رغم مرور حوالي 6 أشهر عن انطلاق نشاطها، لم تنجح هيئة اصلاح الاعلام حسب كثيرين في كسب إجماع الوسط الاعلامي حول جدارتها بإصلاح الاعلام.. انتقادات لطريقة عملها ولقراراتها وطعون في كفاءة وحنكة وجدارة واستقلالية رئيسها وأعضائها. لا أحد ينكر أن هيئة إصلاح الاعلام مثلت، منذ الاعلان عن إحداثها أواخر فيفري الماضي مكسبا هاما من مكاسب الثورة خصوصا أنها حلت محلّ المجلس الأعلى للاتصال، أحد المتهمين ب«تدمير» الاعلام في تونس طيلة السنوات الماضية.. ولا أحد ينكر الآمال الكبيرة التي علقها الناشطون في الحقل الاعلامي على هذه الهيئة ل«إعادة إعمار الاعلام» بعدما لحقه من دمار.. لكن هل لقيت آمالهم في اصلاح الاعلام طريقها الى التحقيق بعد حوالي 6 أشهر من عمل الهيئة؟ وقبل الحديث عن ثمار عمل اللجنة، يجدر التساؤل هل توفّرت فيها الأرضية المناسبة لإصلاح الاعلام أي بلغة أخرى هل أن تركيبة الهيئة (الرئيس والأعضاء) حازت على اجماع العارفين لتكون فعلا هذه الأرضية المناسبة؟ تساؤلات عديدة نقلتها «الشروق» الى عدد من الناشطين في الحقل الاعلامي، فكان هناك شبه إجماع على أن عمل الهيئة بدا فيه الى حدّ الآن اجتهاد لكنه اجتهاد منقوص ويمكن أن يكون أفضل بكثير مما بلغه الى حدّ الآن.. إضافة الى تأكيدهم على ضرورة الاستنجاد صلب تركيبة الهيئة من الداخل وصلب عملها الاستشاري من الخارج، بكفاءات إعلامية أخرى أكثر جدارة بإصلاح الاعلام وبمختلف الأطراف المعنية بالاصلاح، وذلك حتى يكون عملها أكثر توازنا ولا يطغى عليه حسب نشطاء الحقل الاعلامي التفرّد بالرأي وشنّ الحروب وتبادل التهم بلا موجب وربما خدمة مصالح وأجندات معيّنة لا تهمّ من بعيد أو من قريب مصلحة الاعلام الوطني. من الغنوشي... الى العبيدي من بين ما تُلام عليه هيئة اصلاح الاعلام اليوم هو أنها طُبخت في مطبخ حكومة محمد الغنوشي التي تكونت بعد الثورة، فالغنوشي واجه آنذاك ومازال يواجه الى اليوم تهمة السعي الى الابقاء على منظومة حكم بن علي في شتى المجالات بما في ذلك المجال الاعلامي، وذلك رغما عن الثورة ورغما عن المطالبين برحيله، فضلا عمّا ارتكبه إبّان الثورة من مناورات سياسية جعلت شكوكا عديدة تحوم حوله. ووقع بذلك الزجّ بهيئة اصلاح الاعلام الى جانب الهيئات واللجان الأخرى المحدثة أثناء وبعد الثورة بوصفها هيئات ولجان ولدت من رحم النظام البائد وأنها جاءت لتشرّع للإبقاء على مصالح المنتفعين والمتمعّشين سابقا من حكم بن علي. الى جانب ذلك، قال كثيرون عند الاعلان عن اسم كمال العبيدي رئيسا للهيئة إن «الأمر مدبّر بليل» ومحاط بالتالي بالغموض وكان التساؤل الدائر على أغلب ألسنة الحقل الاعلامي هو «لماذا العبيدي بالذات.. لماذا الاستنجاد بشخصية قضت سنواتها الأخيرة في المهجر، وقد تكون غير ملمّة بواقع الشأن الاعلامي الوطني بما فيه الكفاية، رغم أنه لا يمكن التشكيك في كفاءة الرجل ولا في استقلاليته ونزاهته بشهادة من عايشوه عن قرب طيلة سنوات عمله في تونس قبل أن يغادرها أواسط التسعينات.. هذا التعيين المفاجئ للعبيدي في رأي البعض رفع الى التشكيك في المهمة التي بعثت من أجلها الهيئة، وذهب كثيرون حدّ القول إن كمال العبيدي محسوب على «الأجندات» الأجنبية التي عايشها وهو في المهجر وقد يكون مجيئه على رأس هيئة اصلاح الاعلام في رأيهم تمهيدا لأمر ما.. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه كان على سلطة الاشراف (حكومة الغنوشي) قبل تعيين رئيس الهيئة أن تتريّث وأن توسّع الاستشارة، خاصة استشارة فاعلي وكفاءات وخبراء الشأن الاعلامي الوطني، لاختيار هذا الرئيس حتى لا تجد نفسها (الحكومة) ولا يجد السيد كمال العبيدي نفسه في موقف كهذا، يواجهون جميعا تهمة ترتقي الى مرتبة الخطورة وهي عدم وجود رغبة حقيقية في اصلاح الاعلام ووجود رغبة في خدمة ما يسمى ب«الأجندا الأجنبية». أعضاء... وكفاءة مباشرة بعد تعيين كمال العبيدي على رأس الهيئة، تمّ المرور الى مرحلة أخرى لا تقلّ أهمية في حياتها وهي تعيين أعضائها. ولم يحدد مرسوم إحداث الهيئة عددا أقصى للأعضاء واكتفى بالعدد الأدنى (لا تقل عن ثمانية).. ورغم ذلك، لم يتجاوز عدد الأعضاء في البداية 6 قبل أن يتوسّع مؤخرا الى 8 (اضافة الى الرئيس).. فكان التساؤل لدى العارفين بالشأن الاعلامي منذ الاعلان عن التركيبة لماذا هي مضيّقة الى هذا الحدّ؟ ولماذا الاكتفاء بالحدّ الأدنى الذي ضبطه المرسوم؟ ألا يوجد في الساحة الاعلامية من هو قادر على تقديم الاضافة ليكون صلب تركيبة الهيئة، فتتوسع بذلك التشكيلة الى 12 عضوا مثلا أو أكثر؟ هذه التساؤلات لم تكن وحدها في الحقيقة بل رافقها تساؤل آخر أهم: لماذا أولئك الأعضاء (الستة في البداية والثمانية في ما بعد) بالذات وقع الاختيار عليهم لمهمة اصلاح الاعلام.. «هل تتوفر فيهم أو على الأقل في أغلبهم الكفاءة اللازمة لمثل هذه المهمة.. فبعض الأعضاء رغم كفاءاتهم في العمل الاعلامي بدوا في رأي كثيرين غير قادرين على الادلاء بدلوهم في اصلاح الاعلام لاعتبارات عديدة يقال إن القاصي والداني في الحقل الاعلامي يعلمها.. والبعض الآخر دخلوا معمعة حرب التراشق بالتهم مع عدد من الناشطين في الحقل الاعلامي مما قد يكون ألهاهم عن مهمتهم الأصلية التي جاؤوا من أجلها وهي إصلاح الاعلام وتطويره، بل وأربكهم وأثر على أدائهم وجعل عمل الهيئة يتسم بالبطء وبعدم فتح كل الملفات اللازمة في هذه الفترة، وهذا جانب آخر من مفاصل «القضية» وهو ماذا قدّمت الهيئة الى حدّ الآن للاعلام؟.. وحتى المشروع الذي قدمته للقطاع السمعي البصري يثير ضجة خطيرة قد تعصف بمستقبل القطاع. 6 أعضاء في البداية... و8 حاليا أحدثت الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الاعلام والاتصال بمقتضى المرسوم عدد 10 الصادر في 2 مارس 2011 عن رئيس الجمهورية المؤقت. وكان قد تم الاعلان عن احداث هذه الهيئة اثر مجلس وزاري أواخر فيفري 2011 عندما كان محمد الغنوشي وزيرا أول في أول حكومة بعد الثورة. وبعد ذلك صدر أمر عن رئيس الجمهورية المؤقت وفق ما اقتضاه مرسوم 2 مارس ونص على تسمية السيد كمال العبيدي رئيسا للهيئة.. ثم صدر أمر آخر لتسمية أعضاء الهيئة الذين وقع الاختيار عليهم من رئيسها المعيّن. وتركبت الهيئة في البداية اضافة الى رئيسها من 6 أعضاء وهم القاضية كلثوم كنو و ناجي البغوري والعربي شويخة ورضا الكافي وهشام السنوسي ولينا بن مهني.. ثم انسحبت هذه الأخيرة من عضوية الهيئة وتوسعت بعد ذلك القائمة لتصبح 8 أعضاء بعد ان ضمّت راضية السعيدي ومحمد بشير وفتحي حرّاث. وينص المرسوم على أن الهيئة تتركب من رئيس مشهود له بالكفاءة والاستقلالية في مجال الاعلام والاتصال ومن أعضاء لا يقل عددهم عن ثمانية يتم اختيارهم من قبل رئيس الهيئة من بين أهل المهنة في مجالات الاعلام والاتصال والقانون وذلك بعد التشاور مع الهيئات والمنظمات المعنية في المجتمع المدني. وتطرح هذه التركيبة في الوسط الاعلامي تساؤلات كبيرة وحيرة حول مدى كفاءة هذه الأعضاء لإصلاح الاعلام وحول مزيد توسيع القائمة لتشمل كفاءات اعلامية أخرى. عمر صحابو (اعلامي ومدير جريدة «المغرب»): سقطت في التسرّع والارتجال لإنقاذ نفسها منذ احداث هذه الهيئة والاعلان عن تركيبتها سمعت في الوسط الاعلامي كثيرا من الانتقادات والاحترازات حول رئيسها وأعضائها. ويقطع النظر عن حقيقة كفاءتهم واستقلاليتهم ونزاهتهم من عدمها (وهو ما قد يثبته أشخاصا آخرين أكثر اطلاعا مني على حقيقة وسيرة هؤلاء الاعضاء بما أني كنت بعيدا عن الشأن الاعلامي الوطني طيلة السنوات الاخيرة) لاحظت ان عمل الهيئة يكون أحيانا منقوصا أو يخفي وراءه خلفيات ما.. وهو ما ينطبق مثلا على مشروع المرسوم الذي أعدته الهيئة والمتعلق بالاعلام السمعي البصري الذي أعاد الجانب الزجري والقمعي لاعلامنا.. وهو أمر لا نقبله اليوم بعد الثورة لأننا نريد جميعا ارساء اعلام متفتح حرّ ونزيه ومستقل. وعلى العموم يمكن القول ان الجانب الايجابي والجانب السلبي يتساويان في عمل الهيئة الى حد الآن، وكنا نتمنى ان لا يحضر الجانب السلبي تماما او على الاقل تكون نسبته ضعيفة.. لكن للأسف بدت لنا بعض قرارات الهيئة ارتجالية وغير مدروسة. ومن جهة أخرى، لاحظت ان هيئة كمال العبيدي منغلقة على نفسها أكثر من اللزوم ولم تفتح باب التشاور مع الكفاءات الاعلامية الموجودة في البلاد وعدم الاقتصار على أعضائها في اصلاح الاعلام... شخصيا كنت أتمنى تشريكي في عملها لأني بكل تواضع أعتبر نفسي من القادرين على تقديم مقترحات وبدائل لإصلاح وتطوير الاعلام التونسي... لكن الهيئة تجاهلتني مثلما تجاهلت كفاءات أخرى وبدا أن همّها الوحيد هو الاسراع في اتخاذ القرارات ربما في محاولة لإثبات كفاءتها وجدارتها بإصلاح لاعلام بشتى الطرق وانقاذ نفسها في أسرع وقت فحصل العكس على ما يبدو. نبيل القروي لأعضاء هيئة الاصلاح: مَن أنتم ؟ كيف تقيمون عمل وأداء هيئة اصلاح الاعلام والاتصال؟ ... صراحة يبدو أن هذه الهيئة تجاوزت صلاحياتها ومشمولاتها وأثبتت للجميع عجزها عن الاصلاح ناهيك عن معالجة كافة قضايا الاعلام التي تنسحب على قطاعات وميادين اتصالية عديدة. قلت تجاوزت صلاحياتها المضبوطة وفق منشور احداثها لأنها تحولت من الاطار الاستشاري الى التقريري حيث أصبحت تمنح الرخص للقنوات الجديدة... وهو الأمر الذي أحدث بلبلة داخل الوسط الاعلامي ككل والوسط السمعي البصري بشكل خاص... اضافة الى تدخلها في المضمون الاعلامي للقنوات... وفي الشأن الداخلي للمؤسسات الاعلامية وهو ما يجعلني أتهمهم بالسعي الى القيام بانقلاب على شركات الاعلام في تونس. هل ما تفضلتم بذكره من اخلالات في أداء الهيئة راجع الى تركيبتها أم الى أشياء أخرى؟ هو بالاساس تعود الى طبيعة تركيبتها حيث ان اعضاءها إمّا هم صحفيون فاشلون رفضت عدة وسائل اعلام يكيلون لها اليوم شتى التهم والانتقادات انتدابهم وضمهم إليها... وإمّا أناس جاهلون بالقطاع السمعي البصري وبالإعلام ككلّ وإمّا أطراف لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالإعلام. وفي هذا السياق أذكر حادثة خطيرة تتمثل في أن العضو رضا الكافي احتفظ بمقعده داخل الهيئة وحافظ على ملكيته واشرافه على موقع «كابيتاليس» الالكتروني وهو أمر جدّ خطير لأنه يشكّل «تضاربا في الصلاحيات»... فكيف يمكن لشخص أنيطت بعهدته مهمّة استشارية تقضي باصلاح المشهد الاعلامي، وهي مسؤولية تستوجب الحياد، أن يكون جزءا من المشهد الاعلامي ومنافسا لوسائل إعلام أخرى. حقيقة، تمنيت لو تجمعنا كلنا وبلا استثناء كأطراف مكونة للمشهد الاعلامي في تونس رفقة خبراء واختصاصيين من الخارج على مائدة حوار واحدة أو عقدنا سلسلة اجتماعات تفضي في الأخير الى مشروع اصلاحي كامل ولكن... نورالدين بن نتيشة (إعلامي ومؤسس «الجريدة.كوم»): سقطت في فخ حرب البيانات خلال أكثر من 5 أشهر عمل، لاحظنا ان الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الاعلام حاولت الاجتهاد لأداء المهمة المنوطة بعهدتها وهي تحسين وتطوير واصلاح القطاع الاعلامي التونسي. غير ان اجتهادها هذا لم يخل من أخطاء... ومن أهم هذه الأخطاء عدم القيام باستشارات واسعة مع أهل المهنة من مديري المؤسسات الاعلامية للاستئناس بآرائهم في الاصلاح خاصة ان تركيبتها بدت منقوصة من كفاءات اعلامية أخرى كان بإمكانها تقديم الاضافة. فمثلا لا يوجد صلب الهيئة ممثل عن مديري مؤسسات الاعلام السمعي البصري ولا الصحافة المكتوبة. وكان من الممكن مزيد توسعة تركيبتها لتشمل أكثر من طرف وأكثر من رأي. وعلى صعيد آخر، لاحظت أن الهيئة سقطت مؤخرا في فخ «حرب البيانات» (مثلا مع نقابة مديري المؤسسات الاعلامية وكان عليها ان تكون أرفع من ذلك وأن تتحلى بالرصانة. ففي مراحل الانتقال والبناء الديمقراطي تكون الهيئات عادة ملجأ للمتنازعين وحكما للنزاعات مهمتها تقريب وجهات النظر والمواقف وليس ان تكون طرفا في هذه النزاعات فالهيئة هي ممثل للدولة وعليها التواصل مع مختلف الأطراف للاستماع الى آرائها ومواقفها ومحاولة الاستجابة لمطالبها وليس عبر محاربتها. وأدى تصرّف الهيئة هذا الى اعتقاد بالوسط الاعلامي يقوم على الخوف من ان تطغى على عملها وعلى قراراتها صبغتا الآنية والتسرّع وهو ما قد يؤدي الى الارتجال والعشوائية وعموما نقول رغم ان جانبا من اعضاء الهيئة لا يمكن التشكيك في مصداقيتهم ونزاهتهم، أرى أنه على الهيئة ان تعمل على إبعاد كل الشبهات والشكوك عنها من خلال مزيد توسيع تركيبتها ومزيد فتحها لباب التشاور والحوار مع كل الاطراف من اجل هدف وحيد وهو اصلاح الاعلام والدفاع عنه وليس من اجل خدمة مصالح معينة او أهداف شخصية، خاصة انها مكسب هام بعد الثورة ولابد من المحافظة عليه ومزيد تطويره ولم لا تطوير النص القانوني المحدث لها. نزار بهلول (إعلامي ومؤسس موقع «بزنس نيوز»): كيف ننتظرإصلاح الاعلام ممّن لا يصلح للاعلام ؟ منذ مارس الماضي (تاريخ إحداث الهيئة) والى حدّ الآن مازالت نقاط استفهام عديدة تحيط بهيئة إصلاح الاعلام.. هذه النقاط بدأت منذ المجلس الوزاري الذي دعا الى إحداث هذه الهيئة وأشرف عليه آنذاك الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي (26 فيفري 2011) ثم صدر مرسوم إحداث الهيئة خلال أسبوع (2مارس 2011). وفوجئ الوسط الاعلامي آنذاك بأن القرار كان انفراديا من حكومة الغنوشي خاصة قرار تعيين رئيس الهيئة وأعضائها، ولم يقع أي تشاور بشأنه مع المعنيين بالشأن الاعلامي. فبدا إحداث هذا الهيكل أمرا مريبا يخفي وراءه أجندا عمل مجهولة مشكوك في نزاهتها وفي من يقف وراءها خصوصا أنه (الاحداث) ارتبط بعهد وزير أول محاط بالغموض هو الآخر. وطوال الأشهر الماضية، تواصل الغموض المحيط بعمل الهيئة وبرزت في الوسط الاعلامي بالانفراد في القرار وبعدم توسيع استشارة أهل الذكر وبعدم تشريك كل أطراف المنظومة الاعلامية على غرار مديري المؤسسات الاعلامية الذين لا يمكن بأي حال اقصاؤهم من مهمة اصلاح الاعلام. كل هذا فضلا عن مسألة الكفاءة المتوفرة في بعض المشبوهين والملوثة أياديهم ببعض القذارات والذين ثبت في السابق أنهم لا يصلحون كإعلاميين، فكيف ننتظر منهم إصلاح الاعلام.. إذ لا أحد ينكر أن الساحة الاعلامية تعجّ بمن هو أكثر كفاءة ونزاهة و«نظافة» من الأعضاء الحاليين، وكان بالامكان تشريكهم في العملية الاصلاحية للاعلام سواء عبر عضوية الهيئة أو عبر الاستشارة الموسعة لعملها في كل عمل تُقدم عليه. منصف بن مراد (مدير «أخبار الجمهورية» ورئيس جمعية مديري الصحف): عدم حوارها مع مديري المؤسسات الاعلامية خطير على ضوء ما قامت به الهيئة الوطنية المستقلة لاصلاح الاعلام الى حد الآن، يمكن استنتاج ملاحظات مختلفة... فمن جهة أولى، نقول إن عمل الهيئة في اطار تنقيح قانون الصحافة كان ايجابيا الى حد ما... لكن من جهة ثانية، اتسم عملها في مسائل أخرى بعدم الجدية لسبب وحيد وهو قلة التشاور أو انعدامه أحيانا مع مديري المؤسسات الاعلامية... لقد تجاهلت الهيئة أن الاعلام متكون من الاعلاميين وأيضا من مؤسسات اعلامية... وكان لابد من مراعاة مصالح كلا الطرفين عند القيام بعمل الاصلاح والتغيير وذلك للحفاظ على توازن القطاع ومصلحته. فعدم الحوار مثلا بين المؤسسات الاعلامية وجمعية مديري الصحف من جهة وهيئة كمال العبيدي من جهة أخرى أمر خطير لأن روح المسؤولية تقتضي الحوار وليس تبادل الاتهامات البدائية والتهديدات. فعلى هذه الهيئة أن لا تعتبر أننا في دولة اشتراكية بدائية تقرر فيها الادارة أو لجنة مصير الاعلام عبر قوانين وقرارات انفرادية بعيدة كل البعد عن الواقع الاعلامي الذي نعيشه اليوم بعد الثورة... وعليها أن تؤسس للحوار وتبادل الافكار والآراء بين كل الاطراف (نقابات مديرين صحفيين أكادميين...) ولم لا تفتح تركيبتها على كفاءات اعلامية أخرى جديرة باصلاح الاعلام. لكن للأسف، يبدو أن بعض اعضاء الهيئة حاولوا افتعال أجواء سلبية بين المؤسسات الاعلامية والهيئة وهو أمر خطير كان بالامكان تجاوزه... في الماضي صحيح أن أغلب مديري المؤسسات الاعلامية أخطؤوا على الصعيد السياسي... وصحيح أن عددا من الصحافيين كانوا في خدمة وزارة الداخلية وشتموا المعارضين وتسببوا في رداءة الاعلام... لكن اليوم كفانا من الاختلاف والقطيعة وعلى هيئة اصلاح الاعلام أن تساهم في خلق أجواء جديدة من الحوار والنقاش حول وضع الاعلام الذي تنفس الحريّة ويحاول تطوير نفسه أكثر... وعلى الهيئة أن تتجاوز مثل هذه النقاشات التي لا تنفع. وأدعو هيئة اصلاح الاعلام من جهة أخرى الىعدم التردد والخجل من الاسراع في اتخاذ قرارات لحماية الصحافة المكتوبة التي تواجه أخطار صحف جديدة تمويلاتها مشبوهة ونشتم منها رائحة «الطرابلسية» وقد تهدد حرية الاعلام واستقلاليته، وكذلك بالنسبة للمجالات الاعلامية الاخرى (السمعي البصري مثلا). كمال العبيدي (رئيس الهيئة): أنا على علم بالتحفّظات لدى سؤاله عن الظروف التي أحاطت باختيار أعضاء الهيئة الوطنية المستقلة لاصلاح الاعلام، أجاب كمال العبيدي (رئيس الهيئة) في حوار سابق مع «الشروق» أنه عند دعوته إلى رئاسة الهيئة من طرف محمد الغنوشي، اشترط أن يتولى بنفسه اختيار الأعضاء بالتشاور مع المجتمع المدني وهو ما حصل فعلا». وأضاف العبيدي أنه تمّ اختيار تركيبة الهيئة على «ضوء اعتبارات موضوعية وبالتشاور مع نقابة الصحفيين وعمادة المحامين وجمعية القضاة وعدد من المثقفين والحقوقيين». وأكد كمال العبيدي أنه بالفعل وصلته تحفظات من الحقل الاعلامي حول تركيبة الهيئة خاصة حول لينا بن مهنّا (مدوّنة) وحول كلثوم كنو (قاضية) وحول بقية المجموعة... وقال إنه لا يمكن غض الطرف عن المدونين وعن دورهم في حرية التعبير حين كان الاعلام غائبا... وحول كلثوم كنو، قال إن الاعلام في حاجة الى حلفاء وليس من مصلحته البقاء وحده، فهو يحتاج الى القاضي والمحامي... أما بالنسبة الى بقية الأعضاء، فقال العبيدي إن «أغلبهم صحفيون». غير أن ما صرّح به العبيدي لم يقنع الكثيرين ممن يعتبرون أن بعض الأعضاء ليسوا صحفيين بكل ما في الكلمة من معنى تنقصهم الخبرة وتحوم حولهم الشبهات في حين أن الساحة تعج بالكفاءات وأصحاب الخبرة في القطاع. كمال العبيدي: يوسف الصدّيق (كاتب صحفي وفيلسوف) كان على بعض أعضائها رفض تعيينهم بتلك الطريقة احتراما للشعب وللثورة بالعودة الى فترة احداث هيئة اصلاح الاعلام (وفي الحقيقة الى احداث مختلف هيئات ولجان ما بعد الثورة)، لاحظت آنذاك ان معيار اختيار أعضائها كان معارضة نظام بن علي والدخول إمّا الى سجن او الهروب الى المهجر.. وهو معيار في غير محله، لأن كل التونسيين كانوا في سجن وأغلبهم كان رغم عيشه في أرض الوطن بمثابة المهجّر الذي لا علاقة له بوطنه... أتساءل على أي معيار تم اختيار رئيس وأعضاء هذه الهيئة (وبقية الهيئات الاخرى) رغم احترامي ومحبّتي لأغلبهم؟ ألوم على طريقة اختيارهم (التعيين) وألوم على هؤلاء الأعضاء المعيّنين القبول بذلك.. كنت أتمنى أن يرفضوا ذلك التعيين المشبوه الذي حصل في عهد حكومة الغنوشي ومازال يتواصل الى الآن ويفسحوا المجال للانتخاب ليكون وحده المعيّن لهم وهو ما طالبت به أنا شخصيا منذ اليوم الموالي للثورة. ألم يتساءل هؤلاء إن كان تعيينهم بتلك الطريقة سيجعل الشبهات حولهم تحوم (وهو ما حصل فعلا).. ألهذه الدرجة كانوا مصابين بالبلاهة رغم أني أنزّههم عن البلاهة.. كان بالامكان ان يقولوا لا لهذا التعيين، احتراما للشعب وللثورة وأن يفسحوا المجال أمام طرق أفضل لاختيارهم.. لقد كان تعيينا متسرّعا، ولم يكونوا في المكان المناسب فضيّعوا الوقت ولم ينجزوا لفائدته شيئا.. كان من المفروض ان يمضوا منذ البداية على تعهد بخدمة تونس أولا وأخيرا لكن للأسف لم يحصل ذلك وبدا وكأنهم طامعون في مناصب وكراسي أكثر من خدمة الصالح العام وهو ما أعتبره «خيانة»... ورغم أني أقدّر وأحترم السيد كمال العبيدي والبعض من أعضاء هيئته وأقدّر كفاءتهم (فهم ليسوا متخلّفين ذهنيا أو مصابين بالبلاهة) لكني أقول ان «كل حاجة في طريقها» ولابد ان تكون تونس فوق كل اعتبار وهو ما لم ألاحظه في البعض من عملهم الى حد الآن.. كنت أتمنى ان يستشيروني مثلا في بعض المسائل وأن يأخذوا بآراء كفاءات أخرى (فلاسفة علماء اجتماع وتاريخ...) لكن ذلك لم يحصل للأسف وأتمنى ان يحصل في ما بقي من عمر هذه الهيئة. مهام الهيئة حسب مرسوم إحداثها تقديم مقترحاتها حول اصلاح الاعلام والاتصال مع مراعاة المعايير الدولية في حرية التعبير. تقييم وضع الاعلام بمختلف جوانبه. اقتراح تصوّرات كفيلة بالارتقاء بالمؤسسات الاعلامية والاتصالية الى مستوى أهداف الثورة وحماية حق الشعب التونسي في اعلام حرّ ونزيه وتعددي. اقتراح التشريعات اللازمة لتجسيم الاهداف المشار اليها أعلاه من ذلك احداث هياكل تعديلية مستقلة في قطاع الصحافة المكتوبة والقطاع السمعي البصري وقطاع الاعلام الالكتروني. اعلام الرأي العام والجهات المعنية بحصيلة التقييم والمقترحات. ابداء الرأي بشأن المطالب المقدمة لإحداث قنوات اذاعية او تلفزية في انتظار صدور نص خاص في الغرض. ونص المرسوم بطريقة ضمنية على أن الهيئة تحل محل المجلس الاعلى للاتصال بعد التنصيص على إلغاء القوانين المتعلقة بإحداثه وبمهامه. ويتضح أن مهام الهيئة هي استشارية فحسب وليست لها سلطة اتخاذ القرارات وتنفيذها. وهو ما يتطلب مراقبة عملها باستمرار حتى لا تتجاوز حدود ما سمح لها به المرسوم وأن تترك سلطة اتخاذ القرار النهائي لمن هو جدير بها. مهمة محدودة في الزمن ولكن متى؟ منذ أول ندوة صحفية عقدها كمال العبيدي قبل أشهر أعلن أن مهمة الهيئة ستكون محدودة في الزمن... ومن جهته صرّح عضو الهيئة ل«الشروق» ان مهام الهيئة محددة، وستقتصر على اعداد القوانين اللازمة وعلى التحضير لإعداد الهيئات الاعلامية الضرورية فضلا عن كراسات الشروط المطلوبة لممارسة بعض الانشطة الاعلامية... وعندئذ «لن يبقى للهيئة وجود» على حد تعبير البغوري وسيلتحق أعضاؤها ورئيسها بمواقع عملهم الأصلية. لكن السؤال متى بالتحديد ينتهي وجود هذه الهيئة ؟