نظمت جمعية قدماء معهد نهج الباشا يوم أول أمس الجمعة بالمكتبة الوطنية، ندوة تحت عنوان «تونس نحو الجمهورية الثانية» وقد حضر في هذه الندوة العديد من الاعلاميين والاساتذة الجامعيين في مجالات مختلفة، وقد افتتحت السيدة نائلة بن ناجي جبيرة رئيسة الجمعية هذه الندوة بترحيبها بالضيوف والحضور. وفي هذا الاطار تطرّقت الاستاذة الجامعية ليلى تميع بليلي في مداخلتها حول تاريخ الثورات بتونس الى علاقة الحاكم برعاياه عبر التاريخ وما كانت توصف به هذه العلاقة من سلطة لطالما أن الغرب يطلق على هذه السلطة بالأبوية ولا يمكن أن يثور الشعب عليها الا أن هذه الثورات التي مرت بتاريخ تونس أثبتت عكس هذا وتألبت على الأنظمة السلطوية، «فالشعب يجب أن يثور ضد الدكتاتورية كما يجب ان يقول كلمته». المشهد السياسي الحالي ضبابي وفي السياق ذاته وتحديدا حول المجلس التأسيسي 1956 1959 كانت مداخلة الاستاذة الجامعية نورة البرصالي، التي حاولت فيها المقارنة بين المجلس التأسيسي آنذاك والحالي، مؤكّدة أن الوضع مختلف تماما، والاختلاف يكمن في الوضوح النسبي للمشهد السياسي انذاك، من خلال وجود حزب (الحزب الدستوري) ذو قوّة سياسية وقاعدة شعبية كبيرة، مقارنة بالوضع الحالي الذي يشهد تشتتا في القوى السياسية وضبابية في المشهد السياسي، ورغم «الوضوح النسبي» على حد قولها الا أن هناك بعض التحفظات على الانتخابات آنذاك فقد تم الحد من عمومية الاقتراع مع سحب أي شكل لمعارضة الحزب الدستوري، اضافة الى أن حضور الاحزاب كان خجولا، وقد أشارت الاستاذة نورة الى التخوفات من انتخاب المجلس التأسيسي وذلك بسبب عدم شفافية المشهد السياسي، مؤكدة على ضرورة تفادي هذا النوع من الانتخابات فالحل يكمن حسب رأيها في صياغة عقد سياسي أو وطني أو جمهوري وطني من أهم مبادئه احترام حقوق الانسان والفصل بين السلط، مشيرة الى دور المجلس التأسيسي في البناء والاصلاح الجذري والتجديد السياسي، كما شدّدت على ضرورة تعود التونسيين على انتخاب الأفكار والآراء وليس الاشخاص وضرورة مشاركة كل شخص في هذا الانتقال الديمقراطي الذي نطمح اليه جميعا، وتحمل المسؤولية، مضيفة «لا نريد أن تكون الديمقراطية للاغلبية بل نريدها احتراما للأقلية». العلمانية في تونس وفي اطار الحديث اليوم عن العلمانية وامكانية تطبيقها في تونس أكّد الدكتور عبد المجيد الشرفي ان الصدام بين الدولة والدين موجود دائما على مرور التاريخ فوظيفة الدين الاجتماعية في تنظيم المجتمع تزاحم الدولة كما أن القوانين الدينية لا تعترف بالحدود. وبتطرقه الى الفئة الرافضة لوصل الدين بالدولة، أكد السيد عبد المجيد الشرفي أن المجتمع الذي يخضع الى المواصفات الحديثة، والقيم التي يفرزها هي أساس الاعتراض على فكرة ارتباط الدين بالدولة، مؤكدا ان المجتمعات مختلفة في هذا الشأن والذي يحدد العلاقة بينها هو مدى الاحتكام الى القانون الوضعي. كما أضاف في هذا الشأن أن العلمانية هي ايديولوجية تهدف الى تقليص تأثير الرموز الدينية في كل مظاهر الحياة بينما اللائكية همها بالأساس هو الدولة فقط. وعن الواقع الذي نعيشه حاليا (المرحلة الانتقالية) ومدى وعي المواطن بهذه الفترة الحساسة، أكّد السيد الشرفي عدم وجود دراسات سوسيولوجية علمية ندرك بها موازين القوى السياسية في الفترة الحالية. ثم ان من أهم مكاسب هذه الثورة الحرية وحرية البحث في واقع المجتمع التونسي، «وقد لاحظنا مؤخرا رفع العديد من الشعارات المنادية بالعلمانية والأخرى المنددة بها، إلا أن الكثيرين من بعض التيارات الدينية في الواقع هو معلمنون، لا يهتمون بالدين بقدر ما يهتمون بأشياء دنيوية بحتة كالسلطة» في هذا السياق أكد الدكتور عبد المجيد الشرفي «أننا لا نستطيع الحديث عن الواقع الا في الاطار العام»، «فلماذا ننساق الى الصراعات التي لا تجدي؟». العلمانية مناسبة أم لا في تونس «أفضل النقاش في أمور أساسية على غرار المساواة بين المرأة والرجل وما هي الحدود الدينية لهذه الحقوق» يعني معرفة القضايا المطروحة لا أن نرفع الشعارات فحسب. يجب أن يكون القضاء مستقلا «القضاء نضال واجتهاد ومسؤولية تجاه الناس والخالق» و«القضاء عدل أو لا يكون» بهذه الكلمات استهلت القاضية رفيعة بن عزالدين مداخلتها حول استقلالية القضاء وضمان دوره في تحقيق العدالة والحريات العامة دون اعتبار الاشخاص أو المصالح لإعلاء كلمة الحق، وقد تطرقت القاضية رفيعة الى معاناة القضاة من القمع والتعليمات المسقطة، مؤكدة أنه آن الأوان وبعد هذه الثورة المباركة أن نطالب باستقلال القضاء الذي طالما كان منوطا بعهدة السلطة التنفيذية، وبإعادة اعتباره كسلطة قائمة بذاتها وغير مسيرة من أي طرف كان، وقد أشارت السيدة رفيعة الى ضرورة تكريس مبدإ انتخاب أعضاء المجلس الاعلى للقضاء، عوض تعيينهم من طرف وزارة العدل ليكون بذلك القضاء حرا ومستقلا ومسؤولا ويكون العدل الضوء الذي يستنير به القضاء في تونس. حرية الاعلام باعتباره السلطة الرابعة، لم يشفع له من جور النظام السابق فلم يكن الاعلام أحسن حالا من القضاء أو أي سلطة أخرى، ولم يكن قبل الثورة سوى اعلام ناطق بمجلة الصحافة «فالعلة في القانون ونظام الحكم وليس في الصحفيين» هذا ما أكّدته الاعلامية فاطمة بن عبد ا& الكراي إثر مداخلتها حول حرية الاعلام واستقلاله معللة قولها ان قانون الصحافة في تونس هو أشد زجرا من القانون الذي كان سائدا في الشيلي في عهد بينوشي، وإن هذا القانون يعتبر اعتداء على العقل وانتهاكا لحق حرية التعبير. وقد أكّدت السيدة فاطمة أن الاعلام بحاجة الى المصداقية والمهنية والاصطفاف الى جانب الثورة، الثورة التي قطعت مع كل محظور للتحرر والانعتاق، وأن الاعلام «واقع حال وليس شعارات يتغنى بها» كما أشارت الى أن المشهد الاعلامي متداخل ويجب على مكونات المجتمع المدني أن تساند الاعلام كي يكون هناك تواصل فالمجتمع يجب ان يكون ممثلا في جميع وسائل الاعلام ليبلغ صوته لأن «سلطة الاعلام هي سلطة الشعب يتحمل مسؤوليتها الطرفان» وبهذه المكانة أو بالأحرى السلطة التي يمتلكها الاعلام (بصناعة الرأي العام) طالبت الاعلامية فاطمة الكراي بتضمين الدستور الجديد فصلا يهتم بالصحافة واعتباره سلطة، عندها نضمن حق التونسي في اعلام حر ونزيه، يكون مستقلا وغير ممول من أطراف معينة، والاستقلال ليس للصحفي فقط بل للمؤسسة أيضا.