بقلم: فاطمة بن عبد الله الكراي بكثير من الانزعاج... اطلع أمس «أهل» الصحافة والاعلام على تركيبة الهيئة الوطنية لاصلاح الاعلام والاتصال، من خلال الندوة الصحفية التي عقدها السيد كمال العبيدي... أولا هذه هيئة شكلتها وبعثتها للوجود، حكومة مستقيلة، وبالتالي من المفترض، أن ننتظر ما ستؤول اليه برامج الحكومة الجديدة حتى تعتني بهذه الهيئة خاصة وأنه بات متأكدا الآن، أن «حكومة قايد السبسي» سوف تقطع جذريا مع ما كانت أعلنته حكومة الغنوشي، وتحديدا في ما يخص «مجلس حماية الثورة» وعملية الاصلاح السياسي، التي بات متأكدا الآن أن الحكومة التي سيعلن عنها اليوم، ستسير في الاتجاه المعاكس الذي رامته حكومة الغنوشي، وأعني أنها حكومة ستستمع الى مطالب الثورة والشعب الذي قام بالثورة... ثانيا: الانزعاج الذي حصل، وكان لابد أن يحصل، يهم تركيبة الهيئة اذ في عضويتها أسماء محسوبة على الصحافة وهي في قطيعة مع العمل الصحفي المحترم الذي يلتزم بأخلاقيات المهنة، بل من بينهم من عمل في النظام السابق ومع مكونات نظام بن علي. ان المهيكلة تحت يافطة الدولة، أو المنضوية تحت ما يسمى para - pouvoir النظام الموازي... وأن واحدا من هؤلاء له من الأخطاء المهنية ما جعلته عرضة للتقاضي المستمر، وللنقد المستمر، وأن الحوار الوحيد في حياته «المهنية» هو حوار محضرة أسئلته مسبقا من المسؤول الذي جلس أمامه، وأوهم الشعب التونسي أنه هو (الصحفي) صاحب الأسئلة... فيبث ما يسمى بالحوار في التلفزة الوطنية دون أن يكون عضو الهيئة هذا ينتمي الى جهاز التلفزة التونسية أو يتقاضى من التلفزة أجرا... بل لم يقل للشعب التونسي دافع الضرائب وصاحب التلفزة العمومية «أهدى» الحوار الى التلفزة الوطنية أم هو تقاضى عليه أموالا... فنحن الصحفيين المهنيين وعندما نملأ الاستمارة التي توضع أمام لجنة منح البطاقة المهنية نجيب عن السؤال التالي: هل ان دخلك من الصحافة مائة بالمائة أم لا؟ كذلك الشأن بالنسبة الى نقابة الصحفيين وجمعية الصحفيين من قبلها وهي الاطار المهني والنقابي المؤتمن على أخلاقيات المهنة الصحفية... هذا في ما يخص البعض ممن هم داخل الهيكل الجديد الذي يطرح على نفسه مهام، كان أوهمنا بها ولم نقبلها ولم نقبل التعامل معه المجلس الاعلى للاتصال الذي عينه بن علي. وبما ان حكومة الغنوشي هي سلسلة حكومة بن علي، فإننا نرفض هذه اللجنة مهام وتركيبة الى ان يكون الامر ممكنا وعبر آلية أكثر شفافية. هذا النقد لا يمس من قريب او بعيد، نزهاء الاعلام الأكاديمي او القضاء في شيء ممن هم في الهيئة. لكن هناك أسماء لم ترتبط فقط ببن علي وهي علاقات من خلف الستار من حيث تعاملها مع العائلة او مع مؤسسات لا تخضع الى محاسبة تحت قبّة البرلمان عند مناقشة الميزانية بل انها أسماء تتعامل مع دوائر أخطر من الداخل وأقصد الدوائر الأمريكية وحتى الصهيونية... فالجميع يتذكر ان MEPI ال«مي بي» التي تعنى بالاعلام تمويلا وبالتالي تحكّما في الخط التحريري لوسائل الاعلام التي تمولها انتصبت هنا في تونس بعد ان رفضتها دول عربية أخرى، نقاباتها الاعلامية قوية، ولها القول الفصل في أخلاقيات المهنة الصحفية.. وكان الأمر (MEPI) صفقة بين نظام بن علي والأمريكان. وقد ندّد من ندّد بهذه «المؤسسة» التي بدأت تعرض خدماتها على وسائل إعلام تونسية وعربية. واستفاد منها ووقع معها أحد أعضاء «الهيئة الوطنية لاصلاح الاعلام» التي أعلن عن تركيبتها السيد كمال العبيدي أمس. عمل صحفيا في شكل شراكة من حيث التمويل، لفائدة وسيلة إعلام تونسية معروفة.. هل ينتظر الشعب التونسي، وهو الرأي العام الذي يستهلك الاعلام التونسي، من مثل هؤلاء العناصر والحمد للّه أنهم قلّة قليلة أن يسهروا على أخلاقيات المهنة الصحفية وأن يحرّووا الاعلام وأن يصلحوا ما علق بالاعلام التونسي لمدة أكثر من نصف قرن. وليعذرني الزميل كمال العبيدي، في هذا التصحيح، لأن هنات الاعلام في تونس لم تولد مع نظام بن علي، بل إن بورقيبة أيضا حكم الاعلام بقبضة حديدية.. المبدأ الثالث الذي لا حياد عنه: إذا ثبت أن عضوا واحدا من أعضاء هذه الهيئة التي شكلها الغنوشي، ونادى بها أحد وزرائه المستقيلين منذ الأيام الأولى للثورة انه تجالس مع الأمريكان المسؤولين الذين توافدوا على بلادنا بعد الثورة، وتحديدا النائبين «جون ماكاين» و«جو ليبرمان» اللذان أعلنا أنهما التقيا في ما التقيا بتونس مع إعلاميين وصحفيين، ومكونات في المجتمع المدني.. ولم يفصحا عن فحوى اللقاءات، إذا ثبت ذلك، فإن المحاسبة ستكون الفيصل.. ذلك أن الخطة الأمريكية واضحة من ثورات تونس ومصر وليبيا وبقية الأقطار العربية، فهي كأنها تقول: ثوروا كما بدا لكم.. أما الخراج فسيكون لي في النهاية! هذا ليس خافيا على أحد.. من شعب تونس العظيم.. فليس هناك تدخل أمريكي زمن الثورات والتغيّرات لا يكون خادما للمصلحة القومية للولايات المتحدةالأمريكية.. لهذا فإن أي لجنة استشارية تخصّ الاعلام، لها اختصاصيوها.. وتكون عبر الانتخاب، فبن علي وحده كان يعيّن مثل هذه اللجان التي عملت على طريقة النظام الموازي.. وعندما تصبغ عليها صفة الوطنية، فإنه من الضروري أن يكون الأمر وطنيا فعلا، وليس أجدر هنا، من تمثيلية وطنية، ليس فيها إقصاء.. فنحن في تونس عانينا في العهدين من قانون صحافة أشدّ زجرية من قانون الصحافة في الشيلي عهد بيونشيه.. ما أحوجنا في تونس الثورة الى الغربال الذي قدّه الشعب التونسي، حتى يسقط من يسقط، ويبقى فقط من يدافع ويعمل على حرية الاعلام وحقّ الشعب التونسي في إعلام شفّاف.. حتى يستطيع أن يكون بالفعل القوة المخيفة والتي تحدث التوازن في أي ديمقراطية وأقصد «الرأي العام» والقطع مع نعت يلصق بالتونسي المستهلك للاعلام وللفعل السياسي والقائل عنه: الشارع التونسي..