منذ أن سقط نظام «المخلوع» حتى بدأت وجوه خلناها انقرضت في الظهور مرة أخرى رغم أن السنين فعلت فعلها في تقاسيم وجوهها وقبلها في أفكارها وأطروحاتها. هذه الوجوه قدمت أنفسها على أنها من التيار البورقيبي ومن أحرار «الدساترة» الذين سطا «المخلوع» وحزبه التجمع على ارثهم السياسي بل ومنهم من تحدث عن مطاردة «المخلوع» له ليضع نفسه على قدم المساواة مع شخصيات وأحزاب رفضت توجهات النظام البائد وقاومته. بادئ ذي بدء نقول لهذه الوجوه أن «المخلوع» لم يسط على حزبكم ليؤسس على انقاضه حزبا جديدا الا لأنه وجد فيه ما يتفق مع طبيعته الديكتاتورية فلم يجشم نفسه عناء تأسيس حزب جديد وبذل جهد تزويقي كبير حتى «يعديها على الشعب»... وهذا يجرنا الى القول بأن التاريخ يحفل بتجاوزات بورقيبة هذا الذي حكم تونس لمدة ثلاثين سنة بصفة فردية فردانية لا مجال فيه لمنازعته الرأي أو حتى لمجرد مخالفته فيه فكان هو الدولة والدولة هو ومؤتمر المنستير للحزب الاشتراكي الدستوري أكبر دليل على تسلط بورقيبة حيث أعلن رئاسته مدى الحياة للبلاد وأقصى كل من اعترض على هذه الفكرة من أبناء حزبه وقبلها لم يأخذ رأي الشعب في قراره ذاك كما أن سجن غار الملح وأقبية وزارة الداخلية و«صباط الظلام» مازالت شاهدة على آثار العنف البورقيبي ضد معارضيه... بورقيبة لم يمارس ديكتاتورية في الحاضر فقط بل مارسها على «الماضي» أيضا حين قصر تاريخ الحركة الوطنية على شخصه فقط وألغى بقية المناضلين دون ان ننسى ما فعله في انتخابات 1981 التي وصفها الشعب آنذاك ب«الحناء» بعد أن دخلت ورقات الانتخاب الى صناديق الاقتراع خضراء وخرجت منه بقدرة «مزور» حمراء كذلك سفك بورقيبة دماء الشعب سنتي 1978 و1984 ولكل بقيادات الاتحاد العام التونسي للشغل وحاربهم بمجموعة «الشرفاء» وأخيرا لم ينس التونسيون ذلك الشعار الذي تردد مرارا «عيد ميلاد وبشهر والشعب ميت بالشر» والذي يعكس اسرافه في الاحتفال بعيد ميلاده 3 أوت من كل سنة... وأخيرا وليس آخرا لو لا تسلط بورقيبة وديكتاتوريته لما برز «المخلوع» على الساحة السياسية في تونس لأن من هيأ له الطريق هي عصابة السوء المحيطة بالزعيم والتي حاصرته كأمراضه العديدة... فلماذا اذن «استبلاه» الشعب مرة أخرى بالقول ان الحزب الاشتراكي الدستوري كان حزبا ديمقراطيا وان البورقيبية خيار من الممكن فرضه على التونسيين من جديد رغم ان «الموتى» من العبث النفخ في صورهم من جديد!! *