همس الموج .. «سيدي المحرصي» بنابل شاطئ .. بنكهة التاريخ والجمال    صرخة مواطنين: الرديف والمظيلة: المياه موجودة ... والمواطن ضمآن    صيف وضيف : المبروك العشي (رئيس جمعيّة ذاكرة وحنين للترشيحيّات والترشيحيّين) حريص على أنشطة ثريّة ونوعيّة داخل الجمعيّة    جلسة عمل بمقر بلدية تونس للنظر في تسوية الوضعية العقارية للمنطقة الصناعية المغيرة 5    جلسة عمل بولاية تونس جلسة عمل حول وضعية الفضاء البديل بسوق المنصف باي    الدورة ال16 للصالون الوطني للصناعات التقليدية من 17 الى 27 جويلية الجاري بمعرض سوسة الدولي    حرف من الجهات: فخار نابل .. عبق التراث وروح الإبداع    على باب المسؤول : توزر: مشروع لتربية الأسماك في المياه العذبة ينتظر الدعم والإحاطة    ثلاثة ضحايا و39 مصابا في حريق بمبنى شاهق في أنقرة    ماكرون يدعو إلى "الدفاع بحزم عن المصالح الأوروبية"    مسؤول بالبرلمان الإيراني: اكتشاف شرائح تجسس في أحذية مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية    تحذير صادم صدر قبل 6 سنوات.. عطل بسيط قتل 260 شخصا!    المهاجم فيكتور جيوكيريس سيتعرض لغرامة مالية كبيرة    الليلة.. لعنة النهائي في مباراة الحسم بين تشيلسي وسان جيرمان.. الموعد والقنوات الناقلة    نادي باريس سان جيرمان يحقق ايرادات تصل الى 850 مليون يورو    بطولة اسبانيا: فينيسيوس يتوصل إلى اتفاق مبدئي مع ريال مدريد لتمديد عقده حتى 2030    طقس الأحد: أمطار متفرقة بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    الطقس.. ارتفاع طفيف في الحرارة وامطار متفرقة بالمناطق الغربية للشمال بعد ظهر الاحد    حالة الطقس و درجات الحرارة يوم الأحد    صيف المبدعين .. الكاتب الأمجد العثماني .. عشت طفولة عذبة وبحر سوسة شاهد على الذّكريات    بلدة وتاريخ: سدادة (توزر): أرض الطبيعة والتاريخ والروحانيات    جهات وتقاليد .. «الكبّوس المحرسي» ...لزينة المرأة و مالها    افتتاح ساحر للدورة 38 لمهرجان الجم: الأوركستر الإيطالي "فيورنتينا دي كاميرا" ينقل الجمهور إلى عالم السينما والموسيقى الخالدة    تاريخ الخيانات السياسية (13) ...الحجّاج يخشى غدر يزيد    أعلام من بلادي .. محمد الخضر حسين أسّس اول مجلّة في تونس .. وناضل ضد الإحتلال الفرنسي    ترامب يهدد المكسيك والاتحاد الأوروبي برسوم جمركية جديدة    ماذا قال إنريكي وماريسكا عن «الفينال»؟    نبيل الكوكي يضع 3 لاعبين في قائمة مغادري المصري البورسعيدي    "سيناريو اغتيال نصر الله".. كشف تفاصيل ضربة إسرائيلية دقيقة كادت تطيح برؤوس سلطات إيران الثلاث    امطار مؤقتا رعدية وأحيانا غزيرة مع تساقط محلي للبرد بالشمال والوسط    قبلي: الشركة الأهلية "مراعي رجيم معتوق" تشرع في سلسلة من الزيارات الميدانية لمتابعة الوضع الصحي لقطيع الابل والاحاطة بالمربين    11 عرضا فنيا فى الدورة ال45 لمهرجان باجة الدولي من 22 جويلية الى 5 اوت القادم    بحث إمكانية مزيد التعاون بين تونس والصين وخاصة في قطاع الطاقة الرقمية والانتقال الطاقي    وزارة الأسرة تعلن عن نجاح 56 من بين مكفوليها في دورة المراقبة لامتحان الباكالوريا    الحدادي يمضي لنهضة البركان    خبير يُحذّر: تركيبة خطيرة في مياه مجهولة المصدر تفتك بالتونسيين    رياح قوية في الساحل.. شنوة لازم تعرف قبل ما تعوم    ''طريق المطار'': بلطي يطرح أغنيته الجديدة على جميع المنصات    شيرين وفضل شاكر يستعدّان لاطلاق أغنية جديدة مشتركة    محرز الغنوشي: '' الامطار قد تكون احيانا غزيرة مع هبات رياح قوية أثناء مرور السحب الرعدية''    الكاف: الدعوة الى التمديد في مدة الانتفاع بمنحة التسليم السريع لمادة الشعير    الدلاع في الكاميونة.. صحي ولا خطر؟..اكتشف السّر    الخبز الأبيض: نعمة ولا نقمة؟    مخاطر كتم العطسة...تعرف عليها    هند النعيرة: اسم لامع في عالم موسيقى "القناوة" يتجاوز الحدود الجندرية والثقافية ويلهم الأجيال القادمة من النساء    مهم للناجحين في الباك 2025: كيفاش تاخو كلمة السر للتوجيه الجامعي؟    عاجل/ تحذيرات من زلزال قريب يدمّر كاليفورنيا    التمديد مجدّدا في منحة تسليم الشعير الى حدود هذا الأجل..#خبر_عاجل    عاجل/ السجن 20 عاما ضد كاتب عام سابق بنقابة الحرس الوطني من اجل هذه التهم    ليفربول يودّع جوتا: حجب القميص رقم 20 وتكريم غير مسبوق    شهداء في قصف متواصل على غزة منذ فجر اليوم.. #خبر_عاجل    عاجل/ عاصفة قبلي وتوزر: مهندس بالرصد الجوي يقدّم تفسيرا للظاهرة    من الكراء للملكية... مشروع قانون جديد على طاولة مجلس الوزراء بش يسهّل الحلم بالمسكن للتونسيين !    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    علاقة وثيقة بين النوم والعمل..    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحوّل الديمقراطي والقطع مع الدكتاتوريّة
نشر في الشروق يوم 11 - 03 - 2011

لقد عاشت بلادنا منذ الاستقلال تحت وطأة الحكم الفردي الدكتاتوري والرأي الواحد والزعيم الواحد واستحوذ الحزب الدستوري بمسمياته المختلفة على الساحة السياسية وأصبح دولة داخل الدولة ومع مرور الزمن ترهل وشاخ فاستحوذت عليه جحافل المنافقين والمتمعشين وتم استغلاله في أعمال غير ديمقراطية كالتجسس على المعارضين وتشويه سمعتهم إلى حد البلطجة .
وحتّى الأحزاب التي سمح لها بالنشاط العلني وقع التضييق عليها وتم توظيفها لمساندة الحكم ومباركة أطروحاته المختلفة واستعمالها ديكورا لديمقراطية مزيفة في انتخابات مزورة .
وهذا الحزب الذي ترعرعت فيه نضالات الشعب التونسي ضد الاستعمار الفرنسي تحول إلى آلة غير فاعلة وجامدة خاصة في عهد الرئيس بن علي بل سكت عل المظالم والفساد وبارك الاختيارات المكرسة للدكتاتورية وديمومة الحكم .
وهكذا تحولت البلاد إلى دولة الحزب الواحد أو إذا شئنا حزب الدولة وغابت المعارضة الحقيقية وترعرعت الانتهازية السياسية والشللية في جميع مفاصل المجتمع .
ورغم تطور الذهنية الفكرية لافراد المجتمع في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العالمية فلم تتحقق في الداخل النقلة النوعية السياسية والتوجه نحو ديمقراطية حقيقية وذلك بفعل تمكن الدكتاتورية وحكم الفرد والحاشية المتنفذة بمساندة الحزب الدستوري من تكميم الافواه وارهاب المثقفين وجميع مكونات المجتمع المدني باستعمال آليات جهنمية فتارة بالاغراء وتارة بالتخويف وهكذا اصبح المجتمع التونسي مكبلا باغلال من حديد وصحراء قاحلة لا يطيب فيها العيش وقد تم توظيف القضاء والادارة لترسيخ هذه الحالة بالزج بالمعارضين في غياهب السجون والمنافي والتنكيل بهم وطرد الموظفين الاكفاء والتضييق عليهم بشتى الطرق .
كما تم تطويق الصحافة بالكامل فلم نعد نقرأ أيّ نقد وأيّة كلمة حرة فأصبحت المنظومة الاعلامية مجرد بوق تمجّد الحاكم صباح مساء كما استعمال المال العام لتمويل الرداءة وتكريس عبادة الشخص والحملات الغوغائية والانتخابات المزيفة .
والمتتبع للفترة الماضية ومنذ الاستقلال لم يعش الشعب التونسي ديمقراطية حقيقية تتماشى مع تطلعاته وآماله وهو الذي تمكن من التطور المعرفي النوعي بل ظلّ مكبوتا وتتصارع بداخله شتى صنوف التوق إلى غد أفضل .
كما بقيت تضحيات اجيال عديدة وتطلعاتها المستميتة نحو ديمقراطية فعلية وحقيقية حلما بعيد المنال حتى جاءت هذه الثورة المجيدة على يد الشباب وقد تم القضاء على رأس الدكتاتورية وبقيت مؤسسته على حالها فكيف يتم تفكيكها والقضاء عليها وبسط الديمقراطية مكانها وذلك دون عودة إلى الماضي؟
فللدكتاتورية نظام كامل تمشي عليه ومؤسسة تعمل بها وجهاز تستعمله لتأبيد حكمها وتوريث آلياتها القمعية والتسلطية فهي ليست فردا واحدا من السهولة بمكان التخلي عنه بل هي كيان سرطاني متمكن من جسد الدولة ومعشش في العقول والافئدة ويصعب بالتالي قلع جذوره والقطع معه .
فلا بد من فترة انتقالية تدوم سنوات لتكريس مبادئ الديمقراطية الحقة ورجال صادقين متشبعين بروحها ومنهجها وفكرها في شتى مجالات الحياة المجتمعية، ودور المجتمع المدني في التحول نحو الديمقراطية والقطع مع الدكتاتورية يعتبر مهمّا ومفصليا فلا وجود لديمقراطية دون ديمقراطيين حقيقيين .
فكنا نسمع في العهد الماضي بهذه الكلمة السحرية وقد تم استعمالها حقّا اريد به باطل، فلم نر ديمقراطية على أرض الواقع بل دكتاتورية متخلفة وبائسة .
وهذا يعني أنّ الكلام عن الديمقراطية في المنابر دون انجاز مبادئها على ارض الواقع لا يعني شيئا والخوف كل الخوف ان يكون الامر مجرّد شعارات جوفاء دون دليل ملموس كما كان الشأن في الماضي .
ولتحقيق مبدإ الديمقراطية الحقة والقطع مع الدكتاتورية فلا بد من انجاز المرحلة والخطوات التالية :
1 تصفية تركة الدكتاتورية بالكامل:
وذلك عن طريق المحاسبة وكشف كل الحقائق ونشرها للعموم وارجاع ما نهب وسرق إلى أصحابه، فلابد من تنظيف البيت من بقايا الفساد والدكتاتورية والتسلط وتجاوز القانون حتى يتم الدخول على أسس صحيحة وخالية من كل الشوائب والبذور العفنة والمسامير الصدئة .
2 الاستقلال التام للقضاء:
دون استقلال تام للقضاء عن السلطة التنفيذية والحياد عن مؤسسة الادارة لا يمكن تحقيق العدالة والنزاهة والشفافية حتى يأخذ كل مظلوم حقه دون تدخلات ولا عراقيل وتوصيات .
والعدل أساس العمران كما قال العلامة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ودون ذلك يعم الخراب والفوضى والمحسوبية وعدم الاستقرار .
3 حرية الإعلام والتعبير:
لا يمكن توطين الديمقراطية دون حرية حقيقية للاعلام الذي يعبر بكل صدق عن الرأي المخالف وأفكار المجتمع المدني ويكشف الحقائق بعيدا عن التزلف والتطبيل والإثارة .
4 حرية التحزّب والتجمّع والنقد:
حرية الانسان من الحقوق الاساسية ودونها ليس هناك مجتمع مدني ولا ديمقراطية فالحقوق في التنظم والتحزب والتجمع من مقومات الديمقراطية الحقيقية وهي حقوق لكل مجموعة أو فرد يكفلها الدستور وتنظمها المعاهدات الدولية ولا يمكن سلبها أو تحديدها أو تجاوزها .
5 دستور يعطي الحريات للجميع ويقطع مع تأبيد الحكم:
الدستور التونسي اصبح بعد التنقيحات العديدة كالثوب البالي المثقوب عل مقاس الدكتاتور وخال من كل مضمون ديمقراطي وفصوله العديدة تحيل الى قوانين متخلفة وغير ديمقراطية كمجلة الانتخابات وغيرها.
وبات من الأكيد تغييره جذريا وطرحه على الاستفتاء الشعبي مع الحد من طغيان سلطات رئيس الجمهورية او الذهاب إلى النظام البرلماني مباشرة، فدون دستور ديمقراطي يعطي للحرية وحقوق الانسان المكانة الرفيعة ويضمن للجميع المساواة والعدالة ويقطع مع الدكتاتورية والسلطات الواسعة والإلهية لرئيس الجمهورية مع ضمانات فعلية لا يمكن بكل تأكيد التحول الديمقراطي لانّ كل من يجلس على الكرسي ولا يحمل بذور الديمقراطية ومتشبعا بمبادئها وأسسها يمكن بكل بساطة أن يتخلى عمّا هو مسطر بالدستور بعد ان يكوّن لنفسه جوقة ومريدين كما فعل من جاء من قبله .
فكم من متشدّق بالديمقراطية انقلب عليها وأصبح من أعتى الدكتاتوريات في عالمنا اليوم وباسمها اقترف الجرائم والفساد والتجاوزات .
6 فصل الدولة عن الأحزاب:
لن تتحقق الديمقراطية الحقيقية اذا لم يتم بصفة نهائية فصل الدولة عن الأحزاب. فقد رأينا بأم العين حسب التجربة التونسية كيف تحولت الدولة ومؤسساتها وخيراتها في خدمة حزب بعينه دون مراعاة حق المواطنة والآخرين وبهذا تم القضاء على الرأي المخالف وتحنيط الحياة السياسية في قوالب جامدة لاتتجاوز التمجيد والولاء الأعمى للحاكم مع التمتع بمزايا غير موضوعية حتى أصبح الانتماء له يمكن من التوظيف والكسب دون كفاءة.
وفي الختام لابد أن نبيّن ان التحول الى الديمقراطية الحقيقية يمر بفترة مخاض صعبة والمجتمع يخوضها صعودا وهبوطا حتى يصل الى مرحلة الاستقرار والقطيعة التامة مع الدكتاتورية وقد يمر زمن طويل او قصير حتّى تحقيق هذا الهدف السامي والمهم قطعا هو التحرك الواعي نحو الديمقراطية رغم الاشواك والمعوّقات وأهل الردّة .
وكلما تمكن الديمقراطيون الحقيقيون من الصعود إلى القمة كلما اقتربنا من تحقيق المبتغى المنشود كما ان الضمانات القانونية واحتضان المجتمع المدني الموسع للمبادئ الجديدة يرفع من وتيرة إنجازها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.