عزيزتي صفية: أشهر ثلاثة مرت منذ رحيلك، واليوم 15 أفريل في الخامسة، سيلتقي أصدقاؤك وصديقاتك في التياترو ذلك المكان الذي تحبين، سيحكي الجميع عنك طويلاً، سنبتسم لصورتك وسنضحك مع ما تركتيه من حكايات، سنكفف الدمع ونبتلع الألم، فأنت لم تمنحي الا الفرح والسعادة لمن حولك،سنخفي الجرح عميقاً لنذهب في السادسة والنصف لتدشين «مركز التوثيق النسائي صفية فرحات» بمقر جمعية النساء الديمقراطيات «صار اليوم كل شيء ممكن», وصديقاتك الديمقراطيات يرسمن للأجيال القادمة مسيرة الديمقراطية والحرية والمساواة، ذلك الحلم الذي لم يعد مستحيلاً، فكوني فخورة بهن كفخرهن بك. أكره المراثي فهي تهيج الأحزان، لكن لماذا ياصفية رحلت هكذا بسرعة وأنت التي انتظرت تلك اللحظة التاريخية؟ ثورة شعب ووعي شباب، كم اشتقت لرنة ضحكتك، وسخريتك وخفة دمك، اشتقت لجلساتك الممتعة مع فنجان قهوة، وحكاياتنا المتفرعة، نفتقدك الصباحيات المشمسة على شرفة قهوتك المعتادة، تلتف حولك حلقات تكبر وتكبر، اليوم نبحث عنك بعيون جاحظة، نسأل مكانك بشجوننا، ونجلس مصابين بالصمت، والصمت عقيدة مقبرة الغرباء، ما ذنبنا نحن الذين اقترفنا محبتك؟ رحلتي يا صفية وتركت لنا ثياب الحداد، أنادي قصيدي ملتحفاً بالسواد، أحاول أن أكتب وفائي وحبي بقصيدة، يصحبني يراعك فهو خير عتاد. كنت تحلمين بتغيير قدري، أن تحولي الأرض الى فردوس مشبع بالأحلام، وكم تمنيتك اليوم هنا، في خضم مد وجزر من أمل ويأس في البلد الذي تعشقين، الموت تأتي فجأة، لكن أحياناً هناك موت جديد، تؤكل الموت، تشرب، تلبس، نغسل بها وجوهنا، نشرب من دمائها اليوم من ضفاف المحيط الى كربلاء، قد تصبح الموت اسماً لكل الفصول. وأنت صديقتي بعد أن هزتك الهزائم والفقدان، كيف كانت الموت؟ بيضاء... بيضاء كما ذكرها محمود درويش الذي تحبين؟ هل التقيته هناك؟ هل استقبلك بقصيدة ؟هل احتضنتك الموت وأي دروب سلكت؟ عربة مجنونة بيضاء الكؤوس والرغبات... بيضاء شاسعة ملتهمة... تفاحة الأسى. كيف وصلت هناك ولم تترك أثر قدميك ؟ هل التقيت ملائكة تعزف نشيد الخلاص ؟ هل كان سي السحبي بانتظارك؟ هل أخبرته عن ثورتنا وأن استشهاده لم يكن حراماً ولم يذهب سدى ؟ هل التقاك حبيبك عبد العزيز؟ والهام المرزوقي؟ ونزيهة جمعة؟ وأسما الفني؟ هل احتفى بك الأنقياء والنقيات؟ هل قامت لك ضمائر حية في حفل استقبالك الأبيض؟ هل وجدت الحكمة في الموت؟ هل كان الله حكيماً ؟ هل لديه مستشارون ومجلس نواب؟ هل استطعت تمرير مطالبك الحقوقية؟ في الموت اباحية التصوف ترشها علينا كرذاذ قصيدة. اخترت أن تكوني ملاكاً نائياً، فالحياة هزائم دائمة تعيق الروح. كم أتمنى يا صديقتي أن تنهضي من السكون لأنهض مما تركت لي من الألم. عودي... سنحكي عن جمال الورد. والربيع العفوي.والثورة القادمة، وحرية العشاق. لا أدري ماذا أكتب لك صديقتي. فقد كتبنا كلنا في قلوبنا مرثيتك. ولم يبق لي غير استعادة الذكريات مع من صادقوك وصدقوك. عشت رائعة محبة، بعد أن راوغت الحياة والمرض، ورحلت رائعة محبوبة، غدرتنا تلك العربة المجنونة التي تحصد كل من تجده على مائدة العمر، ستتربعين في ذاكرتنا لتضيء في قلوبنا طيش البصيرة. فليرحمك الله صديقتي والى اللقاء آجلاً أم عاجلاً. لم أكتب هذه الرسالة بمفردي، كتبتها بلسان كل الأصدقاء والمحبين، كل النساء وكل الرجال وكل من تعرفين ومن لا تعرفين.