تغطية فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي تونس (الشروق): قرابة الساعة، كان «الجدل» بين الصحفيين والنائبين الأمريكيين «جون ماكاين» عن الحزب الجمهوري و«جو ليبرمان» عن الحزب الديمقراطي، حول طبيعة زيارتهما الى تونس، والتي امتدّت من السّبت الى بعد ظهر أمس. الندوة الصحفية التي عقداها بمقر السفارة الأمريكية في تونس كانت بحضور سفير الولاياتالمتحدة، حيث تراوحت أسئلة الصحفيين بين طلب أسرار هذه الزيارة، التي لم يصدر عن فحواها شيء الى حدود عقد الندوة الصحفية أمس، وبين كشف الصحفيين لمواقف الشعب التونسي من أي حضور أمريكي.. وذلك نظرا للواقع وللإرث السياسي الأمريكي في مجال العلاقات الدولية والذي يتّسم بالهيمنة والاصطفاف ضدّ المصالح الوطنية للشعوب. وبدأ «جو ماكاين» تقديم الزيارة الى تونس، والتي تدخل ضمن جولة بأسبوع لعدد من الدول العربية، حيث قال إنهما هنا، كعضوين في الكنغرس الأمريكي، من الحزبين الأمريكيين ليقدّما التهاني الى الشعب التونسي على ثورته، والبحث في سبل المساعدة الأمريكية الى تونس في هذه المرحلة الانتقالية. وتحدث كل من «ماكاين» و«ليبرمان» عمّا سمياه بالصداقة التاريخية بين البلدين، متفاديين الحديث عن فترة حكم بن علي، وكُنه العلاقة الأمريكية بالنظام المخلوع.. ورأى «ماكاين» الزيارة «فرصة لكي نبدي موقفنا مما يحدث» مبيّنا نقطتين اعتبرهما مظهرين للموقف الأمريكي من ثورة تونس وما يحدث، بخصوص انتخابات حرة ومؤسسات حرّة وقانونية وشفّافة وإعلام حرّ.. كما قال. وكشف كل من «ماكاين» و«ليبرمان» عن أنهما، وخلال إقامتهما بتونس، اجتمعا بمسؤولين في الحكومة وأحزاب معارضة وأطياف عن المجتمع المدني وصحفيين (ليس لغرض ندوة صحفية بل للتشاور) دون أن يذكرا أي شخصية أو حزب ماعدا ذكر أحدهما للقاء جمع النائبين الأمريكيين بوزير الدفاع. «الشروق» طرحت سؤالين على النائبين الأمريكيين هذا نصّهما. ذكرتم أن ثورة تونس هي ثورة الشعب التونسي الذي انتفض بنفسه، وأقررتم أن لا يد للولايات المتحدةالأمريكية في هذه الانتفاضة، وهذا أمر نعرفه، وأنتم هنا في بلدنا منذ ثلاثة أيام وكأنكم تمتطون القطار وهو يسير، فقد التقيتم بمن التقيتم، ولا معلومة واحدة صدرت عنكم أو عن الذين التقيتموهم، بما أننا نعرف جيدا الدور الأمريكي، و«المحاذير» التي قد تضعها واشنطن أمام إمكانية انتخابات حرة في تونس تأتي بحكومة تمثل الشعب والشعب الذي سيؤثر بفعل التغيير الديمقراطي الذي سيقوم به، في بقية بلدان الوطن العربي، ماذا لو حصل انطلاقا من تونس، تغييرا ديمقراطيا يتنافى مع مصالحكم تماما كما وقع لكم في أمريكا اللاتينية، كيف ستتصرّف واشنطن عندها؟ أما السؤال الثاني فهو كالتالي ويخصّ النائب «ماكاين» قلت له: نظرا لتاريخك مع الشعوب العربية، وتصريحاتك حول العراق وفلسطين (وهو من أنصار احتلال العراق وعدم الانسحاب منه) هناك ثلاثة آلاف معتصم من الشعب التونسي، في ساحة الحكومة بالقصبة، ردّدوا مساء الأحد في ما ردّدوا شعارات ترفض المصالح الأمريكية والهيمنة الأمريكية على الأراضي التونسية وأفردوك بكلمة ارحل (Dégage) وذكروا اسمك، فماذا تقول؟ ردّ «جو ماكاين» على السؤال الثاني، مخلّفا له السؤال الأول، وقد تواتر جوابه مع تدخل من النائب «ليبرمان» حين سأل: هل قالوا عني أيضا ارحل؟ إذا قالوها فإنني سأرحل.. ثم واصل «ماكاين» القول وباختصار وعلى آثار ضحكة ليبرمان: أنا أحترم رأي الشعب التونسي في أن يكون مختلفا مع توجهاتي وتصريحاتي.. وعلى كل هذه سمة من سمات الحرية التي خلقتها الثورة.. وأعتقد أنه قبل 14 جانفي 2011 ما كان يقدر التونسيون على ترديد مثل ذاك الشعار.. مضيفا «وأنا أحترم أن ينتقدوني..». وبخصوص السؤال الأول، الذي حاول أن يتغافل عنه النائبان، قال كل من «ماكاين» و«ليبرمان» بعد إعادة السؤال على مسامعهما، أنهما التقيا بمسؤولين في الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، وأضاف «ماكاين» إن المهم أن يكون الحوار والنقاش يهمّ مستقبل تونس.. وقد تحدثنا في الدور الذي يمكن أن تلعبه الولاياتالمتحدةالأمريكية في تونس، من حيث أن تونس، يمكن أن تكون أنموذجا لكل العرب، نظرا الى نسبة التمدرس فيها ووضعية المرأة هنا، وأن «الولاياتالمتحدةالأمريكية سوف تحترم اختيار الشعب التونسي.. وهي لا تملي شيئا على تونس..» وأضاف ليبرمان في هذا الصدد: «سوف نحترم اختيار الشعب التونسي».. من جهة أخرى وحول سؤال آخر في الندوة، بخصوص حاجز الثقة المفقودة، الذي يقف بين الشعوب والولاياتالمتحدةالأمريكية حيث نصّ السؤال: كيف يمكن أن نصدّقكم (الأمريكيين) وأنتم الذين ساندتم الدكتاتورية، وبالأمس رأينا كيف كان موقفكم من الذي حدث في ليبيا، لا يرتقي الى نصرة الشعوب، بقدر ما فيه حرص على مصالحكم، عن هذا السؤال بادر «ماكاين» بالقول: لا أعتقد أن للولايات المتحدةالأمريكية ماضيا كلّه إيجابي.. نحن ساندنا استقلال تونس.. وأوباما تحدث بمناسبة الثورة بتحية ووقف «الجمهوريون» و«الديمقراطيون» سويا، وصفّق الجميع تحية لثورة تونس.. «نعم يواصل «ماكاين» كانت لنا علاقات مع بن علي ولكن كنا دوما نتحدث عن الديمقراطية..» وتناول الكلمة ليبرمان الذي أكد أنه متفق مع زميله في تونس، وخصمه السياسي في واشنطن، قائلا: «يجب أن تحكموا على سياستنا المستقبلية ما سنفعله مع تونس» وأضاف في تأكيد: «صدّقوا أو لا تصدّقوا الشعب الأمريكي صفّق للشعب التونسي بإعجاب» (من خلال جلسة الكنغرس المشار إليها). وبخصوص ليبيا، قال ليبرمان ان «أوباما» أدان العنف.. وتحدث ماكاين في مجال آخر، في الندوة الصحفية، عن محاذير أمريكية بخصوص حكم مفترض للإسلاميين في تونس، قائلا إن «القاعدة» موجودة هنا.. وأن التطرّف الديني وجدناه مرفوضا من المجتمع المدني والأحزاب في تونس.. وتحدث النائبان، عمّا أسموه ب«الالتزام» حتى لا ترجع تونس الى الوراء.. وعن صيغة «الأصدقاء» أم «الحلفاء» التي يمكن إطلاقها على العلاقات بين تونسوواشنطن، قال ماكاين: «نحن أصدقاء ولسنا حلفاء..» فتونس لا تتعرّض الى خطر خارجي يمكن أن يدعو الى التحالف» وقد فهم السؤال على أنه تحالف عسكري، وذلك قد يكون بحكم طبيعة واختصاص «ماكاين» الذي عمل طيارا في سلاح البحرية الأمريكية، وكان أسير حرب لدى الفيتامين.. في حرب الفيتنام. وتحدّث «ليبرمان» عن إضفاء الشرعية على ثورة تونس، التي قال إنها يمكن أن تتحقّق من خلال انتخابات حرّة ونزيهة. و«اشترط» ماكاين في معرض إجابته عن سؤال آخر، أن تخضع المساعدات الأمريكية الى أمرين اثنين: انتخابات حرّة واستثمارات أمريكية في تونس، وهذا على مستوى استراتيجي وتحدّث عن «غضون سنتين».. وفي معرض ردّهما على سؤال آخر، لم يخف كلا النائبين المقصد الحقيقي للسياسة الأمريكية تجاه تونس الثورة وتونس الانتخابات حين قال «ماكاين» أن لدى الأمريكان عددا من المؤسسات في أمريكا وأوروبا التي لها باع في مساعدة بلدان مثل أوروبا الشرقية سابقا، في إنجاز الانتخابات، من مساعدة المترشحين للدخول في حملاتهم الانتخابية الى مساعدة المسار ككل، نافيا أن تكون هذه المؤسسات تتوخّى عملية «إشراف» على الانتخابات.. ولكن لم يخف النائب الجمهوري أن هذه المؤسسات التي لها صبغة غير حكومية، تتقاضى أموالا وتمويلاتها متأتية من الحكومة الأمريكية..!