مُغالطات خطيرة تلك الّتي صرّح بها رئيس اللجنة الوطنيّة لتقصّي الفساد والرشوة في تصريحه في أعقاب الحكم القضائي الاستعجالي بإيقاف عمل هذه اللجنة. تحدّث السيّد عبد الفتّاح عمر بلغة فيها الكثير من الخشبيّة، لغة تذكّرنا بما كان يُقال من رموز العهد السابق بأشكال فيها المغالطة أكبر العناوين والشعارات، قال في تصريحه للجزيرة الفضائيّة ولموقع تونس إفريقيا للأنباء: «أكتفي بتوجيه السؤالين التاليين إلى الشعب التونسي «لفائدة من كل هذا ؟ وهل كلّف الرئيس السابق من ينوبه؟. سؤالان غير بريئين وفيهما الكثير من التجنّي على الوقائع والمُغالطة للشعب على اعتبار أنّ رئيس لجنة الفساد والرشوة حجب عن «الشعب» الذي توجّه إليه بسؤاليه حقيقة ومغزى الدعوى المرفوعة والحكم القضائي الصادر، إذ لم يبحث رافعو الدعوى القضائيّة إلى الدفاع عن الرئيس السابق ورموز نظامه بل إنّهم أنشدوا من القضاء أن يستردّ حقّه ومشروعيته الوحيدة والمطلقة في معالجة ملفات الفساد والرشوة على اعتباره المرجع الوحيد للنظر في كلّ الملفات وتحديد طبيعة التجاوزات والمسؤوليات وحماية حقوق الوطن والشعب. أمّا سؤال لفائدة من هذا الحكم وهذه الدعوى القضائيّة؟ فهي بالتأكيد لفائدة بلادنا وهي تنشدُ الخلاص من إرث الماضي وتجاوز سلبياته حيث تمّ التعدّي على صلاحيات القضاء واستقلاليته، ومن المؤسف أن سعت الحكومة المؤقتة السابقة إلى التمادي في مثل تلك التصرفات حينما أدخلت مثل هذه اللجنة متناسية دور القضاء المستقل والعادل. وربّما من المغالطات التي أقدم عليها السيّد عمر كذلك قوله وتأكيده المستمر على أنّه تمّ بعث هذه اللجنة بعد 14 جانفي وهو الأمر المجانب للصواب حيث وللتاريخ فقد تمّ الإعلان عن هذه اللجنة من قبل السيّد محمّد الغنوشي خلال الندوة الصحفية التي تمّ خلالها تنحية وزير الداخلية الأسبق رفيق بلحاج قاسم، ومن المؤكّد أنّه وبعد خطاب رئيس الدولة الأخير والذي رسم خارطة طريق للمرحلة المقبلة شعارها القطع مع الماضي، فإنّ الجميع كان يعتقد أن يُقدم السيّد عبد الفتاح عمر وأعضاء لجنته استقالتهم لإعادة الحق لأصحابه وهو القضاء والنيابة العموميّة والكفّ عن صياغة نصوص لمسرحيات هزليّة فيها الكثير من الاستخفاف بعقول الناس وبمستقبل البلاد كمسرحية «قصر الرئيس المخلوع». لقد جابهت هذه اللجنة ومنذ الإعلان عن تأسيسها أياما قليلة قبل فرار الرئيس السابق، موجة من المعارضات والتنديد نظرا لتعديها على مؤسسة القضاء وعلى العدالة المستقلة، ومن المؤكّد أنّ التوجّه الجديد في بلادنا اليوم، مثلما أبرز ذلك نص الحكم القضائي الاستعجالي بإيقاف عمل لجنة تقصي الفساد والرشوة، سيُمكن من عودة عديد الأمور إلى نصابها الحقيقي، وأن يتمّ علاج تجاوزات العهد السابق بآلية القضاء ولا شيء غير القضاء، حيث كشف الملفات والوقوف عند الحقائق بالاثباتات القانونيّة اللازمة وبالعدالة المطلوبة، وليس عبر مغالطات السيّد عبد الفتاح عمر وأعضاء اللجنة أو غيرها من الأطراف، والشعب أوعى بحقوقه وبمتطلبات المرحلة.