعة بأهدافها وغاياتها ولا تتناغم مع ما عبّر عنه الشعب من إرادة الحياة، بمعنى إرادة المشاركة الحقيقية في صنع القرار وتحديد المصير، لا الوقوف على هامش اللحظة وانتظار ما سيقرره الآخرون نيابة عنه، فالتونسيون يطمحون إلى إرساء نموذج ديمقراطي تتاح المشاركة فيه للجميع عبر المجتمع المدني النشيط والأحزاب السياسية وتصير الاستقالة فيه مرادفا حقيقيا للخيانة. تهمة الركوب على الثورة إذن هي من تجليات الفكر الإقصائي الذي يهدف إلى احتكار السياسة مجدّدا، وهو فكر يحنّ إلى وقت قريب سابق كان فيه عزوف فئات عريضة من المجتمع من ضمنها الشباب والمثقفون عن الشأن العام مناسبا جدا للانتهازيين من ذوي الفكر السطحي والمصالح السريعة الضيقة، فقد استغل هؤلاء تلك الاستقالة الجماعية لركوب التّجمع فكرا وجهازا وأدوات محققين غايات خسيسة يعرفها كل الناس ولم يكونوا يملكون إزاءها إلا الصمت والامتعاض، وهم الذين كانوا يفرشون الطريق أمام تأبيد الحكم البنفسجي وتوريثه وتمكين العائلة من التربع على عرش دستور واغتصاب دساتيرها التاريخية وأمجاد مصلحيها الكبار. لو فسح هؤلاء لغيرهم مجال الركوب على التغيير بشكل ديمقراطي لكان ربما وضعُ البلادِ أفضلَ قليلاً ممَّا كان عليه، ولكن نزل كلُّ الذين حاولوا الركوب من فرط الازدحام وروائح الإبط النتنة والجوارب التي لم يخلعها أصحابها منذ عهد الزعيم الحبيب بورقيبة والتسابق المحموم على المقاعد الأمامية لأشخاص ما كانوا يجدون الوقت حتى للاستحمام، هبط رجال اكتشفوا أن عربة التغيير سائرة إلى الهاوية لا محالة كما سارت من قبلها عربة الاستقلال. أن تركب الثورة إذن أفضلُ كثيرا من أن تتفرّج عليها وتتركها تمرّ مزدحمة بالركاب وتظلّ أنت تنتظر ثورة أخرى لتركبها... أن تركب أنت الثورة أفضل من أن يركبها غيرك قبلك، وتظلّ إلى أن يتوفاك الله في محطة الثورات تحت شمس الانتظار وأمطار الضجر واليأس واللامبالاة. أن تركب الثورة أفضل أيضا من ركوب ثورة أخرى تمر وراءها بسرعة محاولة تجاوزها رغم الموانع وتسمى في علم الثورات: الثورة المضادة. أن تركب على الثورة في النهاية أفضلُ من أن تركب الثورة بمن فيها عليك. وتلك هي الحكمة من فعل الركوب