وجه القضاء التونسي صفعة قوية إلى اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، التي تمّ إحداثها بمرسوم رئاسي يوم 18 فيفري 2011، وصدر بالرائد الرسمي يوم 01 مارس 2011. فقد قررت إحدى الدوائر الاستعجالية بالمحكمة الابتدائية -التي تنظر في قضية استعجالية رفعها منذ مدة محامون لوقف نشاط اللجنة بدعوى أنها غير شرعية- رفض طلب جديد لمحامي اللجنة بالتمديد لنشاطها إلى غاية النظر في الدعوى القضائية، من حيث الاصل، يوم 22 مارس الحالي.
وبالتالي، يمكن القول إن عمل اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد مخالف للقانون منذ الآن وحتى أن يصدر قرار من المحكمة الابتدائية لصالحها.
وبالعودة إلى أطوار القضية، فإن عشرة محامين رفعوا قضية استعجالية ضد اللجنة بدعوى أنها أحدثت بقرار من الرئيس المخلوع يوم 13 جانفي الماضي، وأنّها تتداخل في مهام القضاء ويمكنها أن ترتكب تجاوزات إجرائية تكون مبررا لاحقا للقضاء ببطلان إجراءات التتبع.
وعلى أساس هذه التهم علقت إحدى الدوائر الاستعجالية بمحكمة تونس نشاط اللجنة. بالمقابل رفع محامو اللجنة عريضة استعجالية لتعليق قرار تجميد نشاطها. والاثنين الماضي، صدر قرار في صالح اللجنة عندما قرر القضاء تأجيل تجميد نشاطها، إلى حين إعادة النظر في القضية التي عقدت، أمس الخميس.
وبالأمس، قرر القضاء ثانية تعليق نشاطها حتى النظر في القضية من حيث الاصل يوم 22 مارس 2011.
ويعتبر هذا القرار صفعة قوية للجنة، التي قلل رئيسها من قيمة الدعوى الموجهة ضد اللجنة، معتبرا أنه لا يمكن الطعن في قرار رئاسي أمر بإحداث هذه اللجنة لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، بعد الاطاحة بالنظام السابق.
وكان عبد الفتاح عمر رئيس اللجنة قد أعلن الأربعاء خلال ندوة صحفية عقدها أنّ اللجنة تمكنت في الآونة الأخيرة من الكشف عن مبالغ مالية هامة بقصر سيدي الظريف أهمها مبلغ يقدر بأكثر من سبعة وعشرين مليون دولار أمريكي أي ما يعادل 40 مليون دينار تونسي، وذلك بتاريخ 22 فيفري 2011.
وأوضح أن أعضاء اللجنة واصلوا العمل بهذا القصر، مشيرا إلى أنه يحتوي إلى جانب الأموال الهامة، عديد المجوهرات الثمينة وبطاقات الائتمنان البنكية وحسابين أحدهما بالدولار في واشنطن والآخر بالاورو في باريس تم تمويلهما من أموال الحملة الانتخابية.
وعرج عبد الفتاح عمر خلال الندوة الصحفية على القضية الموجهة ضدّ اللجنة، معتبرا أنّ رفع هذه الدعوى يندرج في سياق عرقلة وتعطيل وإلغاء عملها كلجنة مستقلة تعمل بالتنسيق مع القضاء ومع عدّة وزارات ومؤسسات عمومية "من أجل إنارة الرأي العام" و"رفع ملفات الفساد والرشوة إلى النيابة العمومية" لمحاسبة الفاسدين.
وفي اتهام غير مباشر بأنّ من رفع القضية لايقاف عمل اللجنة يخدمون مصلحة النظام السابق، تساءل رئيس اللجنة "لفائدة من كل هذا؟ هل كلف الرئيس السابق من ينوبه في قضية ما؟".
لكنه، بدا واثقا -بالاستناد إلى المرسوم الرئاسي المحدث للجنة- من أن القضاء سيكون في صف اللجنة، لكن القرار كان في صف الخصم.
مع العلم أنّ قرار إعادة تجميد نشاط اللجنة بقرار قضائي يدل على أن قرار إحداثها من قبل الرئيس قابل للطعن، وهذا في حد ذاته دليل جديد بعد القرار القضائي بحل التجمع أنّ القضاة بدأوا يمارسون نفوذهم ب"استقلالية"، وذلك بقطع النظر عن شرعية اللجنة من عدمها.
وعلى كل حال يبقى القول الفصل في مصير اللجنة بيد القضاء يوم 22 مارس المقبل.