وزير الخارجية في مؤتمر دولي: حماية المدنيين واجب أخلاقي ومسؤوليّة جماعيّة.. #خبر_عاجل    الليلة: أمطار رعدية وتساقط البرد بهذه المناطق    عامان سجنا في حق الإعلامي محمد بوغلاب    عاجل/ نتنياهو: نريد إنهاء الحرب في غزة..    سعيد يأمر باتخاذ إجراءات عاجلة للحد من الاعتداء السافر على البيئة وحماية الشريط الساحلي    بورصة تونس تنهي حصة الخميس على انخفاض    تصنيف الفيفا - المنتخب التونسي يحافظ على مركزه التاسع والاربعين    مودرن سبور المصري يتعاقد مع اللاعب التونسي أحمد مزهود    الترجي الرياضي: الإدارة تنجح في تجديد عقود 6 لاعبين    القصرين: إقرار جملة من الاجراءات العاجلة للحد من انتشار الحشرة القرمزية    نسبة النجاح العامة في الدورتين الرئيسية والمراقبة لبكالوريا 2025 تبلغ 52.59 بالمائة    كوثر الباردي لإدارة فرقة بلدية تونس للتمثيل    أشغال ترميم الجسرين بين ''قرطاج حنبعل'' و''قرطاج أميلكار'': تحويرات في حركة القطار وحتى السيارات    عاجل/ تيارات قوية وأمواج عالية: الحماية المدنيّة تحذّر من السباحة في شواطئ هذه الجهة    عاجل/ "أبو عبيدة" يدعو للانتفاض قبل أن يضيع ما تبقى من فلسطين    بشرى سارّة لمرضى السكّري.. #خبر_عاجل    وزارة التعليم العالي: مركز الخوارزمي تصدّى لمحاولة هجوم إلكتروني استهدفت مركز البيانات الجامعي    إختتام مشروع تعزيز الآلية الوطنية لتأطير الصحة الحيوانية البيطرية بتونس    كان تحب تزور مصر، اعرف القرار هذا قبل ما تمشي!    قبل صدور النتائج: هذا تذكير بشروط النجاح في ''الكونترول''    غلطة صغيرة أمّا تتكلّفلك غالية: شنوّة تعمل كان غلطت في البنزين؟    الماء البارد ما يرويش؟ العلم يجاوب على حكمة الأجداد!    الديوان الوطني للأعلاف: شراء 50 ألف طن من مادة الذرة العلفية الموردة    قبلي : تواصل قبول الأعمال المشاركة في الدورة الرابعة من مسابقة "مسابقة بيوتنا تقاسيم وكلمات"    وزارة التربية تنظّم الحفل الختامي لمسابقة "تحدي القراءة العربي" في دورتها التاسعة    للسنة الرابعة على التوالي: Ooredoo تُجدّد دعمها لمهرجان قرطاج وتربط التونسيين بشغفهم الثقافي    عاجل/ رئيس الدولة في زيارة غير معلنة الى هذه الولاية..    انهيار نفق بداخله 31 عاملا في لوس أنجلوس    بطولة الصداقة الافريقية للكرة الطائرة تحت 19 عاما - المنتخب التونسي يفوز على نظيره الجزائري 3-2 وينهي مشاركته في المركز الثاني    تأجيل محاكمة صخر الماطري في قضية فساد مالي إلى أكتوبر القادم    سبب وفاة سامح عبد العزيز... التفاصيل الكاملة    ترامب يعلن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس إلى الولايات المتحدة    دواؤك في خطر؟ ترامب يُفجّر ''قنبلة جمركية'' تهزّ سوق الأدوية...اكتشفها    فرنسا تعتقل لاعبا روسيا لتورطه في أنشطة قرصنة إلكترونية    استشهاد 17 فلسطينيا وجرح العشرات بغارة صهيونية وسط قطاع غزة    فاجعة في بن قردان..وهذه التفاصيل..    متى تظهر نتائج ''الكونترول''؟ اكتشف مواعيد إعلان النتائج السابقة    تحذير عاجل: البحر هائج في السواحل الشرقية... خاصة في نابل وبنزرت    الحماية المدنية.. 531 تدخلا خلال ال24 ساعة الفارطة    هام/ بداية من الأسبوع المقبل توزيع كميات اضافية من هذه المادة في الأسواق..    تنبيه هام لمن يريد شراء ''كليماتيزور''    أسبوع الباب المفتوح لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج بمقر وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية    باريس سان جيرمان يتأهل إلى نهائي كأس العالم للأندية بفوزه على ريال مدريد برباعية نظيفة    نجوى كرم لقرطاج: ''مافي شي بيبعدني عنك''    أحمد سعد يشوق جمهوره لألبومه الجديد لصيف 2025    اليوم: قمر الغزال العملاق يُضيء سماء العالم...ماهي هذه الظاهرة؟    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    النادي الصفاقسي يعزز صفوفه بثلاثة انتدابات أجنبية    "اليويفا" يحدث تعديلات على لوائح العقوبات في مسابقات الموسم المقبل    الرابطة الثانية: مبارك الزطال مدربا جديدا للملعب القابسي    هذه العلامات الغريبة في جسمك قد تنذر بنوبة قلبية... هل تعرفها؟    هيئة الصيادلة: أسعار الأدوية في تونس معقولة    عاجل: قيس سعيّد يُحذّر : مهرجانات تونس ليست للبيع بل منابر للحرية والفكر    قيس سعيّد: آن الأوان لتعويض الوجوه القديمة بكفاءات شابّة لخدمة كل الجهات    تاريخ الخيانات السياسية .. دسائس في القصر الأموي (2)    الحماية المدنية تحذر من السباحة اليوم بسبب هبوب رياح قوية    عادات وتقاليد..عاشوراء في سدادة بوهلال .. موروث حي تنقله الذاكرة الشعبية    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من نافذتي: المتمسّحون
نشر في الشروق يوم 16 - 04 - 2011

يحدث أن تجد عند الباب قطّا ينتظرك ليلتصق برجليك ويتمسّح بثوبك، وغالبا ما يدني رأسه فيحكّ به حذاءك، وهو يرنو بخبث إلى يديك ليرى هل تحملان طعاما، فإن لم يجد طمع في لمسة تدغدغ عنقه، ثم ذهب ليتمدّد في الشمس، حالما بفرصة أخرى. هذا هو التّمسّح في درجته الحيوانيّة، لكنّ تمثّلاته في الأداء الإنسانيّ أرقى، وأكثر نفاقا، لأنها تخشى أن تلحقها أوصاف : التزلّف، والتملّق، والتمسّح بالأعتاب، وهي ممّا ينكره النّاس مهما موّهت،أو تغلّفت بالمشاعر الطيّبة.
وأتذكّر من رواية للكاتب الروسي «قوقول» وصفا طريفا لمدير أحد المصانع، اعتاد كلّما زاره مسؤول كبير أن يبالغ في الاحتفاء به، ليخفي سوء تصرّفه، وإساءاته للعمّال، فكلما تحدّث إلى الضّيف أدنى رأسه من أذنه كأنما يسارره، وأطلق يده في نفس الوقت تنفض عن معطفه ذرّات غبار وهميّ. وهذه حركة يسمّيها إخواننا في المشرق « تمسيح الجوخ»، أي فروة المعطف.
2
حين قررت الدولة والحزب الحاكم ببلادنا أواخر الستّينيات الدخول في «وقفة تأمّل» هدفها إبعاد أنصار التّعاضد لفائدة المدّ الليبرالي، اغتنم الفرصة جماعة ممن كانوا يعيشون على هامش الأحداث إما قسرا أو عن طواعية ليركبوا الموجة (وقد ركبوها). من هؤلاء رجل محسوب على الكتّاب والمثقفين، جافاه رجال بورقيبة لميوله القوميّة واقترابه من أحزاب المشرق. تمسّح و تقرّب دون جدوى، فلمّا جاءت وقفة التأمّل اغتنم فرصة إبدال البندقيّة من كتف إلى الآخر كما يقول المثل الفرنسي – ليتقرّب من أبناء جهته الدستوريّين، طمعا بأن يرشّحوه لانتخابات لجنة التنسيق الحزبي القريب موعدها. وبعد أن حفي حذاؤه من الزّيارات، وجيبه من إقامة المآدب حصل على وعود شبه مؤكّدة بأن الديوان السياسي سيزكّيه ويضمّه إلى المرشّحين.
كان يلاقيني في حالات قلق وقلّة اصطبار، فأضحك منه أو أسلّيه، إلى أن عرف ذات يوم موعد الانتخابات، وبأنّها ستتمّ تحت إشراف مصطفى الفيلالي. وقد صاحبته من باب المساندة المعنويّة إلى ساحة روما لانتظار خروج الأستاذ مصطفى من مقرّ الديوان السياسي ومعرفة أسماء المرشّحين. كان الرّجل ابن جهته، و حين وقف بينه وبين باب سيارته شرع يحيّيه ويكرّر التحيّة والسّؤال عن الأحوال، ثمّ يطلب بكثير من التذلّل والتّزلّف معرفة ما إذا حصلت تزكيته، فيجيبه الرّجل متحرّجا أن القائمة في ظرف مختوم لا يفتح إلا في الجلسة العامّة. فيقول : «ما الفائدة من حضوري إذا لم...»، فيجيبه الفيلالي: «حضور الجلسة بتزكية أو بغيرها يعطي دليلا على اهتمامك بالعمل الحزبي، مما يؤهّلك لفرص قادمة «، فيرفع يده لينفض ذرّات غبار وهميّة عن كتف الأستاذ مصطفى ( كما في رواية قوقول) ويتأوّه : «أخشى أن أسافر و اسمي غير موجود فتكون خيبتي مضاعفة». يرفع السّياسيّ عندئذ يديه إلى فوق منهيا هذا الحوار غير المجدي، ويركب السيارة.
فرّق بيني وبين صاحبي هذا اختلاف في الطّباع والتّوجّهات، ساندته ظروف الحياة، فلم أسمع أخباره زمنا مديدا، إلى أن جمعتنا ندوة «تجمّعيّة» من تلك التي تصطنع للتّمويه على المثقّفين وذكر أفضال «التحوّل المبارك» عليهم، وعلى «عبقر» الذي يوحي إليهم بالشعر والأفكار المستنيرة، فرأيته بين الخطباء يشيد، وينوّه، بتعابير أستحي من إيراد بعضها، ويقول في النّهاية إنه بدأ يعيش أسعد أيامه لمّا تفضّلت عليه صحيفة التّجمّع بمكتب ينشئ فيه مقالاته، كما كان يفعل توفيق الحكيم وكتّاب عصره العظام في الطابق المخصّص لهم بجريدة الأهرام المصريّة. عندها عرفت أن تمسّحات صاحبي تواصلت وأثمرت،ولم تتوقّف عند التقائنا بالفيلالي. وأختم هذه القصّة بأبيات من الأدب السّاخر، فيها ما يطابق أوصاف صاحبنا، لكن بعبارات أبلغ من قولي، ومنها:
متيّم بالجاه والمناصب ولم يفز منها بحظّ الطّالب
معلّق بين السّما والأرض فليس بالطّول ولا بالعرض
كلّ الذي يبغيه من هذا البلد أن يجعلوه واليا أو معتمد
ودون ذاك كلّ شيء هيّن والأمر في هذا صريح بيّن
3
في مؤتمر الحزب الاشتراكي الدّستوري المنعقد بالمنستير عام 1971 حصل انشقاق كبير بين دعاة الانفتاح الديموقراطي وطالبي المزيد من سدّ الأبواب أمام كلّ معارض مهما حسنت نواياه. وبعد أن فاز الشقّ الثّاني نظّم عمليّة فرز كبيرة لمعرفة أنصاره من مناوئيه، وهم المتشيّعون لقائمة التّسعة التي تزعّمها أحمد المستيري. و بدأ حملة لجمع المتمسّحين ضمن قوائم طويلة للتّوقيع على عريضة ولاء لبورقيبة، وبراء من معارضيه. فالبعض أمضى عن طواعية، وهناك من وقّعوا مسايرة للقطيع، ويوجد آخرون خافوا أن تتعطّل مصالحهم أو أن يتّهموا بأنهم مخالفون للإجماع الوطني، ثم تراهم يندمون بعد ذلك في ما بينهم وبين أنفسهم. وفي هذا المقام يحضرني شعر فكه من نظم شاعر أمضى العريضة ثمّ سخر من فعلته، ولعن الجميع :
وفي المساء كنت في الطّريق إلى لقاء الخلّ والصّديق
فراعني وفد كثير العدد أمام دار الشّعب يزجى باليد
فقلت هذي حفلة أو عقد أو سهرة يفوح فيها الورد
ولم أظنّ أنه التّوقيع على الذي أيّده الجميع
فلعنة الله على الجميع من تابع منهم ومن متبوع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.