قررت أمس دائرة الرئيس الأول بمحكمة الاستئناف بتونس، وهي دائرة مدنية استعجالية رفع التجميد عن لجنة تقصّي الحقائق في مسائل الرشوة والفساد الى موعد 10 مارس، تاريخ الموعد المقبل للجنة الاستئنافية الثانية. وقررت المحكمة أمس الاثنين تأخير النظر في القضية الى جلسة يوم الخميس العاشر من مارس 2011 استجابة لطلب المحامين الذين رفعوا قضية في الطور الابتدائي وطلبوا فيها تجميد نشاط اللجنة وحجز ما لديها من ملفات ومحجوز ليكون على ذمة القضاء. وكانت احدى الدوائر الاستعجالية الابتدائية قد قضت «بإيقاف أعمال اللجنة الوطنية للاستقصاء في مسائل الرشوة والفساد.. وذلك الى حين استكمالها لاجراءات تكوينها القانونية» وصدر هذا الحكم يوم 5 مارس 2011. وحضر بقاعة الجلسة المخصصة لدائرة الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف المحامون النائبون عن اللجنة والمحامون الذين رفعوا القضية ابتدائيا وطالبوا بتجميد أعمالها. وطلب المحامون المدّعون من هيئة المحكمة تأخير النظر في القضية للإطلاع وإعداد وسائل الدفاع لأنه تم إعلامهم بموعد القضية قبل انعقادها بأقل من ساعتين وطلب المحامون المدافعون عن اللجنة إيقاف تنفيذ الحكم الابتدائي الى حين موعد الجلسة المقبل، وقد تعهّد المحامون المدّعون بإيقاف تنفيذ الحكم وهو اجراء معمول به. وللإشارة فإن المحكمة ستنظر في القضية الاصلية يوم 22 مارس الجاري، وسوف يكون الحكم الاستعجالي المنتظر صدوره يوم الخميس المقبل 10 مارس الى حين البت في القضية الأصلية اي الى حين النظر فيها استئنافيا وتعقيبيا. وبذلك ستواصل اللجنة عملها بشكل طبيعي الى جلسة 10 مارس وخلال الجلسة يمكن للمحكمة ان تؤيد الحكم الابتدائي الاستعجالي القاضي بإيقاف اعمال اللجنة أو ان ترفضه وتسمح للجنة بمواصلة عملها بشكل عادي، وفي الحالتين يبقى الحكم الاستعجالي الذي سيصدر ساريا الى حين البت في القضية الأصلية. وقد طلب المحامون المدافعون عن اللجنة من المحكمة في الاستدعاء الموجه الى «خصومهم» بإيقاف تنفيذ الحكم الاستعجالي الابتدائي الى حين البت في القضية الاستئنافية وجاء في نص الاستدعاء الموجه عبر عدل منفذ ان الحكم المطعون فيه حرف المرسوم عدد 7 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 «إذ أن الحكم الابتدائي اعتبر ان اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد هي لجنة لا تكتسب الشرعية القانونية في وجودها وفي أعمالها وذلك حين وصفها «بما يسمى باللجنة». في حين ان اللجنة المعنية هي لجنة تأسست بموجب مرسوم صادر في 18 فيفري 2011 ومنشور بالرائد الرسمي المؤرخ في 1 مارس 2011 اي قبل صدور الحكم المطعون فيه المؤرخ في 5 مارس 2011». وجاء في تقرير المحامين المدافعين عن اللجنة ان رئيس اللجنة وأعضاؤها يتمتعون بالحصانة ضد التتبعات في ما يتعلق بممارسة مهامهم طبق ما يقتضيه الفصل الخامس من المرسوم وجاء أيضا « إن القيام على المنوّبين (اي اعضاء اللجنة) يتعارض مع حصانتهم القضائية والتنفيذية مما يجعل القيام مختلاّ شكلا» والمسألة التالية الواردة في تقريرهم هي خرق قواعد الاختصاص الحكمي، اذ يعتبرون ان الفصل الاول من المرسوم الصادر عن رئيس الجمهورية المؤقت ينصّ على ان اللجنة المذكورة هي «هيئة عمومية مستقلة» وبالتالي فإن الطعن في «شرعية اللجنة الوطنية المذكورة بوصفها هيئة عمومية مستقلة لها صبغة إدارية لا يمكن رفعه الى المحاكم العدلية عملا بقانون المحكمة الإدارية والفصل 3 من القانون الأساسي عدد 38 لسنة 1996 المؤرخ في 3 جوان 1996 المتعلق بتوزيع الاختصاص بين المحاكم العدلية والمحكمة الإدارية وإحداث مجلس لتنازع الاختصاص والذي ينصّ: «ليس للمحاكم العدلية ان تنظر في المطالب الرامية الى إلغاء المقررات الإدارية او الى الإذن بأي وسيلة من الوسائل التي من شأنها تعطيل عمل الإدارة او تعطيل سير المرفق العمومي». وجاء في التقرير ايضا ان القضية رفعت ضد أعضاء اللجنة وليس ضد اللجنة في حين صدر الحكم بإيقاف أعمال اللجنة اي انه صدر ضدّ طرف لم تشمله الدعوى. كما رأى دفاع اللجنة «أن تنفيذ الحكم المطعون فيه يستحيل أمام رجوع الملفات بالتعهد الى اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد بوصفها هيئة وطنية مستقلة ولا يمكن ان يتجزأ عمل أعضائها عن الصبغة العامة داخل تلك المؤسسة وهم لا يمسكون تلك الملفات بصفتهم الشخصية وإنما تمسكها اللجنة بقطع النظر عن هوية الأطراف الذين يكوّنونها» وطلبوا على أساس ذلك إيقاف تنفيذ الحكم الاستعجالي عدد 96202 الصادر عن المحكمة الابتدائية بتونس بتاريخ 5 مارس 2011 الى حين البت في القضية الاستئنافية. وكانت «الشروق» قد نشرت منطوق الحكم الاستعجالي الابتدائي في عدد الأحد الماضي 6 مارس 2011 ومبرّرات المحامين العشرة الذين رفعوا القضية وطلبوا إيقاف أعمال اللجنة، وهي أساسا قيام أعمالها مقام أعمال القضاء، واعتبروا ان اللجنة يمكن ان ترتكب أخطاء اجرائية وتجاوزات تكون مبررا لاحقا للقضاء ببطلان اجراءات التتبع، واعتبروا ان هذه اللجنة احدثت اثر خطاب الرئيس الهارب بن علي في 13 جانفي 2011. وقد أصدروا أمس بيانا الى الرأي العام الوطني تعقيبا على تصريحات السيد عبد الفتاح عمر رئيس اللجنة الذي تساءل بقوله من هم ولمصلحة من قاموا بهذا الاجراء؟ اي ايقاف أعمال اللجنة. وفي الردّ على سؤال من هم؟ جاء في البيان «... وعندما أحسسنا كرجال قانون بأن مرفقا عاما هو القضاء قد سلبت اختصاصاته لفائدة اشخاص بادرنا بما تمليه علينا ضمائرنا بواجب التصدّي لمحاولات إقصاء القضاء وتغييبه..». ولمصلحة من؟ جاء في البيان «لمصلحة من يتم تغييب القضاء في هذه المرحلة الهامة التي يقع فيها جمع الادلة والبحث في الجرائم المرتكبة في حق شعبنا؟» ورأى البيان ان سؤال لمصلحة من؟ الذي طرحه رئيس اللجنة يرمي «الى خلق التباس في ذهن افراد الشعب بأن الرئيس السابق وراء رفع الدعوى، الا ما غاب عن رئيس اللجنة هو ان هدفنا في رفع القضية كان ارجاع الأمور الى نصابها وأن يعهد للقضاء الحر والمستقل بمهام التتبعات حتى لا ترتكب أخطاء اجرائية وتجاوزات تكون مبررا لاحقا للقضاء ببطلان اجراءات التتبع». قضية لجنة تقصي الحقائق في قضايا الرشوة والفساد هي موضوع نقاش قانوني هام، عمقه الأصلي نقاش سياسي حول شرعية بعض المؤسسات والقرارات.