اختزل الشارع التونسي عشية أمس التجاذبات السياسية العميقة التي تشهدها البلاد فبين ساحة القصبة التي تحتضن المعتصمين المطالبين باسقاط الحكومة حيث تعالت الزغاريد فرحا باستقالة الوزير الأول محمد الغنوشي وبين المنزه الخامس حيث تجمهر مئات المواطنين كانت الرسائل واضحة... رسالة أولى تعكس صراعا مفتوحا مع الحكومة ومطالبة باستحقاقات سياسية واضحة أهمها المجلس التأسيسي وحل التجمع الدستوري الديمقراطي ورسالة أخرى ترى أن العودة الى المربع الأول خطر على استقرار تونس. «الشروق» تجولت أمس بين الساحتين المتقابلتين أي ساحة القصبة ومنزل محمد الغنوشي والبداية بالقصبة حيث وقفنا على المظاهر الاحتفالية المرتبطة باستقالة الوزير الأول وفي هذا السياق تحدثنا الى عبير الساهلي (متحصلة على دكتوراه في الحضارات القديمة) فأكدت في البداية على أن هذه الاستقالة شكلت جرعة أوكسجين للمعتصمين بساحة القصبة وقد تكون بداية لقرارات أخرى منتظرة ابرزها الدفع في اتجاه تشكيل مجلس تأسيسي. أحداث منظمة عبير المعتصمة بساحة القصبة منذ أسبوع أكدت على أن الاعتصام سيتواصل حتى تتحقق بقية المطالب ومن أبرزها حل التجمع وهي تشترك في هذا الموقف مع سامي الغزواني الذي طالب أيضا بتكوين مجلس لحماية الثورة يتألف من النخب واللجان الشعبية. محدثنا أصر على فتح قوس يتعلق بالاحداث الدامية التي شهدها شارع بورقيبة بالعاصمة مؤكدا بأن العملية كانت منظمة والهدف منها اثارة الفوضى وارباك التونسيين. وأضاف «اعتصامنا سلمي والدليل أنه لم تحدث أية تجاوزات في القصبة... لدينا لجنة نظام تتولى مراقبة الداخلين الى الساحة وقد أمسكنا بأشخاص يملكون أسلحة بيضاء ومواد مخدرة وسلمناهم الى قوات الجيش». شعارات بدا اعتصام القصبة ونحن نتجول داخله على قدر كبير من التنظيم حيث تجندت عدة أطراف لضمان تواصله ونصبت خيام ووزعت ابواق كانت تنطلق منها الشعارات المطالبة بتحقيق بقية المطالب علما بأن بعض التيارات السياسية حاولت صباح اليوم الركوب على الحدث عبر الدخول الى الساحة ورفع بعض الشعارات وقوبلت باستهجان واضح من قبل المعتصمين وهو ما أكدته عبير الماجري التي أشارت من ناحيتها الى أنها تعتصم منذ أسبوع من أجل مطالب واضحة ولا تنتمي لأي حزب من الأحزاب السياسية. الوجه الاخر للشارع التونسي لم تمر ساعة تقريبا على اعلان الوزير الاول عن استقالته حتى تهافت مئات التونسيين على بيته الكائن بالمنزه الخامس بالعاصمة. الاعداد كانت تتدافع من كل ناحية وارتفع النشيد الوطني وحلت باقات الورود تعبيرا عن التمسك بالرجل الذي أكد رحيله منذ وقت قصير. حاولنا استجلاء وجهة نظر التونسيين المتواجدين في هذا المكان وتنقلنا الى المنزه الخامس والبداية كانت بالسيد عارف المصمودي الذي أوضح أنه جاء الى المنزه الخامس لأنه ببساطة شديدة يحب تونس ويرى ان هذه الحكومة انتقالية ولا يمكن ان تتخذ قرارات ضد إرادة الشعب. وأضاف: «أنا متأكد ان الغنوشي شخص نظيف ومحاسبة أداء الحكومة سابق لأوانه لأنها لم تأخذ الوقت الكافي لاجراء الاصلاحات المطلوبة.» السيدة ليلى شرمتو قالت من ناحيتها ان المعتصمين بالقصبة جزء من الشعب التونسي ونحن جزء من هذا الشعب ونحن نمثل 98٪ من التونسيين الصامتين الذين يريدون الاستقرار والعمل لمصلحة الأجيال القادمة. السيدة ايمان زهواني تدخلت لتقول انها كانت في سيارتها عندما سمعت نبأ استقالة الوزير الاول وقررت بصفة تلقائية الذهاب الى بيته للتعبير عن مساندتها له باعتباره رجلا يستحق التقدير والاحترام على تحمله المسؤولية في ظرف صعب جدا وتساءلت هل أن من يعتصمون يمثلون لوحدهم الشعب التونسي؟. نقطة الصفر أكثر من مواطن تحدث بعد ذلك ليؤكد على الفكرة الأساسية التي جاء من أجلها الى المنزه الخامس وهي رفض العودة الى نقطة الصفر كما هاجم البعض بعنف قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل وبعض الاطراف السياسية المتطرفة والمحسوبين على التجمع الدستوري الديمقراطي الذين التقوا حول هدف واحد هو اثارة البلبلة والفوضى وارهاب التونسيين. القادمون الى بيت الغنوشي أكدوا أنهم اختاروا العمل خلال الفترة الماضية لكنهم لن يصمتوا مستقبلا وسيعبرون عن رأيهم في كل المنابر.