أن نحمي ثورتنا ونحافظ على مكاسبها لا يقتضي ذلك ضرورة تكوين لجان لحمايتها فحسب. فأوّل مكاسبها كانت الحرية، لكن هذه الحرية باتت اليوم مهددة أكثر من السابق، لأن مفهومها لدى البعض هو «أن نفعل ما نريد»، مفهوم يؤدي تطبيقه كما هو، ضرورة إلى الفوضى... فوضى ليست خلاّقة بالمرّة... أن نحمي الثورة، يقتضي منّا كمواطنين وعيا كبيرا بحقوقنا وواجباتنا. ولا شك أن المطالبة بحقوقنا أمر محسوم بعد ثورة مجيدة، لكن المرحلة الحالية وبناء الدولة الحديثة تقتضي صبرا كبيرا، والتريّث في تقديم المطالب أو تأجيلها إلى وقت لاحق، «فما ضاع حق وراءه طالب». أن نحمي ثورتنا يعني أن نباشر أعمالنا، وأن نساهم في تقليص المشاكل الاقتصادية حتى لا تحدث كارثة لاقتصاد بلادنا قد يعسر حلها في عقد من الزمن. وما يحصل حاليّا ببلادنا من اعتصامات يومية، وإضرابات عن العمل سينجرّ عنه حتما كارثة اقتصادية ستزيد الطين بلّة. الثورة التي كوّنا لجانا لحمايتها ثورة كرامة، قادها الفقراء والعاطلون عن العمل، لكن ما يحصل اليوم، أضرّ بالثورة فاقتصادنا في تراجع رهيب. شركات أغلقت، وأخرى أفلست، وعمال أحيلوا على البطالة وعوض أن تتقلص نسبة البطالة ها هي ترتفع والسبب يكمن في عقلياتنا المبنية على الانتهازية والعاشقة للفوضى. اليوم.. اليوم فقط، إذا أردنا حماية ثورتنا بحق علينا أن نحترم الأولويات وعلينا أن نعمل ونطالب بحقوقنا ونحن نؤدي واجباتنا. الوقت ليس وقت شعارات فضفاضة ولا لغة خشبية، فالوطن يستغيث بمواطنيه، وكتونسيين علينا الاستجابة لنداء هذا الوطن... كلّنا بلا استثناء.. المجتمع المدني. والحكومة والمواطن البسيط. وقد لا نجانب الصواب حين نقول إن جميع التونسيين تهمهم مصلحة الوطن خاصة أن بعض النفوس المريضة، لم تفوّت فرصة الثورة لبثّ الرعب والفوضى في صفوف المواطنين فأضرّوا بالبلاد والعباد سرقة وتخريبا، وشغبا وما إلى ذلك من سلوكات لا تليق بشعبنا ولا بالثورة ولا بكرامة التونسي. إنّنا، في مرحلة حاسمة لحظات تاريخية نعيشها اليوم، إما أن نساهم في بناء الدولة والمجتمع الذي طالما حلمنا بهما دولة أساسها الحرية والديمقراطية والعدالة وإما فلا. واجبنا يا أبناء هذا الوطن أن نقدّم لتونس ما لم نقدّمه سابقا، وواجبنا حماية ثورتنا، كلّف ذلك ما كلّف فالهروب من المسؤولية واللامبالاة بما يحدث من فوضى هو استسلام وبيع للثورة بلا مقابل... بل إن تواصل ما يحدث ينبئ بالهاوية.