بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة ائتلاف.. محاصصة وترضيات... فهل تكذب التوقعات؟
ملف: الخطأ غير مسموح..
نشر في الصباح يوم 26 - 12 - 2011

منية العرفاوي - رغم أن الحكومة الجديدة مازالت في بداية طريقها لإنجاز ما أعلنت عنه من برامج تبدو رغم طابعها "الحالم" مستجيبة لتطلعات شعب ينتظر بصبر نافذ جني ثمار ثورته وتحقيق أهدافها تزامنا مع احتفاله بذكراها الأولى؛
إلاّ أن ذلك لم يمنع وضعها على محكّ النقد لا الانتقاد لأنها «أضاعت» وقتا في تشكّلها بعد ما شهدته من تجاذبات؛ كما أن تيار المطالب الاحتجاجية الذي حتمته أوضاع اقتصادية واجتماعية لا يبدو في صالحها لذلك فإن البداية بالنسبة إليها صعبة ولا نتمنّى أن تكون متعثّرة.. ورغم أن الفريق الحكومي الذي ولد بعد مخاض عسير أثار لغطا لدى الرأي العام وحرّك جدلا واسعا داخل التأسيسي وأرضى هذا وأغضب ذاك ..فإنه يظهر أنه مصرّ على نجاح نتمناه رغم غياب الدربة والحنكة في الممارسة السياسية الفعلية وتسيير دواليب الدولة..
ولا شكّ أن بلادنا التي تشهد لأوّل مرة في تاريخها السياسي ولادة حكومة ائتلافية ثلاثية الألوان مع بعض «المستقلين» فإننا نرجو أن تكون في مستوى التحديات لأننا في فترة غير مسموح فيها أن تخطىء، بالإضافة إلى أن آليات الرقابة الحامية للديمقراطية تبدوغائبة فعليا عن المشهد السياسي..وهو ما يطرح أكثر من تساؤل بالإضافة إلى عسر المهمة الحكومية بالنظر إلى تحيات الراهن، وهو ما دعا بعضهم إلى وصفها «بحكومة المهمة المستحيلة..»

رشيدة النيفر:المحكمة الدستورية «ثغرة» التنظيم المؤقت للسلط ..
مائدة مستديرة تجسد الوفاق الوطني حول المرحلة..
لئن كان تاريخنا السياسي يتلخّص إجمالا في معطى يتيم هو هيمنة الحزب الواحد على المشهد السياسي واحتكاره للجهاز التنفيذي والتشريعي مع «بهارات» ديمقراطية خادعة تجلّت خاصة في معارضة ديكورية أغلبها موال والبقية «مجمّدة» ومن دون وزن..فإن التغير الثوري تمخّض عنه حكومة ائتلاف لم نشهد مثلها من قبل..ولمعرفة سلبيات وإيجابيات الحكومة الائتلافية وقدرتها على إدارة البلاد بمعطيات الراهن كان لنا لقاء مع أستاذة القانون الدستوري في الجامعة التونسية رشيدة النيفر..
ائتلاف حتمي لكن هشّ..
في البداية تقول الأستاذة النيفر: «لا بدّ أن نفهم أن اللجوء إلى حكومة ائتلاف هي عادة ضرورة يحتّمها الوضع الحزبي في نظام سياسي معيّن..ذلك أن التوازن الذي يقوم عليه النظام السياسي هو توازن بين أغلبية في الحكم وأقلية في المعارضة. وفي الدول التي تقوم على الثنائية الحزبية تفرز الانتخابات عادة حزبا يحظى بالأغلبية يقابله حزب يشكّل القوة الثانية في البلاد ويكوّن المعارضة الرسمية كما هو الشأن في بريطانيا مهد النظام البرلماني أو الولايات المتحدة الأمريكية مهد النظام الرئاسي. فبقطع النظر عن طبيعة النظام تلعب الأحزاب دورها في تنظيم ممارسة السلطة..
وبالنسبة إلى تونس التي عاشت طيلة عقود عديدة في ظلّ الحزب المهيمن والذي تحوّل في الفترة الممتدة من 1963 إلى 1980 إلى الحزب الوحيد بحيث تم منع بقية الأحزاب من التواجد فإن الإطاحة بنظام بن علي وحل التجمّع الدستوري الديمقراطي أدّى ضرورة إلى إعادة تشكيل الخارطة الحزبية في البلاد. وتتسم هذه الخارطة بالتفكّك والهشاشة؛ وقدّ أدّت انتخابات 23 أكتوبر إلى فوز عدد من الأحزاب الصغرى والمتوسطة ؛ وهذا لا يسمح لأي حزب بأن يعتلي بمفرده السلطة و ربّما كانت هذه هي إرادة الشعب حيث إنه قاسى الأمرين من انفراد حزب بالسلطة ..إذن، الائتلاف تحتّمه الخارطة الحزبية التي أفرزتها انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ولكن هذا الائتلاف يبقى متسما بالهشاشة لانعدام أرضية إيديولوجية أو فكرية أو حتى سياسية يوحّد بين قوى الائتلاف.
وحتى يتجاوز هذا اللقاء الصبغة الظرفية لا بدّ أن تتوفّر شروط سياسية وأن يتم وضع آليات قانونية تبعد البلاد في هذه المرحلة الدقيقة عن أزمات التفكّك أو الصراعات الجانبية..
نحتاج إلى حوار وطني ..
لا يبدو أن مهمة الحكومة لن تكون سهلة في قادم الأيام خاصّة إذا لم تسع للانفتاح على باقي القوى حتى تهدأ الأوضاع الاجتماعية ونتمكّن من تطويق المشاكل المستجدة . وعن ذلك تقول الأستاذة النيفر: «فيما يتعلّق بالشروط السياسية يتوجّب والبلاد تمرّ بفترة انتقالية أن تستند الحكومة والتي هي بدورها مؤقتة إلى جملة من المبادىء توضّح الأهداف التي قامت من أجلها الثورة وهذه المبادىء يجب أن يتجمّع حولها لا قوى الائتلاف التي هي في السلطة فحسب ولكن كذلك بقية الحركات السياسية سواء كانت داخل المجلس الوطني التأسيسي أو خارجه ..
وبالإمكان أن يتم التفكير في الدعوى من المجلس بوصفه السلطة العليا والمطلقة إلى مائدة مستديرة كما تمّ في عديد الدول التي مرّت بالانتقال الديمقراطي وتصدرعن هذه المائدة المستديرة وثيقة تجسّد وفاقا وطنيا حول طبيعة المرحلة الانتقالية يكون من دونها الائتلاف الحكومي هشّا وربما يتصدّع..»
«لسنا في حالة حرب لنطلب هدنة..»
رغم أن القوى المتصدّرة للمشهد السياسي الحالي تستند إلى الشرعية الانتخابية فإن ذلك لم يمنع تواصل نزيف الاحتجاجات، ولعلّ ذلك السبب هو ما دفع برئيس الجمهورية المؤقت المرزوقي إلى طلب «هدنة اجتماعية» لمدة 6 أشهر. وحول ما تقدّم تعلّق الأستاذة رشيدة النيفر بقولها: «أوّلا، أظنّ أن كلمة «هدنة» ليست في محلّها ..ولا أظنّ أن البلاد في حالة حرب بل هي حالة مواصلة للمدّ الثوري فهناك فئات عديدة تعتبر أن الثورة لم تنجز أهدافها أمّا إن كان المقصود هو تحقيق التوافق الوطني حول ضرورة إعادة التأسيس أو إعادة بناء النظام على أسس ديمقراطية والنهوض بالاقتصاد فان ذلك لا يتم إلاّ بالدعوى إلى حوار وطني وبالإمكان أن تشكّل المائدة المستديرة تحت إشراف المجلس الوطني التأسيسي..
أين المحكمة الدستورية؟
اعتبر ثلة من أساتذة القانون الدستوري أن عدم التنصيص صلب القانون المنظّم للسلط العمومية على بند يتعلّق بالمحكمة الدستورية التي هي من مميزات النظام الديمقراطي والضامن الوحيد لعدم الزيغ أو الانحراف بالسلطة من أي جهاز سواء كان تنفيذيا أو تشريعيا. وقد طرحنا ذات السؤال على محدّثتنا فقالت :"تحدّثنا آنفا عن ضرورة توفّر آليات رقابة؛ فمن الضروري تفعيل آليات الرقابة الموجودة والمتمثلة في القضاء بأصنافه الثلاثة: (العدلي والإداري والمالي) وكذلك إحداث محكمة دستورية عليا تكون الرقيب لمدى احترام كل سلطة لصلاحياتها ومراقبة هذه الصلاحيات حتى لا ننحرف بالحكم إلى طور استبدادي خبرنا تداعياته الكارثية على البلاد. وتبقى كل الآليات الرقابية هي الضامن الأساسي لقيام التوازن بين السلط خلال المرحلة الانتقالية".

صلاح الدين الجورشي:.. حكومة االمهمة المستحيلةب!!
يبدو أن البدايات ستكون صعبة أمام الحكومة الجديدة فكثير من العوامل لا تصبّ في خانة مصلحتها بقدر ما تمثل عامل تحدّ لنجاحها المستقبلي كما أنه من الطبيعي أن تطرح إشكالية التجانس بين الفريق الحكومي بالإضافة إلى أن العديد من المتتبعين للشأن السياسي أبدوا خشية حقيقية من أن تتحوّل الإدارة إلى فيصل سياسي تابع لحزب بعينه...
ولتسليط الضوء على هذه المعطيات المطروحة اليوم اتصلنا بالمحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي الذي قال إن هذه الحكومة هي حكومة المهمة المستحيلة بالإضافة إلى أنه يخشى على الإدارة التونسية من التحزّب..
هو أوّلا يجب أن نؤكّد على أن في تاريخنا السياسي لم نشهد حكومات ائتلافية وبالتالي أوّل تجربة سنقوم بتقييمها بعد فترة من الزمن خاصّة أن هذه الحكومة تشكّلت في سياق سياسي تميّز بالتجاذبات والصراعات وهو ما جعل ميزان القوة المنبثقة عن الانتخابات أفرز 3 أحزاب تقترب في بعض توجهاتها لتشكّل هذه الحكومة ..وحالة التجاذبات هذه كانت لاعتبارات حزبية رغم القواسم المشتركة .
وبناءعليه فإن عامل الزمن سيشكّل عامل اختبار لمعرفة مدى قدرة هذه الأحزاب للتجانس وقدرتها على التغلّب على التباين في وجهات النظر في عديد الملفات الحيوية..ب
الوقت..و غياب التجانس اضدب الحكومة
رغم أنه يبقى على هامش العمل الحكومي الحقيقي فإن عامل الوقت الذي ترتّبه الأوضاع العامة للبلاد يقضي بسرعة الإنجاز مع صفر من الأخطاء؛ كما أن الفريق الحكومي الجديد وبحكم اختلاف ألوانه الحزبية يحتاج لفترة للتجانس والعمل المشترك.
وحول ما ذكر يقول في هذا السياق صلاح الدين الجورشي : اصحيح أن العوامل المذكورة لا تخدم مصلحة الحكومة الجديدة ولا تعطيها فرصة التأمّل واتخاذ القرارات العاجلة والصائبة لذلك سميتها حكومة المهمة المستحيلة..ولكن رغم ذلك نحن مضطرون لمنح الثقة لهذه الحكومة وإعطائها فرصة الحركة بل و أكثر من ذلك أن نساعدها على تجاوز بعض المطالب العالية جدّا ضمن ما سمّاه رئيس الجمهورية ببالهدنةب الاجتماعية الضرورية عسى أن يوفّر مناخا ملائما من الاستقرار لأني أعتقد في النهاية أن فشل هذه الحكومة له تداعياته وانعكاساته السلبية على مرحلة الانتقال الديمقراطي ككل..
نعم لإصلاح الإدارة..لا لتحزيبها
عبّر محدّثنا وفي أكثر من منبر على خشيته من أن تقع الإدارة التونسية بين براثن التحزيب وفي سياق ما ذكر أكّد صلاح الدين الجورشي :بنعم عبّرت عن خشيتي ولا أزال من أن يكون لهذه التشكيلات الحزبية التي سنشهدها خلال المرحلة القادمة ؛ وأخشى أن تكون لها انعكاسات على استقرار الإدارة التونسية وبالتالي التفويت في ما تملكه الإدارة من ثورة بشرية تجمع بين الكفاءات والمعرفة الكبيرة بالملفات بمعنى أن دولا أخرى شهدت هذه الظاهرة و أن كل وزير يصاحبه طاقم إداري موال لحزبه ولونه الإيديولوجي ونتيجة هذا التورّط ستكون وخيمة؛ مع الملاحظ أن هذا لا يعني عدم القيام بإصلاحات عميقة في الإدارة لكن هناك فرق بين ضرورات الإصلاح الإداري وتحزيب أو تسييس الإدارة.

شكري بلعيد :تعامل مع الدولة بمنطق الغنيمة...!
منذ تشكيلها وحكومة الجبالي تبدو مثيرة للجدل المتواصل والذي تعلّق خاصة بتشكيلتها التي يرى الكثيرون أنها خضعت للولاءات والمحاصصة أكثر منها بحثا عن الكفاءات ..طرحنا ذات السؤال على الأستاذ والناشط السياسي شكري بلعيد والعضو بالمجلس الوطني التأسيسي ..
نحتاج إلى رجالات دولة وليس إلى مناضلي
في مستهلّ حديثه معنا أكّد شكري بلعيد بقوله: «هذه الحكومة هي حكومة محاصصة، حزبية بامتياز، تعاملت مع الدولة كغنيمة انتخابية؛ وهي حكومة متضخّمة ، لا تتوافق مع دورها الذي هو تصريف شؤون البلاد لمدة لا تقلّ عن السنة في انتظار صياغة الدستور واستكمال الشرعية بانتخابات تنفيذية وتشريعية ؛ وهذا التضخّم لا نجد له مبرّرا في وضع حرج للبلاد ؛ ويفترض فريق حكومي صغير يتسم عمله بالجدوى والفاعلية وسرعة الإنجاز..كما يجب أن أشير إلى أنّنا اليوم في حاجة ماسة إلى رجالات دولة وليس إلى مناضلين و شهادات علمية؛ فتسيير الحكم هو خبرة بأمور الإدارة وحنكة وسرعة اتخاذ للقرار المصيب. والغريب أننّا لا نجد اليوم في هذه الحكومة أيا من كفاءاتنا الإدارية متقلّدا لمنصب وزاري أو كاتب دولة.
كما أن الطريقة التي شكّلت بها الحكومة تعتبر سابقة خطيرة بحيث إن المعتاد أن تتحالف أطراف سياسية وتقدم برنامجا واضح المعالم؛ وبعد تحديد المهام يأتي دور البحث عن الكفاءات ؛ لكن ما حصل عندنا هو العكس. فقد تمّ توزيع الحقائب في شكل أسهم على الأحزاب والحزب بدوره حاول ترضية مكتبه السياسي طبعا مع الاحتفاظ بنصيب الأسد لحزب رئيس الحكومة وهي محاصصة لا تنمّ عن وعي مؤسساتي وعلى قدرة فعلية على تسيير دواليب الدولة . ففي العالم يتمّ تقديم الشخص على أساس كفاءته وأحقيته بالمنصب دون إرضاء أو لغة ولاءات..فحتى المشروعية السجنية التي تبدو حاسمة في الحكومة الحالية قد تخلق مناضلين وليس رجالات دولة..»
ضدّ التقشّف
وحول السؤال المتعلّق بسياسية الشفافية والتقشّف الحكومي التي طالب بها إعلاميون وممثلون عن الجمعية التونسية للشفافية والتي يبدو أن هذه الحكومة لم تخطرببالها وهي تحدث وزارتين دفعة واحدة يقول: «حسب ما نلحظه هو أن هؤلاء يريدون الحكم مدى الحياة وليس لفترة انتقالية وقلنا سابقا إن العمل الحكومي يفترض فريقا صغيرا في هذه الفترة بالذات..وحتى ترسانة مستشاري الجبالي فإن في ذلك تذكير ببن علي من خلال ذهنية الرقابة ومركزة كل السلط في يد واحدة..عوضا أن نتجه لسياسة تقشّف حقيقي تبرز للرأي العام مدى انضباط هذه الحكومة وغيرتها على الوطن وتقديم مصلحته العليا على كل مصلحة خاصّة..»
وفي ختامه حديثه معنا أكّد الأستاذ شكري بلعيد أن من إيجابيات المرحلة الحالية أنها عرّت الحقائق وامتحنت الخطابات والشعارات الفضفاضة وأبرزت بالدليل أن المناضل قد يرتهن في لحظة إلى حقيبة وزارية وبالتالي اكتشف المواطن من انهار أمام بريق السلطة مضحيا بكل القيم والمبادىء ..ويضيف الأستاذ شكري بلعيد «وعموما ولئن كان الظرف يبدو حرجا ودقيقا فإن هناك دوما حلولا وبدائل عديدة وعاجلة فلا مناص عند فشل هذه الحكومة والذي لا نتمناه بالتأكيد ينبغي التفكيرمباشرة في حكومة كفاءات وطنية..»

رضا بوزريبة :«خسرت» الثقة قبل أن تبدأ..
كان رضا بوزريبة الأمين العام المساعد باتحاد الشغل حاسما في موقفه عندما أكّد أن هذه الحكومة خسرت ثقة الناس بها حتى قبل أن تباشر مهامها و اعتبر أن «عقدة» الانتخابات القادمة أثرت على سير العملية السياسية الحالية ..
في مستهل حديثه معنا وحول سؤال يتعلّق بوجود الثقة من عدمها بين الحكومة المشكلة حديثا والمواطن الذي كثرت تشكياته من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يقول الأمين العام المساعد: «كان من المفروض اليوم أن تعود ثقة الشعب بعد تشكيل هذه الحكومة لكن العكس هو الذي حدث وجعلت المواطن وهو يعاين التكالب والصراعات على الحقائب الوزارية يشكّ في أن هناك من يقدّم مصلحة الدولة العليا على مصالحه الذاتية والفردية لأن المناخ العام كله يحتاج إلى نوع من الثقة المتبادلة. فالمواطن يريد أن يمحي من ذهنه عقودا من الاستبداد والمحسوبية والولاءات، والحكومة، من الطبيعي أن تبحث عن نيل ثقة المواطن لتشتغل بهدوء بغية تنفيذ برامجها.. والحقيقة أن هذه الحكومة أضاعت الكثير من الوقت في ظرف حسّاس ودقيق؛ وحتى أحزاب الائتلاف دخلت الحكومة بمشكلها الأصلي فيما بينها وهو الاختلاف. فإن كان كل هذا الوقت قد مضى ونحن نختار الأشخاص، فماذا نفعل ونحن نضع برامج العمل الحكومي؟؟؟
فمن الغير الخفي أن التحديات صعبة ومعالجتها أكثر صعوبة وهي تتطلّب الثقة وضرورة وجود فريق حكومي متجانس في ما بينه وقدرة فائقة على الإنجاز..
وفي الحقيقة أنا لا أريد أن أستبق الأحداث لكن يبدو أن الحكومة فوّتت الفرصة على نفسها وعلى الشعب لضمان انتقال ديمقراطي سلس وحقيقي ونحن اليوم نتردّى إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة ، وأعتقد أن الحل الأمثل لتتجاوز هذه الحكومة أخطاءها إن تبادر بفتح قنوات اتصال مع كل المكونات السياسية والنقابية والجمعياتية والتخلّص من فكرة الانتخابات القادمة ومن ذهنية التسويق الحزبي لتلك الانتخابات منذ الآن ؛ فالبلاد لا تحتمل الخطأ كما يجب أن تنأى بنفسها عن الوعود التي لا يمكن تنفيذها كتشغيل آلاف العاطلين في حين نعرف حال وضعنا الاقتصادي الراهن .والأهم هو الاشتغال على الفترة الحالية وليس التفكير في المحطّة الانتخابية القادمة.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.