ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    دعوة الى تظاهرات تساند الشعب الفلسطيني    هيئة الأرصاد: هذه المنطقة مهدّدة ب ''صيف حارق''    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    عاجل/ خبير تركي يُحذّر من زلازل مدمّرة في إسطنبول..    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جلال بن بريك ل«الشروق»: شعبنا اليوم مسيّس بامتياز... ونرفض مساومته بالأمن والحرية
نشر في الشروق يوم 18 - 03 - 2011

٭ تونس «الشروق»
عرف جلال بن بريك الزغلامي، كمناضل يساري في صفوف ما يعرف بالتيار التروتسكي، وقد عرف السجون منذ كان تلميذا، نشَطَ في صفوف الحركة الطلابية، وساهم في التحركات الشعبية، من عائلة تنحدر من الجريصة وكان والده نقابيا ومناضلا، وقد نشأ في إطار عائلي واجتماعي له صلة بالعمل السياسي والنقابي، شقيقه الصحفي المعروف توفيق بن بريك.
جلال بن بريك الزغلامي عضو مؤسّس برابطة اليسار العمالي التي تضمّ بعض الوجوه المنتمية للتيار الفوضوي وبعض الوجوه المجالسية والتروتسكية، رابطة اليسار العمالي هي عضو مؤسس بجبهة 14 جانفي، اسس جلال الزغلامي مع ثلّة من رفاقه وأصدقائه تجربة صحفية تمثلت في مجلّة «قوس الكرامة»، تعرّض لمحاولة اغتيال بسبب مقال «بن علي يكفي Ben Ali Basta ، وهو محام محروم من ممارسة مهنته، لأنّ الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس، طعن في ترسيمه بجدول المحاماة، التقيناه على مدى أكثر من أسبوع، وكان الحديث معمّقا فكان هذا الحوار.
٭ كيف تفاعلتم مع حكومة الباجي قائد السبسي ومع ما تعلن عنه من إجراءات تعتبر مسايرة لمطالب الثورة؟
بسخرية استنكارية يجيبك بناتنا و أبناؤنا الطلبة (سنهم بين 22 و 25 سنة) عن تمثيل الأربعيني الأستاذ أمينا عاما لاتحاد طلبة تونس لهم... رمزيا المبزع و السبسي بثمانيتيهما يعبران عن الذوق والذكاء البليد و الركيك لطغمة الحكم في تونس وعرّابيهم الفرنسيين و الأروبيين والأمريكيين.
سياسيا خطاب المبزع هو خارطة طريق كمحاولة لحل أزمة الحكم للنظام القائم. فبعد سقوط العريف الفاسد بن علي والقضاء ميدانيا على التجمع أداة البيروقراطية المدنية السرطانية وبعدها الإطاحة بحكومتي الغنوشي (تكنوقراط الإقتصاد أي منظم الفساد والابن البار لمؤسسات الرأسمال العالمي الناهبة).
لذلك جاء خطاب المبزع ليعبر من جهة على الإذعان لقدرة وقوة الحركة الشعبية المكثفة في الوقفة الإحتجاجية المليونية ليوم 25فيفري 2011 تلك القوة أسقطت حكومة الغنوشي الثانية ب «معارضيها» والاستجابة لمطلب المجلس التأسيسي...
من جهة أخرى عبّر الخطاب على أنّ الحكام الحقيقيين أبقوا بين أيديهم عصب خيوط وأوراق اللعبة وهذا بتمكينهم وانفرادهم في تعيين الحكومة الجديدة وفي اختيار تركيبة الهيئة العاملة معها (الشعبية) طبعا مع إظهار مسحة من التشاور الصوري مع مسانديهم أوالمغفلين، ونعني بالأساس بيروقراطية الإتحاد العام التونسي للشغل وانتهازيي هيئة المحامين مع لفاف قيادات رابطية وأطراف ليبرالية وطبعا سلفيين و للأسف بعض الوجوه أو الأطراف اليسارية.
أما خطابي الثمانيني قايد السبسي من حيث الأسلوب يذكر ببورقيبة لكن في أيام انحداره المتسم بالهذيان والتضخم الشخصي الصبياني.
سياسيا احتوى الخطابان من جهة نهجا ومن جهة أخرى إجراءات. بالنسبة إلى النهج يلخص في استرجاع هيبة النظام، فالسبسي أكد على ذلك وكرره كالتلميذ الفاشل، أي قوة وهيبة لنظام أشرف على النهب والفساد الاقتصادي طيلة سنوات بن علي إلى حد اليوم. نظام كل مؤسساته وأدواته قتلت وعذبت وشردت وقمعت وهمشت شعبنا طيلة سنوات بن علي وذلك إلى حد اليوم(تسعة شهداء يومي 25و26فيفري 2011)
من حيث الإجراءات جاء بحكومة «تكنوقراط» وأعلن عن حل البوليس السياسي. وزراء حكومة التكنوقراط يشتمّ منهم رائحة السيدة العجوز فرنسا ومن ورائها أوروبا بإعانة أمريكية.
حل البوليس السياسي وأمن الدولة حتى وإن كان غير واضح المعالم فهو مكسب فرضته نضالات ودماء جماهيرنا الثائرة. غير أننا نؤكد على الطبيعة المبهمة لهذا الحل وخاصة نقول وبكل وضوح أن أجهزة كل أجهزة وهيئات ومؤسسات 7نوفمبر هي أجهزة قمعية ومجرمة وملطخة بدماء بناتنا وأبنائنا.
كثوري ماركسي أقرأ كل التطورات من منطلق طبقي اجتماعي، وأقول إن الطبقة العاملة والجماهير المفقرة خاصة في الجهات و الأحياء الشعبية بثورتها أسقطت عدة قلاع هامة أساسية للدكتاتورية الفاسدة، لكن لا يزال الحاكم الحقيقي للبلاد متمثلا في الرأسمال العالمي وبالأساس الفرنسي الأوروبي ثم الأمريكي هو الذي يدير لعبة الحكومة ومعه خدامه في تونس. ويشتم من المناورات الأخيرة المتضمنة خطابات المبزع والسبسي رائحة السفير الفرنسي الجديد ووزيره القديم الجديد «أستاذ الخبث» الديغولي الاستعماري آلان جوبي.
٭ ما هي مبررات رفضكم إذن لتعيين الباجي قايد السبسي وحكومته؟
«الشعب يريد إسقاط النظام» هذا هو الشعار اليومي لجماهيرنا الثائرة في الجهات المقهورة والأحياء الشعبية والقطاعات العمالية والشبيبة والشرائح الراديكالية من المثقفين.
أسقطت الثورة الديكتاتور وحزبه ووزيره الأول (الغنوشي) وأسقط شكليا على الأقل البوليس السياسي وأسقط الدستور الرئاسوي المنظم لديكتاتورية نظام البورجوازية العميلة البيروقراطية البوليسية الجهوية العائلية الفردية، ذات الذوق الثقافي والأخلاقي الهابط.
الجماهير وعت أن خلاصها وتحقيق أدنى مطالبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يكمن في كنس كل مؤسسات وهيئات النظام البوليسي الدستوري العميل، وذلك مع كل رموزه وأشخاصه.
السبسي قبل أن نتحدث عن علاقته بفترة بن علي علينا التذكير بأنه دستوري «بيروقراطي قح». سنة 1963 كان وزيرا للداخلية المشرف على تعذيب الأزهر الشرايطي (قائد حركة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي)، ورفاقه وعلى تحضير إعدامه.
قايد السبسي مع بن علي شاركه سياسته التفقيرية والقمعية بشكل مباشر على الأقل بين سنة 1989 وسنة1994 حين كان في البرلمان رئيسا أو عضوا. تلك السنوات الخمس اتسمت بتطبيق إجرامي لبرنامج الإصلاح الهيكلي التفقيري والتجويعي، وبقمع واسع وشرس لآلاف المعارضين من مختلف الأطراف.
ونذكر بأن تلك الفترة مات فيها تحت التعذيب العشرات وتم القتل حتى في الحرم الجامعي.
هذا «القائد» الثمانيني علينا محاسبته لا تكريمه برئاسة حكومة انتقالية تعد لمجلس تأسيسي لشعبنا الثائر. مع العلم أننا ضد معاقبته جزائيا وذلك من منطلق مبادئنا الحقوقية لوضع من تجاوز عمره 75سنة في السجن.
أما الحكومة، فنحن كرابطة اليسار العمالي نعتبر أن مكوناتها، باختلاف مع الصبغة الأمريكية لحكومتي الغنوشي، فهي مفضوحة اليد العليا الفرنسية عليها، نقولها إن كانت حكومة الغنوشي2 هي حكومة «فيلتمار» فحكومة السبسي هي حكومة «ألان جوبي»، نحن مع إسقاط هذه الحكومة، نحن ندعو إلى حكومة شعبية ديمقراطية يعينها مجلس حماية الثورة المتركب من القوى العمالية والشعبية والمدنية والحقوقية والنسائية والشبابية والسياسية القاطعة مع نظام الديكتاتورية الفاسدة.
٭ هناك من يقول إن الانخراط في مسارات الرفض المتواصلة هو دفع نحو حالة من الفوضى والخواء، لتبرير الفراغ النظري في مستوى البرامج السياسية من ناحية ولعدم الجاهزية للتموقع في المشهد السياسي الراهن من ناحية أخرى؟
نعم نحن نرفض المسارات المفروضة من طرف بقايا النظام الديكتاتوري وأسياده الفرنسيين و الأوروبيين و الأمريكيين، نرفض ذلك مع شعبنا الثائر. كما نرفض مساومة شعبنا بالأمن أو الحرية.
كان جليا منذ ما قبل 14جانفي2011 وخاصة بعدها أن بقايا النظام البوليسي بمليشياته السياسية والاقتصادية هو الذي يدفع نحو عدم الاستقرار الأمني لتخويف وترهيب شعبنا حتى يخنع ويترك يد القمع والنهب متحركة.
بالنسبة إلى الفراغ السياسي هناك ترنح وضعف حقيقي لسياسيي السلطة الفاسدة، لكن بالمقابل لم تعرف تونس حالة من الملء والزخم السياسي مثل هذه الفترة، فكل تونسية وتونسي مهما كان موقعه وعمره له اهتمام يومي ومكثف بالشأن العام وذلك من خلال النقاش والتنظم في الأحياء والقرى والمؤسسات، اهتمام ونقاش سياسي يمس مما هو محلي وجهوي وقطاعي وسياسي واقتصادي واجتماعي وحتى عربي وعالمي. شعبنا اليوم هو شعب مسيس بامتياز.
٭ أنتم تتحدثون عن قوى دولية تتدخل في اللعبة السياسية في تونس، من تقصدون بالضبط؟
تونس مرتبطة باتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، اتفاقية لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، ويعتبر هذا الاتفاق عقدا، وهو عقد إذعان إذ يفرض فيه الاتحاد الأوروبي نهجا وشروطا على البلاد، نهج ليبرالي في خدمة الرأسمال العالمي من أجل نهب ثروات وقوة العمل في تونس وأدى إلى التفقير والبطالة والطرد والتهميش وكوارث بيئية، ومناطق منسية سياسيا. هذا الاتحاد الأوروبي كان عارفا بالفساد والقمع بل كان داعما له، وحين نتحدث عن الاتحاد الأوروبي نقول في حالة بلادنا إن ممثله الأول هو فرنسا والثاني إيطاليا (ساركوزي الناهب وبرلسكوني الفاسد).
لحد أن تحررت أغلب بلدان أمريكيا اللاتينية كانت الحديقة الخلفية للقوى الاستعمارية الأمريكية، بالمثل فإن تونس بالنسبة للاتحاد الأوروبي مرتعها الاقتصادي السياحي ومزبلة نفاياتها. وإلى حد أن تفرض الجماهير الثائرة حكومتها الثورية المؤقتة القاطعة مع الرأسمال العالمي وخاصة اتفاقية الخضوع للاتحاد الأوروبي، فإن كل أرهاط حكم النهج الليبرالي هم خدام مشروع الأسياد الاستعماريين.
٭ اذن حسب رأيكم، من يحكم تونس اليوم؟
يقول ماركس: «الدولة في آخر التحليل هي رجال مسلحون في خدمة طبقة معينة...» في آخر التحليل يعني خاصة أيام الثورة أو الحرب، حين تصبح كل المؤسسات المدنية ثانوية.
٭ وبما أننا أيام الثورة علينا أن نتساءل من بيده قوة السلاح ويخدم أي مصلحة اقتصادية؟
قلنا تونس منذ برنامج الإصلاح الهيكلي المفروض من البنك العالمي سنة 1985إلى حد اليوم هي تحت سلطة الرأسمال العالمي وبالأساس الأوروبي وعلى رأسه الفرنسي بمشاركة أكيدة للقوى الأمريكية.أي أن السلطة في تونس ليست في خدمة طبقة وطنية أو محلية، إنها سلطة بدون مشروع خاص بها، بل هي أداة تنفيذ لمشروع قوى استعمارية أجنبية، وهذه الأداة السلطة كي تنفذ مشروع النهب والتفقير وتفرضه على الجماهير كان لابد أن تكون شديدة القمع، لذلك اختارت قوى رأس المال العالمي لتمرير برنامج الإصلاح الهيكلي بدل البيروقراطية المدنية البورقيبية بيروقراطية مسلحة تمثلت في أركان البوليس وكان رمزها ربيب سانسير ووكالة المخابرات الأمريكية المركزية العريف الفاسد الدموي بن علي.
ونلحظ اليوم أن الثورة وإن دكت الرمز والمؤسسة البيروقراطية المدنية فقيادة أركان البوليس أي السلطة الفعلية لم تمس.
إن الوجوه المدنية للحكم هم سياسيون وتكنوقراطيون مرتبطون بالدوائر والقوى الرأسمالية.
ومن جهة أخرى ماهم سوى عرائس ودمى قش وحتى وإن بدت لها شخصية فهي في الواقع كل حركاتها وأفعالها يتحكم فيها محرك الدمى أي سيد السلطة الحقيقي.
إذن السلطة لازالت بيد البوليس وفي خدمة الرأسمال العالمي أولا الفرنسي ثم الأوروبي ثم الأمريكي.
٭ ألا تعتقدون أن اليسار التونسي لم يستطع تقديم إجابات عن الإشكاليات السياسية في تونس مثل البدائل الممكنة للثورة وإيجاد سبل للتغيير الحقيقي؟
حالة الاختناق التام والجليد الكلي الذي فرضته الطغمة البوليسية على مجتمعنا، وبمثل الحالات المشابهة في البلدان الأخرى خاصة أمريكيا اللاتينية، جعلت من العمل السياسي وعموما الاهتمام بالشأن العام يتخذ أشكالا بالأساس غير حزبية. وإن كانت في أمريكا اللاتينية أخذت مثلا الأشكال المسلحة فإن في بلادنا وبحكم تاريخ خصوصي أخذت شكل المقاومة الصبورة القاعدية في القطاعات والجهات والأحياء الشعبية وفي المجالات الثقافية والإبداعية والإعلامية. وكانوا الفاعلين في هذه المقاومات العميقة والشبه غير المرئية، نقابيون و الشباب... مع طبعا بروز وظهور مرئي للجزء الصغير من هذه المقاومة والمتمثل في شخصيات وحزيبات لها «إشعاع» إعلامي مرغوب ومضخم من طرف الإعلام والمنظمات الحقوقية في بلدان المركز (الغربية) تبعتها في ذلك قناة إمارة قطر.
لذا لا يمكن الحديث عن أي حزب يميني أو يساري انخرط أو عارض سيرورة ثورة 14جانفي2011 وكان له برنامج سياسي واجتماعي حقيقي.
إن الجميع، عدا برنامج القوى الاستعمارية الرأسمالية هم في حالة تفاعل مع الواقع وحراكه الطبقي المحتد بهدف صياغة أسس إجابات وبرنامج للبلاد.
وأطراف اليسار ليست في استثناء عن هذه الحالة العامة، غير أن ثلاث من مكوناتها الأساسية لها توجه مستمد من أطروحة الثورة على مراحل، استسهلت الوضع واختارت عدم الاجتهاد.... وراحت تعلن ثلاثتها أن الهدف هو الجمهورية الديمقراطية ذات طبيعة النظام البرلماني.
أما نحن كرابطة اليسار العمالي، مع تفاعلنا مع المكونات المنظمة لليسار في تونس، نعلم أن تقريبا أكثر من 80 بالمائة من يساريي تونس وثورييها وبحكم الواقع الذي تحدثنا عنه، هم مناضلات ومناضلون في القطاعات والجهات والمجالات غير منظمين ومتحزبين، لذا نحن قررنا بناء الرابطة كإحدى النواتات المتفاعلة مع هذا الكم الهائل من الثوريات والثوريين، ومع مواصلة التدخل والبقاء على ذمة ثورة شعبنا، سنبني معهم الحزب العمالي الشعبي لثورة الكرامة والحرية القاطعة نهائيا مع النمط الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي المفروض من قبل الدوائر و القوى الرأسمالية العالمية، وإن لا نستنسخ التجارب ونؤكد على خصوصية ثورتنا، فإن لنا في التجارب القريبة لنزع الديكتاتورية والتحررمن القوى الاستعمارية في أمريكيا اللاتينية، مثالا من الممكن والأكيد أن نستلهم منه.
ورابطة اليسار العمالي و إن لم تضع البرنامج النهائي فبحكم تكونها من مناضلات ومناضلين منغرسين نقابيا وجهويا وشبابيا ونسائيا وثقافيا، وبحكم أيضا تشبع كوادرها بالتجارب الثورية التونسية والمغاربية والعربية والعالمية وأيضا الاستنارة بالنظرية الماركسية الثورية، كل هذا يجعل منا حاملي المنطق البرنامجي الثوري، أي منطق بعيدا عن التوجهات الإصلاحية والانتهازية لتقسيم الثورة لمراحل وتقسيم البرنامج إلى حد أدنى وحد أقصى.
فرابطة اليسار العمالي تؤكد على أن ثورتنا هي بمعنى في البلدان المهيمن عليها من الرأسمال العالمي تكون المهام الوطنية والديمقراطية مهاما مركزية وجب انجازها وهي مهام تهم كل فئات الشعب الوطنية، لكن قيادة الشعب تكون للطبقة الأكثر ثورية والقادرة فعلا على إعطاء برنامجا يقطع مع القوى المهيمنة وهي الطبقة العاملة. والطبقة العاملة في قرننا الواحد والعشرين تتمثل في كل الأجراء وأيضا في الاحتياط الضخم والهائل و النوعي من العاطلين عن العمل. وفي انجاز هذه المهام الوطنية والديمقراطية ستتعدى الطبقة العاملة في عدة قطاعات أساسية من الاقتصاد نحو التأميم بما معنى قطاعات ممشركة وذلك من حيث طبيعة الثورة.
أما من حيث البرنامج الثوري فهو برنامج انتقالي مرتبط بالمرحلة الثورية تنطلق من واقع الجماهير بحالتها اليوم، لفرض سلطتها الشعبية الديمقراطية الوطنية.
برنامج ينطلق من مهام ملحة فانتقالية باتجاه المهام المركزية، ويمس المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.
فمن المهام الملحة هو إطلاق الحريات العامة والفردية، إعادة هيكلة البوليس بما يتماشى من جهة وعدد السكان ومن جهة أخرى حاجيات الشعب، التشغيل الفوري للعاطلين، المنحة والسكن لكل الطلبة، إلغاء الدين الخارجي، الصحة والتعليم المجاني، النقل المجاني للعاطلين، تأميم ممتلكات كل العائلات الفاسدة ووضعها تحت تسيير عمالي ومراقبة شعبية، فرض جباية عادلة تصاعدية حسب الدخل والثروة، مراقبة الأجراء لتسيير المؤسسات وإلغاء السر التجاري والبنكي، الزيادة في الأجور 30بالمائة، تحديد الحد الأدنى للأجر ب 500د، برنامج عام للاستثمار والنهوض بالمناطق المهمشة، برنامج لتمكين سكان الأحياء الشعبية من ظروف ومحيط من حياة كريمة،، فصل الدين عن الدولة ومدنية كل القوانين، المساواة التامة بين المرأة والرجل بما في ذلك الإرث، برنامج عاجل للمناطق المتضررة بيئيا... ضرورة فرض برنامج إصلاح زراعي ديمقراطي من ضمنها الغاء ديون كلّ الفلاحين الفقراء.
أما الشعارات الانتقالية فتتمحور أساسا حول تركيز التنظم الذاتي للجماهير الشعبية في أحيائها وقراها ومؤسساتها، وأيضا في إلغاء اتفاقية الشراكة المنظمة لهيمنة الرأسمال العالمي الناهب لثرواتنا وتفقير و تجويع الفئات والطبقات الشعبية، وتنظيم منظومة اقتصادية واجتماعية متجهة إلى خدمة الشعب والتوجه بخطوات فعلية نحو بناء الاندماج الاقتصادي المغاربي في أفق عربي، وذلك أيضا بالاعتماد على تنويع العلاقات الإقتصادية والتجارية خاصة مع الأقطاب والقوى الصاعدة و غير الاستعمارية، مثل جنوب إفريقيا والبرازيل والهند والصين وتركيا وأندونيسيا وفينيزويلا... ونحو جعل التجارة الخارجية تحت الهيمنة الكاملة للدولة.
أما مركزيا فالشعاران المكثفان للمرحلة الثورية هما المجلس التأسيسي الشعبي الديمقراطي وأيضا الحكومة الشعبية الديمقراطية وهما متلازمان لا ينفصلان، والمجلس التأسيسي لن يكون ممثلا حقيقيا لإرادة الشعب إن لم تستدعه وتعد له حكومة وطنية وديمقراطية وشعبية قاطعة كليا مع الأسياد الاستعماريين من فرنسا وأوروبا وأمريكا.
هذا هو منطق البرنامج السياسي للثوريين، البرنامج الانتقالي الثوري لمرحلة الحالة الثورية، وهي الحالة التي نعيشها.
وكما يقول تشي غيفارا «الثورة كالدراجة اذا وقفت سقطت» فانّ جماهيرنا رفعته عاليا «ثورة، ثورة مستمرّة والنظام على برّة».
فالنضال مستمر، فليبق كلّ في موقعه كما يقول تروتسكي، ولا يغادرنّ أحد ساحة المعركة إلى حدّ فرض حكومة الشعب الثائر الديمقراطية والوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.