عاجل/ يهم الانتدابات: سعيد يسدي هذه التعليمات لرئيسة الحكومة..    سعيد يحسمها: تونس لن تكون معبراً للمهاجرين ويجب تيسير عودتهم الطوعية..    المدير العام للسدود: تحسن غير مسبوق في منسوب المياه ... وبوادر إيجابية لموسم فلاحي واعد في تونس    عاجل/ سنتان سجنا في لرجل أعمال..وهذه هويته..    التضخم السنوي ينخفض في تونس    المنتخب التونسي لكرة القدم يلاقي وديا خلال شهر جوان بوركينا فاسو والمغرب وغينيا    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تستهل مشوارها بملاقاة المتاهلة من التشيكية كفيتوفا والرومانية بيغو    بطولة مصر : هدف سيف الدين الجزيري غير كاف للزمالك لتخطي البنك الاهلي    كيف سيكون الطقس اليوم..؟    علم النفس: 50 تأكيداً إيجابياً لتقوية ذاكرتك الذهنية كل يوم    تعاون صحي تونسي ياباني: أجهزة طبية لمستشفى الرابطة وتكوين إفريقي بتكنولوجيا متقدمة    أورنج تونس تدشّن مركز البيانات الجديد بولاية سوسة لمواكبة التحديات الرقميّة المستقبلية    وزير الخارجية يؤكد استعداد تونس لضمان عودة سلسة للمهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية    عاجل : بريطانيا تلوّح بتقليص التأشيرات لهذه الجنسيات    طقس الثلاثاء: أمطار غزيرة بهذه المناطق    اليوم : أمطار مؤقتا رعدية وأحيانا غزيرة بهذه الجهات    فرنسا : إسرائيل تنتهك القانون الدولي    السلطات الفرنسية تبحث عن سجين أطلق سراحه عن طريق الخطأ    عاصفة رملية كثيفة تجتاح السعودية والعراق وقطر    انفجارات عنيفة تهز مدينة حلب السورية    الكرة الطائرة.. الترجي يتأهل الى نهائي الكاس    القيروان.. البرد يتسبب في اضرار بمحاصيل الحبوب والاشجار المثمرة    صفاقس : عودة متميزة لمهرجان سيدي عباس للحرف والصناعات التقليدية في دورته31    القصرين : الإحتفاظ بشخصين وادراج ثالث محل تفتيش بعد حجز 2147 قرصا مخدرا كانت بحوزتهم    مهرجان محمد عبد العزيز العقربي للمسرح...دورة العودة والتجديد و«ما يراوش» مسك الختام    لأول مرة في السينما المصرية/ فيلم يجمع هند صبري بأحمد حلمي    إلزام الناشرين الأجانب بإرجاع كتبهم غير المباعة إجراء قانوني    هبة يابانية    الحماية المدنية تنبّه من الممارسات التي تساهم في اندلاع الحرائق    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    عاجل/ نتنياهو: هجوم جديد ومُكثّف على غزّة وسيتم نقل السكّان    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    في قضية مخدرات: هذا ما قرره القضاء في حق حارس مرمى فريق رياضي..#خبر_عاجل    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خميسيات آدم فتحي: الفقر والأمن
نشر في الشروق يوم 10 - 03 - 2011

قدّم مُعتصِمُو القصبة درسًا بطوليًّا آخر في الثقافة السياسيّة النابعة من الممارسة لا من التنظير. واستجاب خطاب الحكومة المؤقّتة الجديدة لأغلب مطالبهم، إلاّ أنّه ركّز على جوانب معيّنة من بينها تلازم الأمن والسياسة، معتبرًا أنّ المرحلة الانتقاليّة الراهنة مشروطة باستتباب الأمن.
وقد يتعيّن التوقّف بعض الشيء عند هذا الثنائيّ الذي كثيرًا ما ارتبط بالشيء ونقيضه. فالأمن ضروريّ لا شكّ في ذلك. لكن عن أيّ أمنٍ وعن أمنِ مَنْ نتحدّث؟ فقد ظلّ الأمن طيلة عقود حكرًا على الحاكم. كما ظلّ مفهومه خاضعًا حتى الآن إلى الرؤية الاستبداديّة التي حدّدت مختلف نصوص النظام البائد وآليّاته. ولابدّ من إعادة تحديد مفهوم الأمن في ضوء الثورة كي لا يتناقض مع الحريّة.
لقد بدا الأمنُ على امتداد عقود شبيهًا بالفزّاعة تُرفَع لإخماد كلّ تحرّك شعبيّ للمطالبة بحقّ من الحقوق. لا فرق في ذلك بين من يتحرّك رفضًا للقمع السياسيّ ومن يتحرّك رفضًا للفقر. وهذا ما أريد الإلحاح عليه. فقد «تَمَأْسَسَ» الفقر طيلة العهد البائد وتحوّل إلى جزء من منظومة القمع والاستبداد. وليس من شكّ في أنّ الأب بيار لو عاش بيننا اليوم لتمّ اعتبارُهُ خطرًا على الأمن. خاصّة لو أنّه كرّر ما فعله في شتاء باريس 1954 القاسي حين أطلق إعلانه الشهير من أجل التضامن داعيًا إلى نوع من العصيان الخيريّ على غرار العصيان المدنيّ.
ألحُّ هنا على مسألة الفقر لأنّها في نظري مسألة جوهريّة، بدون معالجتها بما هو عاجل في انتظار ما هو آجل، قد يبدو كلّ حراك سياسيّ استمرارًا في تغييب الشعب من الصورة وتجاهلاً له. تغييب قد يكون سببا من أسباب الانفجار بعد الثورة مثلما كان سببا من أسباب الانفجار قبلها.
منذ سنوات وعقود والأسطوانة الرسميّة المشروخة تردّد أنّ تونس لا تعاني الفقر وأنّ الطبقة الوسطى تمثّل أغلبيّة المجتمع. محاولةً البرهنة بترسانة من الإحصائيّات والمفاهيم على أن لا وجود في الواقع التونسيّ لذلك الشرخ الكبير الذي تعرفه أغلب بلاد العالم التابع المُهمّش، والذي يفصل بين أقلّية شديدة الثراء وأكثريّة فادحة الفقر.
في هذا السياق بدت مسألة الفقر في تونس دائمًا مسألة أمنيّة بل جزءًا من أمن الدولة. وخضعت الاستبيانات والإحصائيّات والتقارير المتعلّقة بهذا المجال إلى رقابة لا تقلّ صرامة عن الرقابة المسلّطة على غيرها من المجالات. وزاد الطين بلّة انخراط عدد من المنظّمات الدوليّة في تدعيم الرؤية الرسميّة المضلِّلة، بدوافع مختلفة، من بينها التواطؤ الكامل بين رأس المال العالميّ المتوحّش والأنظمة الاستبداديّة.
من الأمثلة على هذا التلاعب والتضليل ما ذهب إليه بعض الأجانب في مساندتهم للنظام التونسيّ المخلوع من إشارة إلى أنّ التونسيّين لا يموتون جوعًا وأنّهم يذهبون إلى المدارس أكثر من غيرهم! وكأنّ الفرق بين الحيوان والإنسان بعد سدّ الرمق هو الذهاب إلى المدرسة!
كلام متهافت شكلاً ومضمونًا. فضلاً عن أنّ سدّ الرمق ليس نقيضًا للفقر. وإذا كان التونسيّ الذي نُهبت ثروتُه قد وجد ما يسدّ رمقه أحيانًا فالفضل في ذلك عائدٌ إلى التكافل الاجتماعي وليس عائدًا إلى حسن إدارة الدولة لدفّة الاقتصاد.
أمّا بالنسبة إلى التعلّم فقد أقبل التونسيّون عليه حقًّا وبنسبة كبيرة ولأسباب عديدة، لعلّ من بينها أنّ الدراسة بُعْدٌ من أبعاد المصعد الاجتماعيّ أي طريقة من طرُق التخلّص من الفقر. وتفيد إحصائيّات عديدة أنّ تسعين بالمائة ممّن هم في سنّ الدراسة من الأطفال التونسيّين يلتحقون بالمدارس. لكنّ تقارير أخرى تفيد أيضًا أنّ تونس شهدت سنة 2009 على سبيل المثال، انقطاع نحو سبعين ألف طفل عن التعلّم بسبب الفقر وأنّ هذه الظاهرة ظلّت تتفاقم باستمرار.
ثمّة فقر إذنْ. ومن علامات الثورات أنّها تعيد الاعتبار إلى الفقراء بعد أن يحاول المستبدّون تحويلهم إلى كائنات متوارية غير مرئيّة. فالفقر ليس قدَرًا. ومن علامات الثورات أنّها تعيد إلى الفقراء كرامتهم وتعلّمهم كيف يطالبون بحقوقهم وكيف يساهمون في تغيير واقعهم وكيف لا يخجلون بأنفسهم بينما الثراء يمشي في الأرض مرحًا.
هؤلاء صبروا كثيرًا ونفدت لديهم طاقة الصبر لذلك فجّروا الثورة. ومن الصعب إقناعهم بضرورة الأمن إذا لم يتواز ذلك مع حلول فوريّة لمشاكلهم العاجلة. وهو ما على الحكومة المؤقّتة أن تبادر به مستفيدة من وعي هذا الشارع السياسيّ الشعبيّ الذي منحها فرصة لكنّه لم يمنحها صكًّا على بياض.
هؤلاء يعرفون أنّ استئصال الفقر ممكن عن طريق تحديد الخيارات الكبرى السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. وهم يعرفون أنّ ذلك يتطلّب وقتًا. وأنّ المرحلة الحاليّة انتقاليّة. وأنّ عليهم المزيد من الصبر. لكنّ تجديد طاقة الصبر لديهم مرتبطٌ بقدرة السياسيّين على إرسال رسائل واتّخاذ إجراءات اقتصاديّة واجتماعيّة عاجلة (وإن وقتيّة)، يكون استتباب الأمن نتيجتها الطبيعيّة لا شرطًا مسبقًا لها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.