تمثل الأزمة السياسية التي تشهدها مملكة البحرين حاليا الأخطر في تاريخ الجزيرة الخليجية الصغيرة، لكنها لم تكن الاولى، فقد عرفت البحرين عبر تاريخها الطويل صراعات سياسية عنيفة رغم الفترات التي ساد فيها الهدوء والاستقرار، وهو ما يمثل انعكاسات للحراك السياسي الذي تشهده البلاد منذ عقود ورغم شدّة التجاذب السياسي الذي كان يبدو في الخمسينات وحتى السبعينات من القرن الماضي سمة البحرين وميزتها عن غيرها من دول الخليج، إلا أنه لم يصل في أي مرحلة الى تهديد كيان الدولة أو زعزعة السلطة بشكل خطير سوى في عام 1981 الذي شهد محاولة لتقويض النظام عبر هجوم مسلّح أمكن احباطه. حراك سياسي فقبل ثلاثين عاما حاولت مجموعة من المعارضين ومن بينهم شاب من خارج البحرين (خليجيون) القيام بمحاولة للهجوم على مراكز الحكومة لاسقاطها، وقادت العملية الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين وجرى الكشف عنها وتقويضها. وقبل هذه المحاولة مثّل حل المجلس الوطني وتعليق العمل بالدستور عام 1975 أبرز مراحل الصراع السياسي في البحرين، والذي ألقى بظلاله على مجمل العمل السياسي الذي لحقه حتى اليوم، حيث سعت الحكومة احتواء الحركات العمالية سريعة النمو في البحرين وأصدرت عام 1979 قرارات بتشكيل اللجنة العمالية الدائمة ثم اللجنة العامة لعمال البحرين عام 1983. وكان البحرينيون قد اقترعوا ممثليهم في المجلس الوطني في أول تجربة برلمانية عرفتها البحرين عام 1974، وشهدت البلاد انذاك التكتلات، ومن بينها «كتلة الشعب» التي شجّعت قيام النقابات العمالية وتم تأسيس أربع نقابات، لكن هذه التجربة خضعت لامتحان شديد أدخل البلاد في أزمة طويلة، حيث تم حل المجلس الوطني عام 1975 وتم الاعلان عن تطبيق قانون أمن الدولة، وشهدت البحرين آنذاك صراعا شديدا بين القوى السياسية والحكومة أدّى الى دخول العشرات من أعضاء هذه الجماعات الى السجن أو اختيارهم المنافي. وحتى ذلك الحين لم تكن التجاذبات السياسية ذات طابع طائفي رغم أن الأكثرية الشيعية (نحو 70٪ من سكان البلاد) لا تكاد تحظى بأي امتياز من حيث ممارسة السلطة ، لكن مع قيام الثورة الايرانية عام 1979 بدأت تظهر أصوات منادية باسقاط الملكية واستبدالها بجمهورية اسلامية ولا يخفى دور ايران في هذا الباب. وتعتبر جمعية «الوفاق» التي تأسست في نوفمبر 2001 العمود الفقري للجماعات السياسية الدينية (الشيعية) وهي تحتكر تقريبا كل التمثيل المعارض داخل البرلمان البحريني ويرأسها الشيخ علي سلمان، وقد تشكّلت بعد اعلان قانون الجمعيات السياسية الجديد وعقب الموافقة على الميثاق الوطني. وتبدو جمعية «الوفاق» اليوم في طليعة القوى المعارضة المحرّضة على الاعتصامات التي تجري في البحرين منادية بالقيام باصلاحات سياسية. صراعات دولية وإقليمية والتاريخ السياسي للبحرين رغم صغر حجمها كان حافلا بالاحداث السياسية، فالجزيرة التي لا تزيد مساحتها عن 750 كيلومتر مربع شهدت خلال تاريخها القديم والحديث صراعات دولية وإقليمية، ولم تمارس البحرين سيادتها حتى أوت 1971، ومرّت التجربة السياسية والنقابية والعمالية في البحرين بتطوّرات كبيرة واستفادت من التجاذب السياسي دوليا واقليميا ومن بواكير حركة التعليم (1919). وفي الخمسينات من القرن الماضي تأسست حركات عمالية من بينها هيئة الاتحاد الوطني التي قادت مطالب العمال وأسست اتحادا انضم الى عضويته 15 ألف عامل آنذاك، وقادت سلسلة من الاحتجاجات والاضرابات العمالية والشعبية كانت تهدف الى الضغط على حكومة الانتداب البريطاني للتوصل الى قانون للعمل ينص على حريّة تشكيل النقابات والاتحادات المهنية. وأدّى قمع الحركة العمالية عام 1957 وتجميد العمل النقابي الى اندلاع ما سمي الانتفاضة العمالية عام 1965 حين قامت شركة «نفط البحرين» بطرد 1500 عامل واستمرت الاضرابات بشكل منقطع حتى وصلت ذروتها عام 1968، ولم تخفت الا حين أعلنت بريطانيا انسحابها المرتقب من المنطقة مما ساهم في دعم الهدوء ولو لبعض الوقت. وما تشهده البحرين اليوم ليس منفصلا عن هذا الحراك الذي عرفته على امتداد العقود الماضية، ولكن خصوصية الأزمة المالية تكمن في تغيّر واقع المنطقة وفي التدخل الاجنبي (الخليجي) عبر ارسال قوات «درع الجزيرة» ل «فرض النظام» أي لفك الاعتصام وانهاء حالة الاحتجاجات التي جرّت البلد الى أزمة هي ربما الاسوأ في تاريخها الحديث.