تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المطلوب منوال تنمية أم اختيارات اقتصادية جديدة لتونس الغد؟ القطاع الفلاحي نموذجا (الحلقة الأول
بقلم د . عبدالله بنسعد أستاذ جامعي باحث
نشر في الشعب يوم 16 - 07 - 2011

تصدير: »خلافًا للفوضويين، يعترف الماركسيون بالنضال من اجل الاصلاحات اي من اجل تحسينات في اوضاع الكادحين تترك السلطة ، كما من قبل ، في يد الطبقة السائدة. ولكن الماركسيين يخوضون في الوقت نفسه نضالاً في منتهى الحزم ضد الاصلاحيين الذين يحُدّون ، بواسطة الاصلاحات ، مباشرة او بصورة غير مباشرة ، من تطلعات الطبقة العاملة ونشاطها. فان الاصلاحية انما هي خداع بورجوازي للعمال الذين يبقون دائمًا عبيدًا مأجورين ، رغم بعض التحسينات ، ما دامت سيادة الرأسمالية قائمة. ان البرجوازية الليبرالية تمنح الاصلاحات بيد وتسترجعها بيد اخرى ، وتقضي عليها كليًا ، وتستغلها لاجل استعباد العمال ، لاجل تقسيمهم الى فرق مختلفة ، لاجل تخليد عبودية الكادحين المأجورة. ولهذا تتحول الاصلاحية بالفعل ، حتى عندما تكون مخلصة كليًا ، الى اداة لاضعاف العمال ولنشر الفساد البورجوازي في صفوفهم.
وتبيّن خبرة جميع البلدان ان العمال كانوا ينخدعون كلما وثقوا بالاصلاحيين.اما اذا استوعب العمال مذهب ماركس ، اي اذا ادركوا حتمية العبودية المأجورة ما دامت سيادة الراسمال قائمة فانهم ، على العكس ، لن يدعوا الاصلاحات البورجوازية ، ايا كانت ، تخدعهم. ان العمال يناضلون من اجل التحسينات مدركين ان الاصلاحات لا يمكن ان تكون لا ثابتة ولا جدية ما دامت الرأسمالية قائمة ، ويستغلون التحسينات لاجل مواصلة النضال بمزيد من العناد ضد العبودية الماجورة. ان الاصلاحيين يحاولون ان يقسموا العمال ويخدعوهم بالصدقات ويصرفوهم عن النضال الطبقي. اما العمال الذين يدركون كذب الاصلاحية ، فانهم يستغلون الاصلاحات لاجل تطوير وتوسيع نضالهم الطبقي. وبقدر ما يشتد تأثير الاصلاحيين في العمال ، بقدر ما يضعف العمال ، وتزداد تبعيتهم حيال البورجوازية ويسهل على البرجوازية ابطال مفعول الاصلاحات كليًا بشتى الحيل. وبقدر ما تتعاظم الحركة العمالية استقلالاً وعمقًا ، وسعة من حيث الاهداف ، وبقدر ما تتحرر من ضيق الاصلاحية ، يفلح العمال اكثر فاكثر في تثبيت بعض التحسينات والاستفادة منها«. لينين
مقدّمة لابدّ منها: ما حصل في تونس هل هو ثورة أم انتفاضة؟
لا شكّ في أنّ كلّ القراءات الموضوعيّة وكلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ ما حصل في تونس (وفي مصر أيضا) هو انتفاضة وليس بثورة. إنّها انتفاضة عظيمة توسّعت في الزمان (من 17 ديسمبر إلى 14 جانفي وتتواصل إلى الآن ولو بتقطع ووتيرة ضعيفة) وتوسّعت في المكان (عمّت كلّ مدن وقرى القطر) وهي إنتفاضة جبارة كتبت بدماء الشهداء والجرحى (مئات الشهداء وآلاف الجرحى) لكنّها لم تستكمل عناصر ومستلزمات الثورة أو كما يقول خليل خوري »إنّها مجرّد حراك شعبي لم يستكمل بعد شروط الثورة« باعتبار أنّه لم يحصل تغيير جذري بإبعاد التحالف الطبقي الحاكم (الكمبرادور والإقطاع وشريحة البيروقراطية) عن السلطة. فكل ما حصل هو هروب أو لنقل بوضوح تهريب رأس النظام والبعض من عصابته خارج القطر حيث من المعروف أنّ الطبقة/الطبقات الحاكمة يمكن أن تتخلّى بسهولة عن الأفراد في حالة مدّ ثوري لكنّها لا تتخلّى إلاّ بالعنف الثوري عن السلطة. وكما يقول كارل ماركس في معرض حديثه عن عمليّة تحويل أسلوب الإنتاج الإقطاعي إلى أسلوب إنتاج رأسمالي »العنف هو داية كل مجتمع قديم حامل بمجتمع جديد« (الداية هي القابلة أو المولّدة).
فقد سبق أن كتبنا وقلنا وأكّدنا بأنّ للثورة شرطان إثنان : وجود قيادة ووجود برنامج.
ويكفي القيام بقراءة لمجريات وصيرورة كل الثورات التي حدثت عبر تاريخنا الحديث من الثورة البورجوازية إلى الثورة الاشتركية لنتأكّد بأنّ هناك صراع بين طبقتين متضادّتين (الإقطاع والرأسمالية في الحالة الأولى والطبقة العاملة والرأسمالية في الحالة الثانية) وكل طبقة يعبّر عنها ويمثّلها حزب أو جبهة سياسية (ما سميناه ب »القيادة«).
وتكون أهداف "القيادة" إمّا القضاء على الإقطاع وبالتالي التحرّر من العلاقات الاقطاعيّة وتغييرها بعلاقات إنتاج رأسمالية يكون السوق هو محرّكها الأساسي من أجل تصريف منتوجات المصانع الرأسمالية في حالة الثورة البورجوازية أو القضاء على الاستغلال الطبقي عبر إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ونقل ملكيتها إلى الطبقة العاملة في حالة الثورة الإشتراكية (وهذا ما سميناه البرنامج).
لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك فإنّه ما من ثورة اجتماعية حصلت عبر التاريخ إلاّ وقادها حزب منظّم ومسلّح بنظريّة ثورية ، »فلا ممارسة ثورية دون نظرية ثوريّة« كما يقول لينين. أمّا تنفيذ البرنامج الذي تحدثنا عنه - أي القضاء على سيطرة الطبقة الرأسمالية على وسائل الإنتاج عبر القضاء على الدولة البوليسية - فإنّه مرتبط أيضا باعتماد العنف الثوري كوسيلة لتحقيق ذلك الهدف وليس كغاية في حدّ ذاته باعتبار أنّ الطبقة / الطبقات الحاكمة لن تتنازل بسهولة عن امتلاكها لوسائل الإنتاج وعن امتيازاتها وعن سلطتها بل ستكون أكثر شراسة في الدفاع عن ذلك ولو سال حمّام من الدمّ (أنظر ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن) . لكنّ الطبقة/ الطبقات الحاكمة يمكن ان تقدّم - بتوصيات أو تحت ضغط القوى الإمبريالية التي تتحكّم فيها بعض التنازلات لامتصاص غضب المنتفضين من ناحية ومن اجل قطع الطريق أمام ذلك الحراك الشعبي حتى لا يتحوّل إلى ثورة كلّ ذلك طبعا دون المساس من جوهر السياسات المرتهنة بالدوائر الإمبريالية التي تتحكّم في مصائر الشعوب والامم المضطهدة وهو ما حصل فعلا في تونس ومصر حيث تخلّى رأس النظامين العميلين عن السلطة دون أن تتغيّر تركيبة التحالف الطبقي الحاكم.
فلا وجود لثورة إذا دون »هدم القديم وبناء الجديد« أي دون ظهور علاقات إنتاج جديدة تخدم مصلحة الطبقة العاملة والفلاحين (برنامج ثوري) ولا وجود لثورة دون حزب نوعي قادر على الإطاحة بالنظام القديم والاستيلاء على السلطة عبر العنف الثوري (قيادة ثورية). وهذا يعني بالضرورة أنّ هناك انتقال من نظام اجتماعي إلى نظام اجتماعي آخر وهو ما لم يحصل لا في تونس ولا في مصر.
طبعا نحن هنا لا نلوم شعبنا وطبقاته المضطهدة الذين باغتتهم هذه الإنتفاضة تماما كما باغتت النظام العميل الجاثم على رقاب شعبنا منذ 20 مارس 1956 (هذا التاريخ الذي يقدّمونه لنا على أنّه تاريخ استقلال تونس بينما هو في الحقيقة لم يحصل في ذلك التاريخ إلاّ تغيير لشكل الاستعمار من استعمار مباشر إلى استعمار غير مباشر) خاصّة ونحن نعيش في ظلّ عولمة ليبرالية شرسة تتحكّم الإمبريالية في كلّ آلياتها وقوانينها ومؤسساتها وهي بالتالي في أوج نهبها لخيرات الشعوب و الأمم المضطهدة (وضع يدها على منابع النفط والغاز في العراق وبلدان الخليج وجمهوريات القوقاز إلخ) وفي أوج هجمتها غير المسبوقة على الطبقة العاملة لضرب مكاسبها التي حققتها عبر نضالاتها الطويلة وتضحياتها الجسيمة (التمديد في سن التقاعد ، طرد أكثر من مليوني موظف أمريكي من مساكنهم منذ ظهور أزمة الرهن العقاري سنة 2007 ، طرد عشرات الملايين من العمال في شتى أنحاء العالم بعد اشتداد الأزمة الاقتصادية الحالية والتي قلنا عنها في أحد مقالاتنا السابقة بأنّها أخطر وأكبر من أزمة 1929 ، إلخ) ، لكنّ لومنا موجّه إلى من اختار مقولة »الجمهور عايز كدة« ليعوّض بها مقولة ماركس »إيّاكم والمساومة بالمبادئ إياكم والتنازل النظري«. فهؤلاء المهرولين نحو المجلس التأسيسي المغلّبون »الموقع على الموقف« والباحثون عن بعض المقاعد في مؤسسات الدولة في إطار ما يسمّى ب »التداول السلمي على السلطة« تحت مظلة الإمبريالية ، ساهموا بشكل مباشر في كبح جماح الانتفاضة لكي لا تتحوّل إلى ثورة دون ان ننسى طبعا البيروقراطية النقابية التي لعبت دور طفّاء الحرائق وذلك بالانسحاب من المجلس الوطني لحماية الثورة الذي كان يمثّل الإطار الامثل للدفع بالمسار الثوري نحو الأقصى خاصة بعد طرد القوى الرجعية منه وبالتالي الارتماء في مشروع دولة الاستعمار الجديد (التي قلنا بأنّها لم يتغيّر فيها شيء عدى بعض الوجوه) الذي وقع تجسيده عبر بعث الهيأة العليا للإلتفاف على أهداف الثورة.
كان من المفروض ان تتوحّد القوى الثورية حول برنامج سياسي مرحلي وعملي في جبهة وطنية ديمقراطية تطبيقا لمقولة لينين: »كي ننظر إلى الانتفاضة نظرة ماركسية ، أي كي نعتبرها فناّ ، ينبغي علينا ، في الوقت نفسه ، ألاّ نضيع أي دقيقة ، فننظّم هيئة أركان لفصائل الثوار ونوزّع قوانا ونوجّه الأفواج الأمينة نحو أهمّ النقاط ..«.
لكنّ رفاق الأمس اختاروا مع الأسف هيئة المبزّع/السبسي وليس الهيئة التي اقترحها معلّم البروليتاريا. فما هي المحصلة اليوم ؟ وماهي إنجازات هاته الانتفاضة العظيمة ؟ لا شيء يذكر عدا تحديد موعد عقد المجلس التأسيسي الذي ما زلنا نشكّ حتّى في إمكانية إنجازه في تاريخ 23 أكتوبر بالنظر إلى المخاطر المحدقة بالبلاد من إضرابات البوليس التي لا تكاد تنتهي في جهة إلا لتنطلق في أخرى والصراعات الدموية القبلية والجهوية التي تغذّيها وتقف وراءها قوى الثورة المضادة والفوضى العارمة التي تميّز أعمال ما يسمّى بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.
هكذا إذا تصبح المسألة التي يجب التوقف عندها هي التناقض بين ما أرادت الجماهير المنتفضة والمعتصمة بالقصبة 1 و2 من تحقيقه وما حقّقته بالفعل أي بين الهدف المنشود والمحصلة. فمن المطالبة بإسقاط النظام أصبح الحديث اليوم عن تأسيس جمهورية ثانية هي الجمهورية الديمقراطية أوالاجتماعية أو المدنية أو لست ادري ماذا!!! هكذا.
طبعا هذا الكلام لا يجب أن يفهم على أنّه رفض في المطلق للعمل في البرلمانات الرجعية (فمرشدنا هي الاشتراكية العلمية وملهمنا في هذه المسألة بالذات معلم البروليتاريا فلاديمير إيليتش لينين الذي تحدّث وكتب بإطناب عن دور البرلمانات الرجعية وموقف الثوريين منها وشروط العمل بداخلها) أو يقرأ على أنّه مقاطعة لانتخابات المجلس التاسيسي بل سنكون حاضرين وبفاعلية لدعم كل المترشحين المنتمين إلى الأحزاب والأطراف السياسية الوطنية والديمقراطية وكل نفس تقدّمي يعمل على الحفاظ على بعض المكاسب التي حققها شعبنا طيلة مسيرة طويلة من النضالات والتضحيات والعمل على تطويرها نحو الأفضل. نحن نعتبر بأنّ انتخابات المجلس التأسيسي هي محطّة من المحطّات التي افرزتها الانتفاضة البطلة لشعبنا الكادح ، هي فعلا محطّة مهمّة لكن على القوى الثورية أن لا تعتبرها المحطة الرئيسية التي يجب أن تصبّ فيها كلّ جهودها وتوجّه إليها كلّ قواها وبالتالي تجعلها على رأس جدول أعمالها فذاك منتهى الإصلاحية والانتهازية ولا يمكن إلاّ أن يضلّل الجماهير ويجرّها على طريق مسدود.
نحن فقط نرفض التخلّي عن الشرعيّة الثورية والجري وراء ما يسمّى بالشرعية البرلمانية و»التنافس الديمقراطي« من أجل التداول السلمي على السلطة ، هاته المقولة الليبرالية التي تريد طمس التناقضات التي تشقّ المجتمع. نحن نرفض تمييع الوعي السياسي الثوري للجماهير الشعبية وبالتالي التخلّي عن حركة الصراع الطبقي والنضال الوطني. نحن نرفض الدفاع عن السياسات الإصلاحية التي هي تمرير ممنهج لسياسة الإمبريالية والبورجوازية في صفوف العمال والكادحين في القطر. لكلّ ذلك نحن نعمل وسنواصل العمل من اجل ان تبقى المسالة الوطنية على راس جدول أعمال القوى الثورية من أجل تحرير تونس من الاستعمار والرجعية المحلّية.
لكن مع الاسف الشديد فإنّ ما يحصل اليوم يعتبر نجاحا للمخطّط الذي عملت الإمبريالية على تنفيذه منذ الأيام الأولى لانطلاق الانتفاضة وذلك بتحويل وجهة الصراع من صراع ضدّ الإمبريالية ووكلائها المحليين - أي العمل على حلّ المسألة الوطنية التي تعتبر صامولة الإنتفاضة ورافعتها - إلى صراع كتل وأفراد داخل الطغمة الرجعية الحاكمة من ناحية و/أو صراع بينها وبين الأحزاب المتهافته على تقاسم خبزة القاتو.
منوال تنمية أم اختيارات اقتصاديّة جديدة ؟
بعد أن حدّدنا طبيعة ما حدث في تونس وبيّنا بأنّها انتفاضة وليست بثورة ، نعود الآن إلى عنوان هذا المقال لنجيب عن السؤال الذي طرحناه : هل المطلوب منوال تنمية أم اختيارات اقتصادية جديدة ؟ وطبعا الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بصفة كلّية بما كنا فسرناه آنفا حول طبيعة ما حدث. فمنوال التنمية هو أقصى ما يمكن أن تنجزه الانتفاضة أمّا الاختيارات الاقتصادية الجديدة فهي نتيجة حتمية للثورة التي وكما سبق وأن قلنا تؤدّي بالضرورة إلى التغيير الجذري للأوضاع وقلبها رأسا على عقب.
فحتّى لو انطلقنا من المفهوم اللغوي لكلمة منوال حيث نقول : يسير على منواله أي يتبعه وهو ما يعني لا تغيير مطلقا للاختيارات الاقتصادية. والمتتبّع لأحاديث وكتابات الساسة والاعلاميين ورجال الاقتصاد (كلّهم ليبراليون) الذين يؤثّثون البرامج الإعلامية في التلفزات والإذاعات لا يسمع إلاّ الحديث عن »منوال تنمية« ولا إشارة إطلاقا إلى اختيارات اقتصادية جديدة.
إذَا، أقصى ما يمكن أن يحدث هو بعض الإصلاحات التي لن تخرج عن الإطار العام للاختيارات الاقتصادية والاجتماعية اللاوطنية واللاشعبية المملاة من طرف دوائر النهب الإمبريالي. فكما بيّنا آنفا أنّ النظام الرجعي مرتبط عضويا بالدول الإمبريالية وبالتالي بالاحتكارات العالمية المالية منها والاقتصادية ممّا يجعل شعبنا وطبقاته الكادحة لا يتحكّم في مصيره ويعيش الاستغلال الطبقي والاضطهاد الإمبريالي اللّذان نغّصا حياته على جميع المستويات وتسببا ولا يزالان في بؤسه وشقائه وفقره. فالاقتصاد التونسي مرتبط ومتشابك مع الاقتصاد الإمبريالي المعولم عبر البرامج والاتفاقيات المملاة من طرف الدول والدوائر الإمبريالية (مؤسسات بريتون وودز ، المنظمة العالمية للتجارة ، مجموعة الدول الثمانية ، مؤتمر دافوس....) التي يمكن أن نذكر منها برنامج الإصلاح الهيكلي للإقتصاد (الذي سنتعرّض للمآسي التي سبّبها في الحلقة القادمة) واتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي يهدف إلى تركيز منطقة للتبادل الحر ومناطق التجارة الحرّة.
وما حدث من قبل الحكومة المنصّبة لا يمكن إلاّ أن يؤكّد ما قلناه. فالنظام السياسي والإقتصادي القائم (حكومة المبزع/السبسي) اليوم هو نفسه الذي ساد طيلة حكم دولة الاستعمار الجديد من بورقيبة إلى بن علي (نفس الأشخاص: دساترة ، ينتمون إلى نفس الحزب : التجمّع) وهو الذي تعهّد بتسديد ما يسمّى بديون تونس التي هي ليست سوى شكل من أشكال النهب الإمبريالي حيث تبلغ على سبيل الذكر لا الحصر سنة 2010 مبلغ 3755 مليون دينار بالتمام والكمال وهو ما يمثّل حوالي 22٪ من ميزانية الدولة (أي حوالي ربع الميزانية) وهو نفسه الذي يواصل فتح أبواب القطر على مصراعيها أمام ما يسمّى بالاستثمار الأجنبي الذي وضع يده خاصة على القطاعات الاستراتيجية (الفلاحة: شركات الأحياء والصيد البحري خاصة ، البناء : معامل الإسمنت والمشاريع العقارية الكبرى خاصة ، النقل : المطارات خاصة ، السوق المالية : البنوك خاصة ، إلخ) وهو أيضا نفس النظام الذي يمدّ يديه لمزيد طلب القروض أي مزيد رهن شعبنا بالديون حيث شاهدنا كيف كان السبسي الضيف المبجّل لقمّة الثمانية وحصَلَ على قروض بمئات الملايين من الدولارات من الدول الإمبريالية ولكن ايضا من بقية المؤسسات المالية الإقليمية والعالمية (البنك اللإسلامي ، البنك الإفريقي ، البنك العالمي...) بينما بالمقابل لم يلتزم هذا النظام بأيّ من تعهّداته المتمثلة خاصة في فتح ملفّ البوليس السياسي ومحاسبة المسؤولين عمّا اقترفوه من جرائم في حقّ مناضلين سياسيين وحقوقيين وكذلك الإسراع بمحاكمة كل قتلة شهداء ثورة الحرية والكرامة وأيضا تطهير كافة هياكل الدولة ومؤسّساتها من كلّ المسؤولين السابقين الذين تورّطوا في الفساد والاستبداد في مختلف المجالات (يتبع).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.