بقلم: جعفر حسين (باحث تونسي في علم الاجتماع) السبب الرابع اقتصادي، يرى أنصار التفسير الاقتصادي بأن الفساد الاداري ما هو إلا نتيجة لعدم توزيع الثروة في المجتمع بشكل عادل، أضف الى ذلك ما تحمله البيئة الاقتصادية من سوء الأوضاع المعيشية للعاملين الناجمة عن عدم العدالة في منح الرواتب والأجور مما يؤدي بالتالي الى ظهور فئتين, فئة كثيرة الثراء مقابل فئات أخرى محرومة في المجتمع, وهذا يؤدي بطبيعة الحال الى اضعاف الولاء للأهداف العامة المشتركة للمجتمع, ومن ثم بروز سلوكيات منحرفة وفاسدة في أجهزة الدولة. من الجدير بالملاحظة هنا بأن ما يؤخذ على هذا التغير هو إغفاله لوجود فئة أو فئات متعددة تقع في الوسط بين الفئتين السابقتين, وربما تميل هذه الفئة الوسطى الغالبية من أبناء المجتمع ، وفي مثل هذه الحالة ستعمل فئات الوسط على تقليل التناقض في المجتمع , آما تعمل على استمرارية النظام الاجتماعي وربما تطوره ضمن اطار معين . وأخيرا سبب اداري فأنصار التفسير الاداري يرون أن أسباب الفساد الاداري تعود بالنتيجة الى البيئة الادارية فكلما اتسمت البيئة الادارية بدرجة عالية من الوعي والثقافة كلما كانت أكثر حصانة ومنعه في مظاهر الفساد الاداري. وبالعكس, كلما اتسمت البيئة الادارية بضعف الوعي الثقافي أوعدمه كلما أدى ذلك الى بروز حالات فساد اداري متمثلة بضعف القيادات الادارية وعدم نزاهتها وسوء اختيار العاملين وسوء توزيع السلطات والمسؤوليات وعدم وضوح التعليمات, وسوء تقويم أداء الأفراد والمنظمات . بصورة عامة يمكن سرد أسباب ودوافع السلوك غير الأخلاقي في النقاط الآتية : أولا، سوء الادارة ويتمثل في ضعف الرقابة والمتابعة وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب, وعدم وضوح الواجبات والمسؤوليات للموظف الحكومي . ثانيا، انخفاض الأجور والمرتبات التي يحصل عليها الموظف وعدم كفايتها لتلبية واشباع حاجته وسد متطلبات عائلته. ثالثا، ارتفاع الأسعار والخدمات التي يحتاجها الموظف وذلك نتيجة لظهور السوق السوداء واختفاء السلع في قنوات التوزيع الرسمية, وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للأجر أو الراتب. رابعا، ضعف تطبيق القوانين والأنظمة والقرارات التي تنظم الوظيفة والعمل، وتنظيم سلوك العاملين في المنظمات، أن تطبيق القوانين والنظم والقرارات يحتاج الى قيادات ادارية مخلصة للوطن وملتزمة في أداء الواجب والعمل، لأن اخطر أنواع الفساد في رأي هو فساد القادة ولذلك يتطلب الأمر من القيادات الادارية الملتزمة والشجاعة القادرة على مواجهة الفساد والتسيب والتي تحمل الغربة والاستعداد للتضحية بالمصلحة الشخصية من اجل خدمة الوطن والمجتمع. خامسا، سوء التنظيم وعدم الاستقرار الاداري: ان عدم وجود هيكل تنظيمي جيد، استقرار القيادة الادارية وتغيرها باستمرار، وعدم وجود دليل تنظيمي يتضمن ارشادات وتوجيهات ادارية لسلوك الموظفين والعاملين.... الخ، كل ذلك يساهم في تدني السلوك الوظيفي المرغوب ويؤدي الى تفشي السلوك اللا أخلاقي في المنظمة . سادسا، سوء تطبيق الاجراءات العلمية في اختيار وتعيين الموظفين نتيجة لعدم استخدام أسلوب المقابلات الشخصية والاختبارات اللازمة لاختيار العاملين الذين تتوفر فيهم الكفاءة والصدق والأمانة في التعامل والعمل وكذلك اهمال استخدام التقارير السنوية وتقويم الأداء ومعايير الترفيع والترقية...الخ. ان الملاحظات الجديرة بالاهتمام في بلادنا هي مقاييس تعيين المسئولين حيث من الأجدى تغييره لا على الولاء السياسي والحزبي والعائلي ومختلف أشكال النفوذ فكما نعرف من يرغب في الحصول على خطة وظيفية في السابق يستعمل مختلف الوسائل للحصول عليها، ونرى أيضا من يتحمل ثلاث أو أربع مسؤوليات في مؤسسات ومنظمات مجتمع مختلفة وهو غير قادر على تحمل مسؤولية واحدة وفي حالات عديدة مضيعا لها ولمصالح الناس وغير مبالي بها(كثرة الاجتماعات الوهمية وغير موجود بالمكتب على سبيل المثال) لأن المرتب والامتيازات هي من تحصيل الحاصل فلا فائدة في التعب وبذل الجهد من أجلها(مسؤول في مؤسسة عمومية) ومن ناحية أخرى لأن منظمات المجتمع متضمنة لمنافع وامتيازات وقضاء مصالح وشؤون وعلاقات خاصة في أحسن الحالات يترك لها الوقت الكبير على حساب العمل الفعلي والرسمي. ان المسؤولية الادارية في النهاية ليست منافع مختلفة فحسب وانما أمانة تجاه الفرد والمجتمع والوطن، وهو محاسب عليها عاجلا أم آجلا ليس قانونيا فحسب فقد يتهرب أولا يعاقب من هذه الناحية، لكن هناك ضوابط اجتماعية وقيمية ستحاسبه وتكشف خوره مهما كانت أشكال النفوذ والتخفي والتستر المستعملة من طرفه ومن لا يقدر على تحمل المسؤولية لا يكرر سنفونية الضغوطات والتعليمات والتعب ويترك من يرغب لتحملها لغيره، لأن ما يميز المسؤول في النهاية على بقية الموظفين في الادارة هي القدرة على استنباط وايجاد الحلول الفعلية وليست المسكنة، ان تونس اليوم ليس كما يعتقد العديد غير قادرة على أن تجد فيها من يريد أن يكون مسؤولا اداريا فهناك العديد من لهم الارادة والعزيمة والحماس في أن يكونوا جديرين بذلك ضرورة القطع مع عقلية الانغلاق وعبودية المنصب والكرسي والسلطة، والزعامة بجميع أنواعها، وفكرة أن مسؤولا اداريا معينا نبقي عليه لأنه «مغلق علينا باب بلاء،اضافة لاتباعه لسياسة التقشف بالمعنى الرديء والتعيس للكلمة في كل شيء فهو أفضل من غيره مهما كان» حسب المنطوق اليومي التونسي والاعتراف أيضا بعدم التوفيق في تحمل أحد المسؤوليات لعدة أسباب. اننا نحتاج في مجتمعنا التونسي الى مراجعة حقيقية للمؤسسة والتنمية الادارية وقد تطرقنا في تحليلنا للفساد الاداري باعتباره أحد المعوقات الرئيسية في التقدم بمؤسساتنا ومجتمعنا.