ليبيا ليست تونس ولا مصر، لكنها الى حد ما العراق والسودان، لأنها وببساطة بلاد نفط. وجوه الشبه قائمة بينها وبين دولة عربية وأخرى، فيما يتعلق بالوضع الداخلي، ووجوه الشبه قائمة فيما يخص الموقف الدولي من الانتفاضة داخلها. فالأمريكي مع التغيير والأوروبي وان لحق به، بدأ مترددا في البداية، لأن القارة العجوز تخشى تدفقا أكبر للمهاجرين يقولون وتخشى قيام امارات اسلامية مكان الأنظمة الحالية، فيما لا تصيب الخشيتان تلك، الولاياتالمتحدة. هذا رأس جبل الجليد،لان الحقيقة هي ان المحرك الاكبر لكل الموقف هو المحرك الاقتصادي وفي مقدمته حرب الطاقة وحرب الشركات. حرب الطاقة تحتاج الى إقامة دولة ضعيفة ومفككة كما حصل في العراق، أو إلى تقسيم واضعاف كما حصل في السودان. وحرب الشركات تحتاج إلى تهديم كل شيء للاستثمار في إعادة البناء، كما تحتاج في المواقع الأخرى غير النفطية إلى تغيير يؤدي إلى توزيع الثروة، بحيث تتسع دائرة الاستهلاك بعد ان تتسع دائرة القوة الشرائية. مساء الجمعة، وفي ندوة على ال«بي.بي.سي»، كان موضوع تقسيم ليبيا حاضرا وبقوة ، بين طرفين لا ثلاثة لأن مقدم البرنامج كان منحازا وبوضوح يصل حد الوقاحة الى الطرف الذي يريد الحديث عن ليبيا كقبائل وكمناطق جغرافية جاهزة للقسمة، مما ذكرنا بخطاب العشائر والقبائل، الشمال والجنوب والمثلث والمربع والدائرة في الخطاب المتعلق بالعراق، أو بالسودان. كان المذيع يقرأ عن ورقة، وعندما يصمت يبدو منصتا للسماعة التي في اذنه أكثر مما يستمع الى ما يقوله المحاورون. كان واضحا ان الشاب المفتقر للمعة الذكاء والمبادرة يستميت في تمرير تصور سياسي معين، مطلوب منه. حتى عندما يحتاجه الأمر لأن يرد هو على المحاور الليبي الذي كان يصر على وحدة ليبيا وعلى عدم قبول التدخل الأجنبي، مما أثار حفيظة المعارض الليبي محمود شمام، الذي هاجم المحطة وسياستها بحدة عبر الهاتف، ليقطع عليه المذيع اتصاله ويعود ليؤكد ما يريد. نموذج واحد، من نماذج عديدة يمكن لمتابع الاعلام ان يرصدها ويتبين من خلالها البعد السياسي لمن يقف وراءها. وليس أسهل من استثارة العواطف والمشاعر في مجتمعات لم تساعدها الأنظمة الغبية على الخروج من القبلية والمناطقية، ولا على الولوج إلى خيار المواطنة، لأنها كانت تعمل على توظيف الانقسامات لمصلحة بقائها ولم يجد المواطنون أنفسهم متساويين إلا في القمع، مما حفر كبتا عميقا، يمكن له ان يتفجر في الاطار غير الصحيح اذا لم تتح له مسارب الوعي السياسي والاجتماعي. غير ان ما يحفظ الثقة العالية بالشعوب وبالأفراد، انه ورغم كل هذا التآمر الداخلي والخارجي، ورغم كل القمع والكبت وغسل الأدمغة، ما تزال التيارات الفكرية والوطنية الصادقة والنظيفة موجودة على الأرض، تقاتل كحراس الهيكل، وتخوض صراع الاردات الخطير هذا، الذي يتبدى الآن أقوى مما كان عليه الحال قبل الانتفاضات. وهذا ما يمثله الان الوحدويون الليبيون في مواجهة دعاة التقسيم، سواء أكان تقسيما سياسيا معلنا كما حصل في السودان، ام تقسيم أمر واقع كما هو الحال في العراق، تقسيم ظاهره الجغرافيا أو الأديان أو الاتنيات، وأرضيته الحقيقية خارطة النفط والغاز.