التصدي الايجابي لمناورات الثورة المضادة وفقا لما سلف بيانه في الحلقة السابقة، يقتضي تصحيح المسار المتعثر للثورة، وهذا التصحيح يستوجب تحقيق الانتقال من الشرعية الدستورية الوقتية المتهرئة والمنتهية إلى الشرعية الثورية التأسيسية القائمة والمنتظرة، وهو ما نتناول أهم ملامحه ومكوناته في هذا المحور الأول. أولا: الانتقال من الشرعية الوقتية إلى الشرعية الثورية بوصول الرئيس المؤقت يومه الخامس والأربعين وهو في سدة الرئاسة دون إنجاز مهمته الدستورية الأساسية طبقا للفصل 57 من الدستور باعتباره المصدر الأصلي الرسمي الذي يستمد منه شرعيته الوقتية، تكون هذه الشرعية الوقتية قد دخلت الأجل المسقط لها والذي يستمر لمدة خمسة عشر يوما من اليوم السادس والأربعين إلى اليوم الستين. هذا ما يميز الانتقال من الشرعية الوقتية المنتهية إلى الشرعية الثورية التأسيسية المنتظرة، ولهذا الانتقال أدوات نستعرض أهمها في ما يأتي: تأكيد انتهاء مهام الرئيس المؤقت للجمهورية يجب أن يكون واضحا بما لا يدع أي مجال للشك أو اللبس أن الرئيس المؤقت للجمهورية يستمد مبرر شرعيته من الفصل 57 من الدستور الذي بالاستناد إليه أمكنه أن يرتقي إلى سدة الرئاسة، والصفة المؤقتة لهذه الرئاسة مرتبطة بالفصل المذكور وتحديدا بالمهمة الدستورية الأساسية الموكولة إليه، والمتمثلة في « تولي مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه ستون يوما» وتأكد هذا الدور بما قرره نفس الفصل « وخلال المدة الرئاسية الوقتية يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد لمدة خمس سنوات». وحينئذ وطالما أنه من الثابت أن الرئيس المؤقت لم يقم بمهمته الدستورية في الدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية خلال المدة الرئاسية الوقتية المحددة ، بل أكثر من ذلك لم يلتفت الرئيس المؤقت إلى هذه المهمة الدستورية بالمرة ولم يكن في ذهنه شيء من ذلك، بما يكون أداؤه طوال هذه المدة منذ توليه الرئاسة الوقتية إلى الآن قد أكد إعراضه وامتناعه عن أداء مهمة دستورية بما يكون معه قد أخل بالدستور الذي يستمد منه شرعيته كرئيس مؤقت ويكون في نفس الوقت قد أخل بمقتضيات اليمين الدستورية التي أداها وأضفت عليه هذه الشرعية الدستورية الوقتية وأهم ما في هذه اليمين حسب الفصل 42 من الدستور « وأن أحترم دستور البلاد » وهو لم يتحرك في اتجاه احترام الدستور، ولم يتخذ أي إجراء للدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية للانتقال بالبلاد من وضع الرئيس المؤقت إلى وضع الرئيس المنتخب، ولذلك أمام التقصير الواضح في أداء هذه المهمة الدستورية وفي الإخلال بمقتضيات اليمين الدستورية يكون قد فقد صفته كرئيس مؤقت منذ حلول اليوم السادس والأربعين من رئاسته المؤقتة. ولا يجوز تبعا لذلك التفكير في التمديد له أو في التعامل معه كأمر واقع باعتباره رئيسا فعليا للدولة مثلما يقترح البعض وكأن رئيس الجمهورية مجرد موظف عمومي انعدمت فيه بعض الشروط لاكتساب صفة الموظف الرسمي فيكتسب واقعيا صفة الموظف الفعلي ومثل هذه المقارنة لا تصح لاختلاف الإطار. ودون جدوى أيضا يحاول البعض البحث عن أساس دستوري آخر لتمديد مدة الرئاسة الوقتية بما يتجاوز الستين يوما وذلك باختلاق حالة تعذر غير موجودة في الواقع تستوجب في نظرهم مثل هذا التمديد الفاقد لأية شرعية ولأي تبرير، وحالة التعذر هذه تعرض لها الفصل 39 من الدستور في فقرته الأخيرة وهي حالة تتعلق بالرئاسة العادية ولا يمكن أن تنطبق بخصوص الرئاسة الوقتية وهو ما يجعل مثل هذا الاقتراح مستجيبا لاعتبارات شخصية وكأن الأمر يتطلب فتوى دستورية عائلية بهذه الشاكلة اللادستورية.. ويكفي التذكير فقط بأنه مادام هناك قبول بالالتزام باحترام وتطبيق الدستور في البداية لاكتساب الشرعية في تقلد منصب الرئيس المؤقت فإن أية محاولة للتمديد في ما هو مؤقت إنما هو شكل من أشكال التحايل على الدستور، ومثل هذا التحايل إجراء مرفوض لأنه يمثل نتيجة مناقضة للمقدمة، فالمقدمة دستورية والنتيجة غير دستورية، والمفروض في من أعلن منذ البداية التزامه بالدستور أن يواصل ذلك الالتزام إلى النهاية بما يجعل في موقفه انسجاما بين المقدمة والنتيجة، وهذا الانسجام يقتضي أن النتيجة المترتبة عن المقدمة إنما هي انتهاء الشرعية الدستورية للرئيس المؤقت تبعا لانتهاء مدة الرئاسة الوقتية المحددة دستورا إلى غاية ستين يوما، ارتباطا بالواجب الدستوري المحمول على الرئيس المؤقت والمتمثل في الدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية خلال أجل محدد وهو ما لم يفعله تقصيرا منه، ولا يستطيع حينئذ أن يتمسك بتقصيره ليطلب التمديد في مدة رئاسته الوقتية المنتهية لأن مثل هذا التمديد ليس له ما يبرره طالما أن الرئيس المؤقت لا يستطيع أن يثبت أنه تحرك أو حاول أن يتحرك للاضطلاع بهذا الواجب الدستوري وأنه عجز عن تحقيق النتيجة المطلوبة في الأجل الدستوري المحدد لاعتبارات خارجة عن نطاقه، بينما الواقع يؤكد أن استحالة تحقيق النتيجة يعود إلى الامتناع المتعمد عن السعي إلى تحقيقها بل والامتناع عن التحضير للشروع في تحقيقها. فهذا الرئيس المؤقت المنتهية ولايته أصبح فاقدا للشرعية الدستورية التي جاءت به ، ومجرد التفكير في التمديد له إنما هو في تعارض مع إرادة الشعب وهو في نفس الوقت تكريس لاستمرار نظام بن علي وتكريس للتطبيع معه، وهو أمر مرفوض دستوريا وسياسيا وشعبيا، ولا يشفع له أنه استقال من حزب التجمع الدستوري فهذا كان إجراء ضروريا للقبول به كرئيس مؤقت وليس للتمديد له، خاصة أن قرار وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة القاضي بتجميد حزب التجمع الدستوري في انتظار حله قضائيا وقد انطلقت إجراءات ذلك، فهذا القرار يفقد الرئيس المؤقت صفته بما تنتهي معه ولايته المؤقتة.. يضاف إلى ذلك أن نستشهد بما جاء على لسان الرئيس المؤقت في كلمة موجهة إلى الشعب من وعد بمستحيل عندما ذكر أنه سيعمل على «القطع التام مع الماضي»، أليس هذا الكلام من قبيل الوعد بالمستحيل حتى لا أصفه بوصف آخر مشين؟! ، إذ كيف يمكن لرئيس مؤقت هو جزء هام من تركة الماضي أن يحقق القطع التام مع الماضي؟ بداية القطع التام والحقيقي مع الماضي تكون حتما مع انتهاء مهام الرئيس المؤقت ورفض التمديد له لأن رفض التمديد هو الذي سيجعل وعد الرئيس المؤقت بالقطع التام مع الماضي محقق الوقوع يقينا، فالرحيل هو الذي يخرج الوعد من دائرة المستحيل، والشعب ينتظر في هذه المرحلة الجديدة أن يعده المسؤول بالممكن والراقي والجميل. لذلك يكون مطلوبا من الرئيس المؤقت، الذي بدأ يفقد حاليا صفته الشرعية المؤقتة بعد دخوله في الأجل المسقط لهذه الصفة المؤقتة، أن يتقدم إلى الشعب التونسي خلال هذا الأجل الممتد خمسة عشر يوما، من اليوم السادس والأربعين إلى اليوم الستين، بخطاب تخليه وتأكيد انتهاء مهمته الرئاسية الوقتية. (يتبع) ٭ الأستاذ محمد رضا الأجهوري (كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس)