بقلم فاطمة بن عبد الله الكرّاي كانت فرصة خلقتها الثورة... ثورة الكرامة، أمام أبناء تونس الجمهورية حين تنادوا من كل أنحاء البلاد، لكي يعتصموا بساحة الحكومة بالقصبة... كانت فرصة لممارسة ديمقراطية مباشرة أعلت صوت الشعب... ووضعت أمام الجميع مطالب الثورة... مطالب حقيقية، نابعة من حراك الثورة... وجمر الاستبداد الذي عانى منه التونسيون على امتداد عقود... للثورة جماهير تحميها... فشكرا لأبناء شعبنا المعتصمين بالقصبة هكذا كان الشعار القوي والأساسي والذي حاول المرتدون على فعل الجماهير أن يلتفوا عليه... وعلى الثورة التي أعطت دروسا لقوى داخلية خارجية... ساحة الحكومة بالقصبة ومنذ الأحد قبل الفارط والى حدود يوم أمس الجمعة مثّلت ساحة للفعل الديمقراطي... ولحرية الكلمة... وللتنظيم السوي... كانت كما ساحة «هايد بارك» Hyde Park في لندن كل يوم أحد... مجموعات هنا وأخرى هناك... توزّع الوافدون والمعتصمون في حلقات نقاش لا تذكّرنا سوى بحلقات الجدل في اليونان زمن سقراط وأرسطو... حين كان التطارح بالفكرة يولّد الحكمة... والحقيقة... كما ذكّرتنا بناموس من نواميس الديمقراطية وحرية الكلمة في لندن بالساحة المذكورة (هايد بارك) فبدا شعبنا العظيم يتوخى الجدل بالفكرة... وهو يقُدّ الغربال قدّا، حتى يتوصّل هذا الشعب وبفضل آليات ديمقراطية الى واقع أفضل لتونس الثائرة... بعد أسبوعين من النضال الحقيقي... في ساحة القصبة، أين النقاشات السياسية والحوارات والأغاني الملتزمة...غادرنا أبناؤنا وأشقاؤنا المعتصمون بالقصبة أمس، وقد ودّعهم المناضلون المعتصمون معهم من سكان العاصمة أمس بالدموع والورود. للثورة جماهير تحميها... فشكرا لأبنائنا المعتصمين بالقصبة... فعلا، كانوا في العراء وتحمّلوا موجات البرد... والأمطار التي ميزت مناخ العاصمة تونس، الاسبوعين الفارطين وثبّتوا الاعتصام... وثبّتوا مطالب الثورة... فتحولت ساحة القصبة من ساحة تُطبخ فيها القرارات والسياسات الفوقية المسلطة على الشعب التونسي طوال عقود الى ساحة للاستقلال السياسي... وصُنع القرار الشعبي... كانت تلك الخيام الصيفية ورخام الساحة وبعض من الحشيات التي افترشها المعتصمون لا تغني من برد ولا تقي من حبّات المطر... لكن المعتصمين الذين جاؤوا من كل فيافي تونس عزّ عليهم أن يغادروا او ينهوا ا لاعتصام وحكومة الغنّوشي تواصل تجاهل الثورة... وكان هنا من هم من أذيال النظام السابق يحاولون أن تلصق بهم تُهم «التشويش» ونُعوت «الشرذمة» تماما كما لو ان الثورة لم تقم... أو أن نظام بن علي لا يزال موجودا... بالدموع والورود وبكثير من العرفان ودّعت الجماهير أمس أبناءنا المعتصمين الذين حققوا لنا مطالب الثورة على الميدان... بنضج سياسي.. وبإرادة واقتدار وبوطنية قوية... وبتعامل ديمقراطي غير مسبوق بين أبناء تونس تعامل المعتصمون في القصبة ولفتوا اليهم النظر... وكانوا خير معبّر عن مطالب الشعب... ودّعناهم أمس في ساحة القصبة وقد توافدت الحافلات تباعا لكي تنقل المعتصمين وهم يعلّقون اعتصامهم... ليعودوا الى جهاتهم... وليعيدوا التنظيم من جديد ويلبّوا نداء الواجب الوطني في «رأس جدير» على الحدود التونسية الليبية. للثورة جماهير تحميها... فشكرا لأبنائنا المعتصمين... حاول المناوئون أن ينالوا من ثورة شعبنا، فكانت ساحة القصبة، كما المحرار الذي ميّز قوى الثورة وقوى الردّة... في ساحة القصبة، أمكن للمعتصمين الذين أداروا موجة الرفض، رفض الحكومة السابقة وأدائها باقتدار وبشجاعة نادرة... أمكن لهم أن يفرزوا الخنادق... خندق الثورة... وتونسالجديدة... من جهة، وخنق الردّة... وعصر الاستبداد من جهة ثانية... توزعت حلقات النقاش على كامل الساحة ليلا نهارا، وبدت الحوارات والنقاشات عبر ابداء الرأي... وتحليل المواقف.. وكانت كل شرائح المجتمع التونسي حاضرة... من الطالب.. الى الاستاذ.. ومن صاحب الشهادة العليا العاطل عن العمل مرورا بربّة البيت التي جاءت ترافق أبناءها... فتستمع وتناقش.. وتبدي الرأي. «أوكسيجين» من الديمقراطية تنفّسه التونسيون في ساحة القصبة، وهم يلتقون مع بعضهم البعض... فيبدأ التصادم بالرأي ثم سرعان ما يذعن الجميع الى نواميس الديمقراطية في المشاركة بالرأي... وضمان حق كل إنسان في الجهر بصوته وبموقفه... كانت «القصبة» ولا تزال ساحة لتطارح الأفكار... بين قوى الشعب المتنوعة... والمتعددة أصواتها... لذا نقول : للثورة... جماهير تحميها... للثورة إلاه يحميها... شكرا... ثم شكرا لأبنائنا المعتصمين...