سعى العديدون الى حصر الاستبداد والديكتاتورية في عهد المخلوع بن علي فحسب وذلك لغايات وليس لغاية وحيدة في نفس يعقوب في حين ان هاتين الآفتين عانى منهما التونسيون منذ عهد بورقيبة الذي يحاول البعض التخفيف من وطأة استبداده بالقول إنه ديكتاتور مثقف على عكس خلفه ولا أدري أي علاقة بين الديكتاتورية والثقافة حتى يجتمعا في شخص واحد لأنهما نقيضان لا يلتقيان أبدا فالثقافة هي أولا وقبل كل شيء حسن التعامل مع الآخرين واحترام آرائهم مما يعني أنها لقاح فعّال ضد الديكتاتورية.. على كل بورقيبة ورغم «ثقافته» كان ديكتاتورا بامتياز والذاكرة التونسية لم تنس بعد ما فعله باليوسفيين وفظائع «صباط الظلام» ثم ما فعله بأصحاب المحاولة الانقلابية الذين لا يعرف لهم أهلهم قبورا الى حد الآن ثم طالت ديكتاتوريته جماعة آفاق ونالت من الاتحاد العام التونسي للشغل وسعت الى استئصال الحركة الاسلامية.. الى أن رحل غير مأسوف عليه بعد أن أسقطه «المخلوع» بانقلاب أبيض هلل له كل التونسيين وظنوا وبعض الظن خطأ لا يغتفر أنه سيقطع مع عهد الديكتاتورية.. لكن يا فرحة ما تمت حيث سرعان ما انقلب على «انقلابه» وكشف عن وجهه القبيح وأنشب مخالبه في جسد الشعب بكل مكوناته نهشا وتقطيعا.. الا من والاه.. وهنا يندلع سؤال مرّ مرارة ما سقانا إياه بورقيبة وبن علي من قمع وديكتاتورية وهو لماذا انقلب السلف والخلف على ما وعدا به الشعب؟ والجواب يختلف باختلاف العهدين فبالنسبة الى بورقيبة كان السبب هو الغفلة أمام ما خطط له «الزعيم» الذي نال من الشعب صكا على بياض ومنحه ثقة عمياء لصياغة دستور فصّل على مقاسه وكان له فيما بعد مطية سريعة جدا اوصلته الى الديكتاتورية أما «المخلوع» فنال المرافقة العمياء على تفصيل «دستوره» كيفما يشاء بسبب الحسابات الضيقة لبعض الأطراف السياسية التي دخلت في مواجهات فيما بينها غفلت بها عما يدبّر لها جميعا وكانت النتيجة ما عشناه من الهوان والعذاب... والخوف كل الخوف أن يتكرر السيناريو للمرة الثالثة لأنه وإن غابت «الغفلة» أمام تغير العقليات الا ان «الصراعات الجانبية» بدأت تبرز بقوة ورحم الله ابن خلدون حين قال: «التاريخ في ظاهره لا يزيد على الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق» فهل ننظر؟ وهل نحقق؟!