لا يتعلق الأمر بموضوعها أو عنوانها ولا بالمدرسة الفنية التي تنتمي اليها ولا بخاماتها ولا مقاييسها ولا بجنسية من رسمها ولا تاريخ انجازها. بل يهمنا أن نعرف من كان يملك هذه اللوحة من التونسيين قبل مغادرتها تراب الوطن الأم الذي رأت فيه النور والى أين سافرت، متى وفي أي ظروف؟ كيف وقع تهريبها أو شحنها وتصديرها الى وجهة معينة أي بموافقة رسمية سلمت من طرف وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، لكأن هذا التعريف الأخير الملحق بتسمية الوزارة هو الذي أفشى الحقيقة العارية وهي التغافل عن التراث عوض المحافظة عليه! أما الموافقة فهي بمثابة التأشيرة التي لا تغفل أدنى جزئية تتعلق بالقطعة الفنية الأثرية خصوصا من حيث انتسابها وتاريخها ووجهتها وقيمتها المادية والتظاهرة الثقافية التي ستحتضنها بعد تأمينها للرعاية المستوجبة. نواصل التساؤل كيف تم بيع هذا العمل الفني بالمزاد العلني بباريس منذ عدة سنوات؟ هل كانت الجهة المسؤولة في وزارتنا المعنية حقيقة على علم تام بتواجدها في سوق ما بعاصمة النور غير معبرة على موقفها من صفقة البيع هذه؟ حسب الاعلام الدولي الموثق: اقتنى شخص ما ذو جنسية سويدية هذه اللوحة بثمن بلغ مائة وعشرين ألف أورو، هنيئا لمشتريها . أما هذه اللوحة فقد عاودها الحنين الى الرجوع الى مسقط رأسها ما أحلى الرجوع اليه فاختارت في مرحلة أولى اقامة صيفيه (2010) بجزيرة الأحلام جربة جزيرة زهرة اللوتيس وهي جزيرة «أوليس» الذي رجع اليها بعد غياب دام عشرين سنة حسب أسطورة هوميروس قضاها في الحروب والمغامرات ليعانق حبيبته «بنلوب»، مثال الوفاء والإخلاص. عرضت هذه اللوحة في المدينة السياحية بمؤسسة ثقافية فنية خاصة محتفية بمولدها وقدرت من مصدر موثوق به بمائتين وثمانين ألف دينار. عندما نتابع تنقل هذه اللوحة المتجولة فإننا نسجل أنها حطت عصا الترحال ولم ينته بها المطاف بعد بدار الفنون بالبلفيدير حيث برزت يوم 02 ديسمبر 2010 ضمن معرض، نظم تكريما للرسام الراحل الكسندر روبتزوف (1884-1949) الحامل لجنسية فرنسية وهو من أصل روسي أقام بتونس منذ قبيل الحرب العالمية الأولى. والسؤال الملح الآخر وليس الأخير هو الآتي: لماذا توقف صخر الماطري بالذات أمام هذه اللوحة بالذات مساء يوم 02 ديسمبر 2010 وهو الزائر النادر والنادر جدا لمثل هذه المعارض الفنية هو ومرافقوه وهم مصحوبين بسيادة وزير الثقافة والمحافظة على التراث آنذاك والى جانبهم السيدة مديرة دار الفنون والتي هي في نفس الوقت مديرة قسم الفنون التشكيلية بالوزارة وعضو قار بلجنة الشراءات وهي المحافظة المسؤولة على خزينة الدولة التي تحتوي على آلاف الأعمال الابداعية التشكيلية التي تقدر بالمليارات لما لها من قيمة فائقة في تاريخ الفن المعاصر خاصة ونحت الذاكرة الوطنية عامة... وهنا يحق لنا أن نتساءل عن مآل مقتنيات الوزارة من حيث ايداعها وحصرها وصيانتها وتوظيفها منذ فجر الاستقلال، أما مجموعة الأعمال ككل فيرجع تاريخها منذ قبيل الحرب العالمية الأولى. خلاصة هذا الرأي: غايتنا أن نلفت النظر لمن يهمه الأمر في أن هناك أسئلة أخرى ملحة عديدة ومتنوعة ستطرح نفسها على الساحة الثقافية عندما نقرر فتح هذا الملف الذي لم يعد بامكانه الانتظار وهذه الأسئلة تستدعي أجوبة واضحة من الجهات المسؤولة لتقنع المهتمين بشأن الفنون التشكيلية من ممارسين محترفين وهواة وأصحاب أروقة ونقاد ومؤرخي فن ومحبيه والمجمعين منهم وأهل الاختصاص أساتذة كانوا أو طلبة والجمهور العريض عامة... أهل مكة أدرى بشعابها... وأهل الذكر وذوي العزائم الصادقة يطمحون الى تحقيق حلم روادهم طويلا يتمثل في انشاء متحف قومي للفن المعاصر... فهل من مستجيب... للتصميم والتشييد ورفع منارة جديدة للإشعاع وتوضيح الرؤية لتعبيد السبيل أمام الأجيال الصاعدة؟ عبد المجيد البكري فنان تشكيلي استاذ تربية فنية متقاعد