٭ الجنوبالتونسي «الشروق»: من مبعوثنا الحبيب الميساوي بعد أمطار يومي الثلاثاء والاربعاء ها هي الزوابع الرملية تحجب عنّا الرؤيا وكأنها تتعمّد إخفاء ما يحدث في ليبيا سائق سيارة الأجرة محمّد التابعي يتحدث عن الذهيبة نقطة العبور الأخرى الواقعة على بعد 140 كلم جنوب مدينة تطاوين وكأنها خيمة عملاقة انتصبت لتأوي آلاف الهاربين من ليبيا. فقيل ما عاشته رأس جدير خلال يوم الأحد الفارط كان هناك ما يشبه الزحف في الذهيبة فالتدفق على هذه النقطة الحدودية بدأ منذ يوم الخميس وكالعادة كان جنودنا وضبّاطنا وجيشنا الوطني الجهة الوحيدة التي واجهت الأوضاع بأن نصبت الخيام ووضعت شاحناتها على ذمة الفارين من الجحيم لنقلهم إلى أقرب مدينة تونسية. ونحن نغادر هذه النقطة الحدودية علمنا من أحد الوكلاء الأول بالجيش الوطني أن طيارين ليبيين حاولا الهبوط مساء الاربعاء في القاعدة العسكرية برمادة. مصدرنا لم يؤكد ل«الشروق» إن كانت هذه الطائرة العسكرية الليبية قد حطّت فعلا على مطار القاعدة أم لا لكن الشيء المتأكد أن حالة من الانفلات الكبير يشهدها الطيران الحربي الليبي منذ هروب طيارين ليبيين إلى مالطا رافضين قصف المتظاهرين. دويّ المدافع ونحن على مرمى حجر من الذهيبة فوجئنا بسماع دويّ وصوت انفجارات متتالية مصدرها الصحراء ومرة أخرى يتدخل سائق سيارة الأجرة ليهدئ من روعنا مؤكدا على أنه متعوّد على مثل هذه الانفجارات التي تقوم بها وحدات الجيش الوطني لإزالة الألغام. لكن مصادر أخرى أكدت لنا بأن مطاردة عنيفة تحدث على الجهة الأخرى من الحدود بين عناصر من الجيش الليبي المنشق والموالي وهو ما يفسّر هذه الانفجارات بل وهناك من يتحدث عن هروب الكثير من عناصر الجيش في ليبيا إلى تونس ولا يعرف إلى حدّ الآن شيء عن مصيرهم. مستشفى الزاوية تحوّل إلى بيت للموتى ونحن نتحدّث إلى التونسيين القادمين من ليبيا فاجأنا السيد محمد الهادي صوابنية من معتمدية الجريصة بمعلومات جدّ خطيرة عن وضع مستشفى الزاوية مؤكدا على أن الأموات في كل مكان: «لم يعد مستشفى بل قل بيت للموتى وأشلاء الجثث. الروائح الكريهة تنبعث من كل مكان والوضع لا يطاق». وهو ما يحلينا إلى الحديث عن السيناريو الآخر المحتمل وهو تدفّق مئات بل قل الآلاف من أشقائنا الليبيين الجرحى والمرضى على المستشفيات والمصحات الخاصة في مدن الجنوبالتونسي وهو ما دفع بالهياكل الصحية بولايتي مدنينوتطاوين إلى وضع كافة المستشفيات في حالة تأهب قصوى في انتظار ما ستؤول إليه الأمور. إذ أكدت لنا بعض المصادر الطبية على أنه تمّ وضع ما لا يقل عن 25 سيارة إسعاف و3000 جيب دم على ذمة الاطار الطبي وشبه الطبي لمجابهة أي وضع استثنائي محتمل. السيد حمادي شعبان مدير المستشفى الجهوي بجربة سمح لنا بمتابعة أحد الاجتماعات التي يعقدها يوميا مع الأطباء والممرضين بالتنسيق مع المنظمات وجمعيات المجتمع المدني والنقابات ولجنة حماية الثورة من أجل مساعدة الأشقاء الليبيين من الجرحى الوافدين على تونس. إلى ذلك تطوّع السيد الهاشمي بن يونس لينقلنا علىمتن سيارته وهو صاحب مصحة خاصة للاطلاع على استعدادات بقية المصحات الأخرى بالجهة لمدّ يد العون والمساعدة الطبية لكلّ من يطلبها من الاخوة الليبيين وهو ما أكده لنا الدكتور العياشي صاحب إحدى المصحات الخاصة بأنه لا مجال اليوم للحسابات الضيقة بل للمساعدة ووضع كل امكانياتنا على ذمة التونسيين والليبيين الطالبين للعلاج. الرحلة المضادّة وأنت تتفرّس في الوجوه الحزينة في نقطتي العبور برأس الجدير والذهيبة يعترضك نوع آخر من الرجال وحتى النساء. هؤلاء لم يأتوا لتوّهم من ليبيا بل من تونس العاصمة ومن بنزرت ومن سوسة والكاف والقيروان والقصرين. جميعهم قاموا برحلة مضادة إلى الحدود عاكسين الآية بل قل متحدين الظروف الأمنية. قدموا إلى هنا للبحث عن أخ أو أخت.. عن أب أو أم قد تمرّ وقد لا تمرّ.. قد تعبر وقد لا تعبر الحدود. تراهم يتأملون في الوجوه متطلعين إلى السيارات القادمة من ليبيا علّهم يعثرون على ضالتهم ويطمئنون على مصير هذا القريب أو ذاك. في الأثناء وعلى حسن نيّة هؤلاء وخوفهم على مصائر أقربائهم فإنهم يزيدون الأمور تعقيدا على المتطوعين وعناصر الجيش ويشكلون عبءا عليهم نظرا لمحدودية الامكانيات المتوفرة لاستقبال الوافدين من ليبيا. لكنك تجد لهم عذرا بل أعذارا لما تعلم أن منهم من يبحث عن أخت انقطعت أخبارها منذ أكثر من أسبوع وهو السيد علالة الطويهري بن سالم الذي أكد على نشر اسمه الثلاثي لعلّ أحدهم يتعرف على أخته من خلال أعمدة «الشروق» وتخبره عن مصيرها. يقول السيد علالة: «شقيقتي تملك مغازة لبيع الملابس بالعاصمة وقد تعوّدت على السفر إلى ليبيا للتزوّد بحاجياتها وكانت سافرت منذ أكثر من أسبوع إلى طرابلس وإلى حدّ الآن لم نتمكّن من الاتصال بها لذلك جئت إلى هنا وأنا مستعدّ للذهاب إلى ليبيا من أجل البحث عنها». ومثل محدثنا يوجد هنا الكثير من التونسيين الذين قدموا للبحث عن أهاليهم ومنهم السيد عمار الطياري من القيروان علم أن الكثير من المساجين التونسيين الذين يقضون عقوبات في السجون الليبية قد قتلوا، بل أن هناك من يتحدث عن حركات عصيان قاموا بها المساجين في ليبيا أدت إلى حالات حرق وتبادل لإطلاق النار بين حراس ليبيين ومنشقين وموالين من أجل فتح أبواب السجون وإطلاق سراح السجناء وهو ما دفع بالآلاف منهم إلى الفرار. مصير غامض للمساجين التونسيين في ليبيا حسب محدثنا وهو المتابع لآخر الأخبار القادمة من ليبيا وخاصة في ما يتعلّق بالمساجين يوجد بالسجون الليبية ما يناهز الألف سجين تونسي فيهم حوالي الخمسة والعشرين من المحكوم عليهم بالاعدام والبقية تعلّقت بهم قضايا حق عام أو ممن تمّ القبض عليهم في عمليات للهجرة السرية عبر السواحل الليبية نحو إيطاليا والخوف كل الخوف هو أن يكون مصيرهم مثل مصير المساجين في بعض السجون التونسية إبان ثورة 14 جانفي لما تعمّد بعض أزلام النظام السابق من خلق حالة من الفوضى أدت إلى وفاة الكثير منهم إما حرقا أو رميا بالرصاص ولما نعلم الحالة التي عليها السجون في ليبيا وخاصة والكلام دائما لمحدثنا في السجن المركزي بطرابلس هناك ما يدعو إلى القلق والخوف على مصير هؤلاء التونسيين الآخرين. وإن كان هذا هو حال المساجين فمصير المئات من التونسيين العالقين على الحدود المصرية الليبية وبالأخص في نقطة العبور بطبرق لا يزال غامضا وهو ما تؤكده السيدة زكية المالكي التي تقول انها اتصلت بمصالح وزارة الخارجية بالعاصمة لتسأل عن مصير زوجها المقيم بمدينة بنغازي وقد يكون حاول الدخول إلى الأراضي المصرية عبر بوّابة طبرق ولم تحصل على ردّ واضح فقررت القدوم إلى هنا من أجل البحث عنه. يذكر أن السفارة المصرية بتونس أوفدت بعض المسؤولين إلى رأس الجدير والذهيبة لاستقبال رعاياهم الوافدين من ليبيا إلى تونس ولا نعلم إن كانت السلطات التونسية قد اتخذت نفس التدابير بخصوص مئات التونسيين العالقين على الحدود المصرية. في الأثناء بدأت بوادر أزمة اقتصادية واجتماعية تتشكل في الأفق هنا في الجنوبالتونسي بسبب غلق الحدود ووجود الآلاف من التونسيين في حالة بطالة وهم الذين كانوا يعيشون من ما يجلبونه من ليبيا من بضائع وهذه حكاية أخرى..