الآن وقد انتقلت تونس من عهد الطغيان والقهر والتعتيم الى دنيا العدل والمصالحة والوضوح، ينكبّ أهل الحلّ والعقد من ذوي النوايا الصادقة والضمائر الحيّة على معالجة عديد الملفات الحساسة والمشاكل الخطيرة لايجاد الحلول الملائمة لها وتصحيح المسار العام حتى ننطلق جميعا نحو بناء تونس الغد على أسس متينة ترسو بها على شاطئ الأمان. نحن الآن نعيش مرحلة دقيقة جدّا، فبقدر سعادتنا وابتهاجنا بهذه الحرية التي ننعم بها بفضل اللّه تعالى وبفضل من ضحّوا بأرواحهم في سبيل تحقيق هذا الحلم السامي بقدر ما تتطلب منا هذه المرحلة اليقظة والحذر. ذلك أن كل الثورات والانتفاضات التي شهدها العالم سابقا ويشهدها في العصر الحديث اصطدمت وتصطدم بما يسمّى بقوى الردة والشدّ الى الوراء. هذه الأنماط البشرية التي دأبت على العيش وسط مستنقع الرذائل والشرور فلا يوجد في قاموسها قيم ولا مبادئ انسانية ولا فضائل. فلا مناص إذن من التصدي لمثل هذه القوى ولاعداد الحرية في الداخل والخارج وهنا يبرز دور الاعلام الصادق والنزيه والمسؤول وهو المؤتمن على حماية مكتسبات الثورة المجيدة التي تعدّ بحق ثروة لا تضاهيها ثروة باعتبار أن مكتسبات الثورة تعدّ بوابة العبور نحو الرقي والعزة والازدهار والخلود. ومن الطبيعي أن العدل هو الدعامة الكبرى لمناعة الأمم واستقرارها وهو يقتضي المساواة بين جميع فئات الناس ومختلف الحركات السياسية والفكرية وغيرها. فلا تهميش ولا اقصاء ولا بدّ للاعلام أن يرصد كل التجاوزات وكل المحاولات الرامية الى تقويض أركان الحرية وهدم صرحها الشامخ. أما إذا وقف الاعلام في هذه المرحلة الحرجة موقف المتفرج أو غض الطرف عن أيّ تجاوز أو تصرف غير مسؤول فيا خيبة المسعى عندئذ ويا مصيبة عظمى تهون أمامها المصائب لأننا فرطّنا فرحة لا تقدر بثمن وساهمنا في دفع البلاد نحو المجهول. فاليقظة اليقظة والحذر ومن أنذر فقد أعذر.