اضطراب وانقطاع مياه الشرب بهذه المعتمدية..#خبر_عاجل    مدينة العلوم تنظم السبت 22 نوفمبر يوم الاستكشافات تحت شعار "العلوم متاحة للجميع"    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    عاجل/ من بين الضحايا سائحون أجانب: فاجعة مروعة في مصر..    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    تصفيات المونديال: منتخب بلجيكا يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهتي كازاخستان وليشتنشتاين    المنتخب التونسي يفتتح الأربعاء سلسلة ودياته بمواجهة موريتانيا استعدادًا للاستحقاقين العربي والإفريقي    نائب رئيس النادي الإفريقي في ضيافة لجنة التحكيم    الرابطة الثانية: التعادل يحسم مواجهة سبورتينغ بن عروس وسكك الحديد الصفاقسي    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    الكحة ''الشايحة'' قد تكون إنذار مبكر لمشاكل خطيرة    مراكز تجميل غير قانونية تهدد حياة التونسيين..تشوهات وموت الأعضاء أحياناً    زيت الزيتونة كل يوم ؟: الكمية الصحيحة اللي لازمك تعرفها!    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل: هذا ما حكمت به الفيفا بين الترجي ومدربه الروماني السابق    الدكتور ذاكر لهيذب: '' كتبت التدوينة على البلايلي وساس وقلت يلزم يرتاحوا ما كنتش نستنقص من الفريق المنافس''    نقص في الحليب و الزبدة : نقابة الفلاحين تكشف للتوانسة هذه المعطيات    وزير الداخلية: الوحدات الأمنية تعمل على تأمين الشريطين الحدوديين البري والبحري    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    حاجة تستعملها ديما...سبب كبير في ارتفاع فاتورة الضوء    عاجل/ زلزالان يضربان غربي تركيا..    عاجل: حبس الفنان المصري سعد الصغير وآخرين..وهذه التفاصيل    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    دراسة علمية تحسم الجدل وتكشف حقيقة علاقة وجود صلة بين التوحد وتناول الباراسيتامول خلال الحمل..    ياخي الشتاء بدا يقرّب؟ شوف شنوّة يقول المعهد الوطني للرصد الجوي!    حركة الشعب تنبّه إلى مخاطر الاستدانة المتكررة من البنك المركزي وتدهور القدرة الشرائية    الكنيست الإسرائيلي يصادق على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في القراءة الأولى    مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    مشروع قانون المالية: الزيادة في الأجور... بين 50 و100 دينار.. التفاصيل!    وزير السياحة يبحث مع نظيرته الإيطالية سبل تطوير التعاون الثنائي في المجال السياحي    العربي سناقرية " لو لم يصب البلايلي وساس لسجلت الترجي اربعة أهداف ولغادر جمهورها من الشوط الاول"    رئيسة الغرفة الوطنية لمنتجي الزياتين: الأسعار الحالية لا تغطي كلفة الإنتاج والفلاحون في انتظار تنفيذ القرارات الرئاسية    العراق ينتخب.. ماذا سيحدث من يوم الاقتراع لإعلان النتائج؟    وزير الداخلية: استراتيجية استباقية لضرب شبكات تهريب المخدرات وتعزيز الأمن السيبرني    ترامب: أنا على وفاق مع الرئيس السوري وسنفعل كل ما بوسعنا لجعل سوريا ناجحة    نواب مجلس الجهات والأقاليم يثيرون استقلالية المجالس المنتخبة وعلاقتها بالسلط الجهوية والمحلية    تونس/الصين: بحث سبل تعزيز التعاون السياحي    هذا النجم المصري يعلن انفصاله رسمياً عن زوجته... التفاصيل    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    المهرجان العالمي للخبز ..فتح باب الترشّح لمسابقة «أفضل خباز في تونس 2025»    جندوبة: تتويج المدرسة الابتدائية ريغة بالجائزة الوطنية للعمل المتميّز في المقاربة التربوية    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    قابس: تنظيم أيام صناعة المحتوى الرقمي من 14 الى 16 نوفمبر    بنزرت: إنتشال 5 جثث لفضتها الأمواج في عدد من شواطئ بنزرت الجنوبية    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي: كافية الراجحي تتحصل على جائزة البحث العلمي وعملان تونسيان ضمن المُسابقات الرسمية    عاجل/ وزير التجارة: صابة قياسيّة في زيت الزيتون والتمور والقوارص    تقلبات جديدة ..كيف سيكون الطقس طيلة هذا الأسبوع؟..    تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30    عاجل: هذه الدول العربية تحت تأثير الكتلة الحارة    علاش فضل شاكر غايب في مهرجانات تونس الصيفية؟    عاجل: غلق 3 مطاعم بالقيروان...والسبب صادم    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى نؤسس جمهورية تونس الأولى ونفوز بالديمقراطية (1)
نشر في الشروق يوم 05 - 04 - 2011

في غمرة الأحداث المتسارعة منذ 17 ديسمبر 2010 والتي أفضت الى الإجهاز على سلطة المستبد بن علي وبطانته وعلى جملة من الاجراءات التي هزّت مراكز القوى للنظام القديم من بوليس سياسي ورديفه التجمع الدستوري، في غمرة تلك الحركة الشعبية الهائلة لم يجد الفكر السياسي مجالا للتحليل وقد طغت النزعة الفقهية على التفكير والإعلام بزعامة رجال القانون ولفيف من المحامين الذين سدّوا الباب على غيرهم من المثقفين والمناضلين.
الآن وقد تجاوزت الثورة الى حدّ، مخاطر النكسة والارتداد وهي تتجه في وضوح الى ارساء نظام ديمقراطي بالبلاد، من حقّنا طرح السؤال عن طبيعة الثورة بالنظر الى ظروف انطلاقها والى القوى المنخرطة فيها وأخيرا الى ما يمكن ان تفرزه على الصعيد الاجتماعي السياسي.
في البدء لنذكّر في إيجاز بأن الشهيد محمد البوعزيزي ومعه الشباب المتعلّم العاطلين عن العمل يكابدون صعوبة العيش بعد ان وقع تهميشهم نتيجة الاختيارات الاقتصادية الاجتماعية المنتهجة، كانوا قد ثاروا ضد حظهم العاثر الذي حرمهم من حقهم في العمل وما يبنى عليه من المقوّمات الأولى للحياة السوية في أبسط صورها. ان النهج الرأسمالي المتوخى الذي قام على تصفية القطاع العام وتضييق مجالات تدخل الدولة في التنمية ولاسيما تقصيرها في توفير الخدمات الاجتماعية الموجهة للجمهور الواسع مسؤول المسؤولية كلها عن مظاهر التخلّف والاختلالات والتعارضات بين الفئات والمناطق المتمثلة في التطوّر غير المتكافئ بين الجهات، تطوّر جعل دواخل البلاد في المرتبة الأدنى من حيث التنمية بل في علاقة تبعية بالنسبة الى الشريط الساحلي الذي تم تجهيزه بالبنى التحتية الملائمة ووجهت اليه الاستثمارات الداخلية والخارجية على حدّ سواء، مما أهله لانطلاقة اقتصادية اجتماعية مرضية ولو انها قامت على بعض الأنشطة مثل السياحة والنسيج ذات الوضع الهشّ لتبعيتها للسوق الخارجية.
أضف الى ذلك ان نمط التطوّر غير المتكافئ بين الجهات قد سار في نفس الاتجاه وفي تناسب طردي مع سوء توزيع السلطة السياسية والإدارية باحتكارها في منطقة ضيقة لمدة غطت اكثر من نصف القرن.
وهكذا فإن الثورة الراهنة كانت في منطقها ردّة فعل ضد النهج الاقتصادي الرأسمالي المشوّه الذي حرم قطاعا واسعا من الموارد البشرية الشابة من العمل ودفع ببعضهم ان لم يقبلوا بواقع التهميش في البلد الى المغامرة في عرض البحر للبحث عن الحياة الكريمة ولو كانت الكلفة الموت غرقا في عرضه.
لم تأت هذه الثورة في منطلقها ضد الرأسمالية في المطلق بل ضد أنموذجها التبعي المشوّه في تونس. والشباب المنتفض لا يطرح تحقيق الاشتراكية هدفا ولا إلغاء العمل المأجور بل يطالب بحقه في ذلك العمل. يقابل ذلك في مستوى الفئة الرأسمالية الوطنية التي ضيّقت عليها زمرة بن علي / الطرابلسي الخناق وقد استحوذت على أموال طائلة باستخدام اجهزة الدولة الى درجة أن آلت الأمور الى خلط عجيب بين الرأسمالية وبين ما يمكن ان نسميه بإقطاعيات النفوذ التي راكمت المال عن طريق الرشوة والفساد. وهنا أيضا جاءت الثورة لتخلص الرأسمالية المحلية او العاملة في السوق التونسية من تغوّل اقطاعيات النفوذ المضرّة بالقوانين الاقتصادية وبالقيم الأخلاقية في آن معا.
وبناء عليه فإن منطلقات الثورة الديمقراطية المنشودة هي من طبيعة ثورة ديمقراطية بورجوازية وإن عرفت زخما جماهيريا واسعا.
أما على الصعيد السياسي فالبلاد لم تعرف غير الدكتاتورية التي استمرّت منذ الاستقلال 1956 حتى اليوم. ولا يختلف فيها عهد بورقيبة عن عهد بن علي الا في التفاصيل مما يجعل الحكم عليه بأنه نظام جمهوري أمرا مجافيا للواقع، انه نظام لم يعرف التداول على السلطة الا مرة واحدة اضطراريا. وبالنظر الى كل ذلك فإنه من المنطقي ان يطالب الشعب التونسي بانتخاب مجلس تأسيسي يشرّع لقيام الجمهورية الأولى في تونس لأن الدولة التي حكمت تونس منذ الاستقلال كانت تخضع لسلطة الفرد المستبد ولها مواصفات النظام الكلياني. وهذا لا ينفي كونها كانت ثمرة ثورة وطنية ساهمت فيها شتى القوى سياسيا ونقابيا وقتاليا لكنها لم تفض على المستوى السياسي الى ارساء نظام ديمقراطي.
كما انه لا يمكن وصف التشكيلة الاجتماعية التونسية، غداة الاستقلال بأنها من طبيعة بورجوازية بل كانت خليطا من العمال والبرجوازية الصغرى بالمدن مع أغلبية ساحقة من الفلاحين بمختلف مراتبهم. ولا يمكن والحال تلك الكلام عن فرز طبقي واضح ولا عن بورجوازية مهيكلة. ويجب الانتظار زهاء العقدين بعد الاستقلال بعد استخدام آلة الدولة استخداما مشطا وقهريا أحيانا باسم ما عرف بالتعاضد او الاشتراكية الدستورية لإحداث التجهيزات المادية الضرورية وتأهيل الموارد البشرية الشابة بنشر التعليم والطبابة حتى أخذت الطبقات في عهد الهادي نويرة تتبلور في اتجاه نمط انتاج رأسمالي.
غير ان الليبرالية الاقتصادية لم تواكبها ليبرالية سياسية بل استمرّ التسلط البيروقراطي الذي تحول في عهد بن علي الى نظام بوليسي تسيّره الاجهزة الأمنية المدعومة من رديفها التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي فرض حضوره على الشعب بواسطة لفيف من المخبرين والانتهازيين الوصوليين يتسقّطون أخبار الناس ويلفّقون قضايا كيدية ضد خصومهم من المناضلين السياسيين والنقابيين.
قد يستغرب البعض ولاسيما من الشباب اليساري الماركسي والقومي المنضوين في جبهة 14 جانفي من توصيف الثورة بأنها ديمقراطية بورجوازية، هذا اذا توفقت في تحقيق أهدافها. نعم ان الفوز بالحريات الديمقراطية خطوة مهمة جدّا في حياة وطننا والثورة الديمقراطية البرجوازية استوجبت في تاريخ فرنسا الحديث القيام بعديد الثورات بدءا من 1789 مرورا ب 1830 و1848 ولم تترسخ فعليا الا مع الجمهورية الثالثة بداية من 1871.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.