ماذا في لقاء وزير الخارجية بعدد من الكفاءات التونسية بالسينغال؟    لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية "الوثائق السرية"    كوريا الشمالية: وفاة "مهندس تقديس الأسرة الحاكمة"    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    البنك المركزي: ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 8 بالمائة موفى شهر افريل 2024    مدنين: الجهة قادرة على توفير حاجياتها من أضاحي العيد وتزويد جهات أخرى (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة)    البرلمان يصادق على تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف والترفيه لتشمل خدماتها فئات جديدة من الأطفال ذوي الهشاشة    جراد: الخونة والعملاء الذين تٱمروا على أمن الدولة يريدون استغلال ملف الهجرة لإسقاط قيس سعيد    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    الجزائري مصطفى غربال حكما لمباراة الترجي الرياضي والاهلي المصري    المرحلة التاهيلية لكاس الرابطة الافريقية لكرة السلة: الاتحاد المنستيري ينقاد الى خسارته الثالثة    دورتموند يفوزعلى باريس سان جيرمان ويصل لنهائي أبطال أوروبا    وزارة التربية تقرر تنظيم حركة استثنائية لتسديد شغورات إدارة المدارس الابتدائية بمقاييس تضمن الانصاف    أمطار أحيانا غزيرة بالمناطق الغربية وتصل الى 60 مم خاصة بالكاف وسليانة والقصرين بداية من بعد ظهر الثلاثاء    لإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه وبحوزته مخدرات    سيدي حسين: القبض على منفذ عملية براكاج لمحل بيع الفواكه الجافة    فرقة "مالوف تونس في باريس" تقدم سهرة موسيقية مساء يوم 11 ماي في "سان جرمان"    وفاة المذيع والكاتب برنارد بيفو عن عمر يناهز 89 عاما    وزير السياحة: اهتمام حكومي لدفع الاستثمار في قطاع الصناعات التقليدية وتذليل كل الصعوبات التي يواجهها العاملون به    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    الخارجية المصرية.. لا يمكن أن تستمر الانتهاكات الإسرائيلية دون محاسبة    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    باجة .. سفيرة كندا تبحث امكانيات الاستثمار والشراكة    اتحاد تطاوين.. سامي القفصي يعلن انسحابه من تدريب الفريق    الليلة في أبطال أوروبا ... هل يكسر بايرن مونيخ شفرة ملعب ريال مدريد؟    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    عاجل/ طلب عروض لإيواء مهاجرين بنزل: بطاقة ايداع ضد رئيس جمعية ونائبه    بنزرت: تنفيذ 12 قرار هدم وإزالة لمظاهر التحوّز بالملك العمومي البحري    ولاية رئاسية ''خامسة'' : بوتين يؤدي اليمين الدستورية    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    المتلوي: حجز 51 قطعة زطلة بحوزة شخص محل 06 مناشير تفتيش    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    قريبا: وحدة لصناعة قوالب ''الفصّة'' في الحامة    ليبيا تتجاوز تونس في تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا في 2023    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    عرض الكرة الذهبية لمارادونا في كأس العالم 1986 للبيع في مزاد    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    تونس تسيطر على التداين.. احتياطي النقد يغطي سداد القروض بأكثر من ثلاثة اضعاف    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    أولا وأخيرا .. دود الأرض    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب والإعلامي الهاشمي الطرودي ل «الشروق»: تمنّيت انهزام «التجمّع» في انتخابات حرّة وشفّافة
نشر في الشروق يوم 01 - 04 - 2011

رجل إعلام وصاحب رأي سياسي واضح ينتصر لحرية التعبير والعقلانية والتحليل والتعليق الذي يضمن الاضافة لأجل تنمية الحياة السياسية.
ناضل دون هوادة وبلا كلل من أجل كسب حلم الحرية والانعتاق منذ أكثر من 4 عقود انطلاقا من جريدة «الرأي» مطلع الثمانينات ومرورا ب«المغرب العربي» لصاحبها الاعلامي عمر صحابو ووصولا بعديد الصحف أحزاب المعارضة الأخرى قبل أن يعمل النظام البائد على تكميمها وخنق نفس الحرية التي رفعته شعارا لها.
الهاشمي الطرودي الذي يحمل على كاهله تجربة إعلامية وسياسية متفردة التقته «الشروق» في حوار أثار فيه العديد من هواجسه السياسية بدرجة أولى.
٭ كيف يبدو لك الوضع في تونس اليوم تحت إرادة حكومة وقتية ثالثة بقيادة السيد الباجي قايد السبسي؟
لو حاولنا تقييم هذه الفترة بعد مرور ما يقارب عن الشهر من تعيين السيد الباجي قايد السبسي وزيرا أول يمكننا القول إن هذه الحكومة قد نجحت في إعادة نوع من الثقة بين الرأي العام وجل النخب السياسية والثقافية والحكومة ويعزى ذلك إلى ثلاثة أسباب.
أولهما أن الحكومة المؤقتة الثالثة منحت الأولوية للسياسي عبر وضع خارطة طريق واضحة المراحل التي تستمر بها البلاد إلى إن يأتي الموعد الذي سيستعيد فيه الشعب التونسي سيادته ويشرع في بناء مجتمع الكرامة والحرية والعدل الذي حلم به الثائرون إذ تمت الاستجابة لمطلب أساسي وهو انتخاب مجلس تأسيسي ووضع دستور للبلاد يقوم على احترام الحريات العامة والفردية ويكرس قيم الجمهورية والمواطنة ويجسّم بصفة فعلية مبدأ التوازن بين السلطات واحترام الحريات الفردية والعامة.
ثانيهما: أن الحكومة الجديدة قد عبرت منذ البداية عن انحيازها للثورة كما أعربت عن تعهدها بالعمل على تحقيق أهدافها إذ قال الوزير الأول في أول مؤتمر صحفي يعقده بعد توليه الوزارة ما معناه «إنني سأسعى جهدي لأحافظ على ثقة معتصمي القصبة الذين فكوا اعتصامهم طوعا بعد الاستماع إلى كلمتي».
من جهة أخرى تحققت في هذا الظرف حزمة من المنجزات والمطالب التي رفعتها الثورة وفي مقدمتها حلّ البوليس السياسي وإدارة أمن الدولة مما يعنيه ذلك من إعادة هيكلة الأمن على أساس احترام المواطنة وحقوق الانسان وعلوية القانون كما أصدر القضاء قرارا بحلّ الحزب الحاكم وهذا كان مطلبا شعبيا وفي الحقيقة إنني شخصيا كنت آمل أن ينهزم التجمّع الدستوري الديمقراطي في انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة لكن مع الأسف فالتجمع ارتكب من الجرائم في حق الشعب التونسي ما دفع إلى التعجيل بحلّه وجعل هذه الأمنية غير ممكنة التحقيق.
ثالثهما القطع مع أساليب الحكومة المؤقتة السابقة وذلك باعتماد الوضوح والشفافية في اتخاذ القرارات والاسراع بالعمل على تفكيك آليات العمل السابقة وقد لاحظنا تقدما في هذا المجال.
٭ هذا التهليل بإيجابيات حكومة السيد الباجي قايد السبسي لا يمنع من وجود سلبيات؟
بالفعل.. ما سبقت الإشارة إليه لا يمنع من التأكيد على بعض الممارسات التي لا تشهد بهذا التعهد والتي أثارت كثيرا من اللغط والجدل ولا تزال في دوائر النخب السياسية والثقافية وفي أوساط الرأي العام ويمكن أن نجملها في ما يلي:
أولا: الاحتجاجات حول تركيبة «مجلس الدفاع عن أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي» وقد رأت جلّ الفعاليات السياسية ومكوّنات المجتمع المدني أن هذه التركيبة لا تعبّر عن روح الثورة ولا تمثل الشباب والجهات التي انطلقت منها شرارة الثورة كما تفتقر للتوازن بين مختلف ألوان الطيف السياسي وقد كتبت في هذا الموضوع رسالة مفتوحة إلى السيد الوزير الأول نشرت بجريدة «الشروق» الأسبوع الماضي.. وتم أو بصدد الاتمام إعادة النظر في تركيبة المجلس ليكون أكثر توازنا وتمثيلية.
ثانيا: الغموض الذي لا يزال يلفّ المتابعة القضائية للرئيس الأسبق وعائلته ولكل من ثبت تورطهم في الفساد المالي والسياسي حيث يلاحظ الرأي العام بكثير من الحيرة أن الحكومة ليست بالحزم الكافي للإسراع لمعالجة هذا الملف وبالعمل الحازم لكي ترصد هذه الأموال لمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.
وأكثر من هذا أن البعض وهم على حق يتوجسون خيبة من الأصوات الداعية إلى التسامح والمصالحة قبل أن يتبين الحق من الباطل إذ تعتبر مثل هذه الدعوات «أي عفا اللّه عما سلف» دعوات مشبوهة فيها نيل من إرادة الشعب ومن حرمة الثورة.
ثالثا: الكيفية التي عزل بها وزير الداخلية حيث أثار هذا الحدث كثيرا من اللغط ومن واجب الحكومة أن توضح أسباب الإقالة فالرجل قد أحرز شعبية كبيرة لدى الرأي العام حيث اتسمت تصريحاته في المنابر التلفزية والصحافة بكثير من الشفافية والوضوح حيث دخل عقول الناس وقلوبهم وهذا أمر غير معتاد بالنسبة إلى وزير الداخلية الذي يتسم عادة بالتحفظ والشدة كما أن البلاغ الذي أعلن عن الإقالة ينتسب في الواقع إلى العهد السابق حيث لم يذكر اسم الوزير المقال فقد كان من الأولى أن تعتمد وسائل جديدة للتواصل مع الرأي العام تتلاءم مع روح المرحلة الجديدة.
قد يكون للوزير الأول دون شك الأسباب والاعتبارات التي دفعته لاتخاذ هذا القرار ربما من جملتها البحث عن الحرفية والمهنية وربما الحزم الذي يقتضيه ما يشهده الوضع الأمني من انفلات رغم التحسّن الذي بدأ مؤخرا لكن الرأي العام كان يتطلع لأن تكشف له هذه الأسباب والاعتبارات.
رابعا: الجدل المتواصل حول لجنتي تقصي الحقائق ومقاومة الفساد والرشوة فالرأي العام والقضاء وكثير من أهل الاختصاص يرون أنه لا مبرّر لهاتين اللجنتين وأن تكليفها بهذه المهمات تدخل في شأن القضاء ونيل من سلطته ولذا كان من المأمول من الحكومة الجديدة أن تضع حدّا لهذا الجدل بحلّ اللجنتين وتكليف القضاء بهذه المهمة وبذلك يتم دفع الشبهات والطعون التي تذهب لأن الهدف من هذه اللجان هو تمييع القضية.
٭ أشرت في خانة تعداد سلبيات الحكومة الوقتية الحالية إلى وجود دعوات وصفتها بالمشبوهة للتسامح والمصالحة وسؤالي حول موقفك من هذه الدعوات.. وهل تنادي بضرورة التصدّي لها بكل قوة؟
أنا مبدئيا مع التسامح والمصالحة بعد إعطاء كل ذي حق حقه، ويجب هنا التفريق بين «عصابة المفسدين» الذين لا يمكن التسامح معهم وكبار المسؤولين الذين تواطؤوا معهم واشتغلوا في خدمة هذه العائلة مسخرين أجهزة الدولة ومواردها لصالح هؤلاء المفسدين مقابل مصالح وامتيازات وشراكة في الاعتداء على الشعب التونسي وبين الأجهزة الادارية التي لم يكن في مقدورها عصيان أوامر العائلة والمتنفذين في الحكم (مدير وإدارات.. مدير وبنوك).
وأنا شخصيا مع العمل الحثيث لأجل استعادة أموال الشعب مع التسامح في العقوبات البدنية، فكل من يبدي التوبة ويعيد الأموال إلى أهلها يمكن العفو عنه من قبل رئيس الدولة المؤقت.
٭ من منظورك الخاص كيف يتم الوصول إلى المجلس التأسيسي؟
إذا تم تجاوز الاشكاليات التي أثيرت حول تركيبة مجلس الدفاع عن أهداف الثورة فإن مهمات الهيئة العليا والمجلس ستركّز أساسا على النظر في مشروع القانون الانتخابي وفي توفير الظروف لاجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة.
والمهمتان المشار إليهما سيتوقف على النجاح فيهما النجاح في انتخاب مجلس تأسيسي يعكس بأمانة إرادة الشعب التونسي في ما يخصّ مشروع القانون الانتخابي هناك جدل حول العديد من المسائل من أهمها نظام الاقتراع فهناك من يميل إلى نظام التصويت الفردي وهناك من يحبّذ نظام القائمات ولا جدل أن لكل نظام محاسنه وعيوبه وربما يتطلب هذا الاشكال إجراء استفتاء أو شيء من هذا القبيل.
وفي ما يتعلق بتوفير شروط اجراء انتخابات نظيفة هناك جدل حول اسناد الاشراف على هذه المهمة إلى لجنة وطنية مستقلة أو طلب رقابة دولية لهذه اللجنة.
٭ تجاذبان يؤثثان هذه الأيام الحراك السياسي بين نداء إلى نظام رئايسي مع إدخال تغييرات فيه يقابله انتصار لنظام برلماني.. ما هو تعليقك؟
في الحقيقة يبدو أن غالبية الفعاليات السياسية ومكوّنات المجتمع المدني تحبّذ النظام البرلماني بناء على التجربة المريرة التي عاشوها تحت النظام الرئاسي والذي انقلب بفعل التنقيحات إلى نظام مطلق أو شبه مطلق إلا أن غياب التجربة السياسية وهشاشة التقاليد الديمقراطية في بلدنا أو في البلدان المشابهة التي عاشت سنوات من التصحّر الثقافي ومن تقييد الحريات والتي ترسخت في بنيتها الثقافية والاجتماعية ثقافة الحزب الواحد وعدم التدرب والتسامح مع الرأي المخالف إلى جانب تأثير الموروث الثقافي المنحدر من طبيعة التشكيلة الاجتماعية «بقايا العروشية.. القبيلة.. الجهويات.. تواصل الخلط بين الديني والسياسي» تتظافر هذه العوامل في مجموعها لتجعل من النظام البرلماني الخالص ربّما ضربا من المغامرة.
قد تؤدي تجربة النظام البرلماني في ظلّ هذه المعطيات إلى عدم استقرار الحكم أو إلى تحالفات مشبوهة تقودها اعتبارات ايديولوجية أو سياسية أو جهوية على حساب النظرة الواقعية العقلية البراغماتية ولمنطق الحلول الوسطى الذي تقوم عليه عادة التحالفات في الأنظمة البرلمانية العريقة.
٭ من هذا المنطلق لأي النظامين تنتصر؟
إن مجمل التحفظات السابقة على النظام البرلماني والتي تنبع من حقائق الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي ببلادنا والبلدان الشبيهة تجعلني أميل إلى نظام يجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي كالنظام الفرنسي أو إلى نظام رئاسي حقيقي على غرار النظام الأمريكي يقوم على توزيع دقيق للسلطات بين الكونغرس والرئيس. فالسلطة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية تحت اشراف الكونغرس الذي في استطاعته التأثير على سياسات الرئيس رغم ما يتمتع به من صلاحيات واسعة وهذا ما يجعل منطق الحلول الوسطى متجسدا أيضا بشكل غير مباشر في هذا النظام.
٭ جدل وتباين في المواقف.. هل نحن في تونس مع الدعوة إلى علمانية أو علمانيات؟
في الحقيقة إن الدستور التونسي في عام 1959 قد أوجد صيغة لتجاوز هذا الجدل في بلد عربي إسلامي بل يمكن القول إنه تفرد بهذه الصيغة عن عدد من دساتير البلدان العربية والإسلامية الأخرى، فالجدل الذي شهده المجلس التأسيسي حول قضية الهوية وطبيعة الدولة والذي انتهى إلى الاجماع حول الصيغة التي أتى بها الفصل الأول من الدستور قد نجح في إضفاء صبغة علمانية على الدولة دون التنكر للهوية الدينية والثقافية للشعب التونسي ويبدو ذلك في رفض الصيغة التي طالب بها بعض أعضاء المجلس وهي تونس دولة عربية إسلامية لما فيه من إيحاء بالدولة الدينية يضاف إلى ذلك أن الدستور لم ينص كما هو الشأن بأن الشريعة هي المصدر الأول للتشريع وإلى جانب التنصيص في فصل موال على حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية دون الاخلال بالقانون ومن هذه الزاوية يمكن القول إن المجلس التأسيسي السابق قد نجح في تجاوز هذه العقبة فلماذا إثارتها مجددا؟
٭ ما شدّ الانتباه ما اصطلح على تسميته ب«الانفجار» الحزبي والمقصود هنا الكم الهائل من الأحزاب التي أعلنت عن وجودها.. وسؤالي هل تونس لها القدرة على استيعاب هذا «الانفجار» الحزبي إن صحّ التعبير؟
أعتقد أن هذا «الانفجار» أمر طبيعي بل هو ظاهرة صحية.
فبعد سنوات من الكبت والقمع وغسل العقول وتجريد المواطن التونسي من حقوق المواطنة وفي مقدمتها حرية التفكير والتعبير والتنظيم والرأي والتظاهر السلمي إلى جانب النيل من الحقوق الفردية.
بعد كل هذا من الطبيعي أن ينفجر الناس وأن يسعى كلهم إلى ممارسة حقوق المواطنة بل لاعتبار نفسه «أمة بذاته» وهذا حصل في العديد من البلدان التي عاشت تحت وطأة الأنظمة الشمولية التي صادرت ليس حريات الانسان فحسب وإنما صادرت انسانيته وسعت إلى العودة به إلى مرحلة الحيوانية «كول واشرب وسكّر فمك».
لكن حقائق الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي ستغربل هذا الكم الهائل من الأحزاب والتنظيمات. وأعتقد أنه لا خشية من هذه الكثرة في الأحزاب فالخارطة السياسية والعائلات الفكرية ستتضح معالمها شيئا فشيئا.. وفي تقديري أن هذه الخارطة ستقتصر في السنوات المقبلة على أحزاب كبرى تمثل العائلات الفكرية والسياسية الرئيسية التي تشق المشهد الايديولوجي والثقافي والسياسي ببلادنا والبلدان الشبيهة إذ سيوزع النشطاء السياسيون والجماهير بين التيارات التالية:
التيار الليبرالي بكل تضاريسه وأطيافه والتيار الاسلامي والتيار القومي والتيار اليساري وستكون قوّة أي تيار في معطيات الواقع الوطني وواقع العولمة وهنا في نهاية المطاف ليس بمرجعياته الايديولوجية وإنما ببرامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو بالأحرى بمدى قدرته على تلبية احتياجات غالبية المجتمع المادية والمعنوية لاعتقادي أن عصر الايديولوجيات قد ولّى وحتى الأحزاب التي تبدو قوية بإيديولوجيتها فلن تكون قوتها إلا آنية إذا لم تقدر على التكيّف مع حقائق الواقع ومتطلباته فعصرنا أحببنا أم كرهنا عصر ستتغلب فيه الواقعية والعقلانية والبرغماتية سواء في التعاطي مع حقائق الواقع الوطني أو مع حقائق الواقع الدولي.
٭ الثورات الشعبية اكتسحت عديد الدول العربية.. كيف تقرأ هذا الأمر انطلاقا من ثورة 14 جانفي في تونس؟
في الواقع إن لكل ثورة ظروفها وخصائصها فالثورة التونسية اختزنت عذابات المجتمع التونسي لعدة عقود وعبرت عن طموحاته إلى الكرامة والحرية والتقدم الاجتماعي والرخاء الاقتصادي قد عبّرت عن مطامح فئات المجتمع وجهات البلاد من عمال ومثقفين وفلاحين ورجال صناعة من شبان وكهول وشيوخ لأن الجميع اكتوى بنار الدكتاتورية وبحكم البوليس وتتمثل خصوصية هذه الثورة في أن نظام بن علي والأنظمة المشابهة له في البلدان العربية قامت على 4 دعائم:
سلطة المال وأجهزة البوليس السياسي و«مكينة» دعائية هائلة وتبعية مطلقة للخارج وبهذه المكونات تمكنت هذه الأنظمة وهي متشابهة: بن علي والقذافي ومبارك وعلي عبد اللّه صالح وسخرت هذه الآليات الامكانات لتصحير الحياة السياسية والثقافية من والفكرية لإعادة انتاج نفسها ولقطع أي امكانية للتداول الحضاري على السلطة.
ولهذه الأسباب لم تتمكن النخب السياسية والثقافية من أن تغيّر هذه الأنظمة بالوسائل التقليدية أي النضال السياسي السلمي حتى الجماعات المسلحة عجزت عن ذلك وهنا تحديدا تكمن خصوصية الثورة التونسية والثورات الأخرى التي تبعتها واهتدت بها الخصوصية التي سيحدد معالمها الفكر السياسي مستقبلا هي أنه لا سبيل لتغيير هذه الأنظمة إلا بانفجارات شعبية عفوية غير مؤطرة ليس لها تنظيم قائد ولا زعيم سياسي واحد بحيث هذا الجنس من الثورات هو البديل لهذا الجنس من الأنظمة وهذه الاشكالية التي واجهتها هذه الثورات بعد انتصارها الأول فهي لم تستطع القضاء على الأنظمة القائمة لأنها تفتقر للقيادات والامكانات المادية والتنظيمية والقيادية التي تمكنها من تغيير النظام تغييرا جذريا «قطعت رؤوس الأنظمة وبقيت عروقها» وهنا يأتي دور النخب السياسية والثقافية التي ساندت الثورة أو لحقت بها أو حاولت ركوب موجتها فهذه الثورات تختلف عن الثورات الكلاسيكية وجه الاختلاف أن برنامجها تبلور أثناء مسار الثورة وكذلك الشأن لبعض قيادييها وأطرها التنظيمية لكن هذا لا يسمح لها بالهيمنة على الساحة السياسية ولهذا أجبرت على التعاطي مع الأنظمة القائمة لتجاوز هذه المرحلة الانتقالية ولتمكين الثورة من الوصول إلى أهدافها الكبرى وهنا الاشكال الآخر وهو توزع الساحة السياسية والثقافية بين قوتين: القوى الثورية والمنحازين لها والذين يسعون إلى تحقيق قطيعة جذرية مع النظام القديم وبناء نظام ديمقراطي عادل وبين القوى التي تشدّ إلى الوراء وتسعى إلى تغيير شكلي لا يغيّر الطبيعة الحقيقية للنظام ولا ينال من مصالح القوى الاجتماعية المستفيدة من النظام السابق نحن إذن أمام تصورين تصوّر يرى الاستمراراية في إطار التغيير وتصور يرى التغيير في إطار الاستمرارية ونجاح الثورة أو اجهاضها سيتوقف على مدى وضع موازين القوى بين هذين الطرفين ورغم اختلاف الأوضاع فإن ما يجري في البلدان العربية من ثورات يخضع لنفس التصورات رغم اختلاف المعطيات بين بلد وآخر دون تبجح يمكن أن نفتخر بأن بلدنا كانت لها الريادة بهذه الثورة وباحتذاء البلدان الأخرى بها فهي من هذا الجانب قد ساهمت وبامتياز في المنجز الحضاري الانساني ومن واجبنا كتونسيين أن نحافظ على هذا المكسب الثمين لأنه سوف لا يمكننا فحسب أن نعيش عصرنا بل سيجعلنا علامة مضيئة في القرن الواحد والعشرين.
٭ أجرى الحوار: عبد الرحمان الناصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.