يمثل انتخاب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حدثا مهما في تاريخ تونس السياسي وفي تاريخ المحطات الانتخابية التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال. وتتأتي هذه الأهمية من انه ولأول مرة يخرج تنظيم الانتخابات والاشراف عليها والتصريح بنتائجها من أيدي الادارة وتحديدا من وزارة الداخلية، وهو ما يعني وضع حد للتجاوزات والممارسات الاقصائية التي كانت تعتمدها لتحديد قائمات الناخبين والمترشحين والفائزين، ووضع حد لتعددية الديكور والولاء التي كانت تشكل في الغرف المغلقة وفق درجات الولاء والتزلف. ولا شك أن الذين كانوا يرمون الادارة بالانحياز الى الحزب الذي كان يعتقد انه الحاكم، وبتزوير الانتخابات وسرقة ارادة الناخبين والمترشحين، سيكونون، الى جانب الذين كانوا يخيرون مقاطعة كل المحطات الانتخابات، يستعيدون الثقة في اجراء انتخابات تعددية ونزيهة وشفافة، تعيد لصندوق الاقتراع هيبته وانتصاره لتجسيم ارادة الناخبين. ويبدو أن الاعلان عن تركيبة اللجنة وصلاحياتها الآن قبل ثلاثة أشهر ونصف من انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي سيتيح لأعضائها، بما اكتسبوه من خبرة ومعارف، وضع التدابير والآليات اللازمة التي من شأنها أن تطمئن كل التونسيين، وأساسا الناخبين والمترشحين، على معايشة أول استحقاق انتخابي ديمقراطي ونزيه تغيب عنه الانتقادات والطعون وتحترم فيه ارادة الناخبين لاختيار من يمثلهم ويعبر عن شواغلهم. وعلى أعضاء وخبراء هذه اللجنة الانتباه الى بعض الثغرات والنواقص التي تسرب منها المزورون وسارقو ارادة الناخبين لضرب دور صندوق الاقتراع كأداة ديمقراطية لتحقيق التغيير والتداول السلمي والقانوني على السلطة. وستكون المنظومة الانتخابية الجديدة التي هي بصدد الاعداد حصانة اضافية للهيئة وللناخبين والمترشحين تضمن تكافؤ الفرص والمساواة بين الجميع وتدفع الى الوصول الى أول انتخابات تعددية ونزيهة وشفافة في تاريخ تونس. ويبقى على عموم التونسيين مسؤولية حماية تحقيق هذا الهدف الحيوي باحترام القوانين والاجراءات الانتخابية كاحترامهم للمنافسين ولأصحاب الآراء المخالفة والقبول بما يفرزه الصندوق.