قبل أن تنال تونس استقلالها كان العمل في صلب كل الأحزاب يتمحور حول دحر المحتل ونيل الاستقلال وتحقيق الحرية والعزّة والكرامة للمواطن التونسي، وكانت كل التيارات السياسية والمنظمات الوطنية متلاحمة من أجل تجسيم هذا الهدف وأغلبية الشعب ملتفّ حولهم، ولم تكن تشاهد الكثير من الصراعات والتنافر رغم التباعد في الأفكار والمرجعيات والايديولوجيات. ومباشرة بعد نيل الاستقلال ظهرت الانشقاقات والصراعات والتناحر، والجميع يتذكر ما حصل بين أنصار الحبيب بورقيبة وأتباع صالح بن يوسف واللّه وحده يعلم كم من الأرواح أزهقت وكم من امرأة ترمّلت وكم من أطفال يتمّوا بسبب هذا التناحر السياسي المقيت خلال الأيام الأولى من تحرير الوطن وإنشاء الدولة التونسية الحديثة، ومردّ كل هذا حسب رأيي هو الأنانية المفرطة وادّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وانتشار عقلية الاقصاء والإلغاء وعدم القبول بالآخر. وبعد تخلّص الحبيب بورقيبة من منافسيه على القيادة والزعامة أمعن في تكريس عقلية الإلغاء والإقصاء وتأليه القائد والزعيم السياسي واستمر بن علي في هذا المنهج حتى أصبح زعيم ورئيس الحزب بمثابة الخالق لا تعصى أوامره ولا يستطيع أحد من أعضاء الحزب أن يقول له لا أو أن يقدّم اقتراحات أو يطرح برامج والكل يعامل معاملة العبيد فكل الانجازات والمشاريع والبرامج من وحي سيادة الزعيم الذي وضع في مرتبة الآلهة الشيء الذي يتعارض مع معتقداتنا الإسلامية فنحن نحمل عقيدة التوحيد. وفي النهاية أدعوك يا شعبي العزيز أن لا تعود لهذا المنهج المقيت والمهين الذي أوصلنا إلى الهاوية وألحق بالوطن المصائب وأدخلنا في فوضى أرجو أن نخرج منها في أقرب الآجال. كما أرجو من كل من سينخرط في العمل السياسي مستقبلا مهما كان موقعه في صلب هذه الأحزاب التي أصبح لا يمكننا تحديد عددها أن تكون أحزابهم في خدمة الصالح العام وتكون أحزابا لخدمة الشعب والوطن وليست أحزابا تعمل من أجل الأشخاص وأخيرا أدعو أنصار الحزب الذي سيحكم مستقبلا أن يجعلوا من حزبهم حزبا حاكما وليس حزبا للحاكم.