تونس - الصّباح: في الذكرى الأولى لوفاته نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات التي يديرها المؤرخ عبد الجليل التميمي أمس لقاء الذاكرة الوطنية حول النقابي عبد العزيز بوراوي. ويعد هذا النقابي أحد القياديين البارزين للاتحاد العام التونسي للشغل على مدى عدة عقود... ولد يوم 22 فيفري 1923 بصفاقس وكان يشتغل عونا بالمستشفى الجهوي بصفاقس وهناك تعرف على الزعيم فرحات حشاد والتحق بالعمل النقابي، وكان سنة 1944 من مؤسسي اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب ثم الاتحاد العام التونسي للشغل عام 1946 وبقي في قيادته سنوات طويلة تخللتها بعض الانقطاعات كانت أولها بين 1952 و1955 إذ أنه سجن بسبب نشاطه الوطني ضد المستعمر ثم تعرض للايقاف مرة أخرى بين 1978 و1980. وكان سنة 1986 من مؤسسي الاتحاد الوطني التونسي للشغل UNTT)) وانتخب أمينا عاما له وابتعد عن النشاط النقابي نهائيا عام 1988. والى جانب نشاطه النقابي كان عبد العزيز بوراوي منتميا الى الحزب الدستوري ولم ينكر جمعه بين الانتماء النقابي والانتماء الحزبي. رجل المواقف الصعبة كان المناضل عبد العزيز بوراوي رجل المواقف الصعبة... هذا ما أجمع عليه جميع المشاركين في منتدى الذاكرة الوطنية وأكده السادة الهادي البكوش الوزير الأول الأسبق ومحمد كريم النقابي ووزير البريد السابق والصادق بن جمعة وزير الشؤون الاجتماعية السابق وعدد من النقابيين خاصة خير الدين الصالحي وحسين المغربي وبوبكر عزيّز وغيرهم. وذكر الهادي البكوش أن بوراوي والحبيب عاشور وأحمد التليلي كانوا عائلة واحدة وكانوا ملتزمين شديد الالتزام في الحركة النقابية والسياسية.. لكن عاشور كان مناورا كبيرا خلافا لبوراوي.. فقد حافظ هذا الرجل على مواقفه حتى حينما حصلت أزمات كبيرة وتعكرت الأمور بالاتحاد. وأضاف «حتى حينما بعد عاطفيا عن الحبيب عاشور، بقي عاشور مرجعا بالنسبة له.. ولعب دورا توفيقيا كبيرا بين النقابيين في أحلك الفترات فهو أفضل من عمل على جمع شملهم، وهو العمود الفقري للحركة النقابية ولكنه رغم ذلك لم يزغ عن النشاط الحزبي». وكان عبد العزيز بوراوي على حد قول البكوش طليق اللسان ومثقفا وله استعداد دائم لتقديم المساعدة لكل من يطلبها اضافة الى تميزه بالبشاشة ورحابة الصدر. وفي شهادته، قال النقابي خير الدين الصالحي انه اعتبر نفسه احد جنود النقابي عبد العزيز بوراوي فقد تعلم منه العمل النقابي وأخذ عنه الكثير.. وبين ان الحبيب عاشور كان له فضل على بوراوي وكان بوراوي في نظر عاشور الشخص المناسب لحل المشاكل..وروى الصالحي واقعة اثبتت للجميع جرأة بوراوي.. اذ انه طلب من بورقيبة لما كان الحبيب عاشور مسجونا أن يخرجه من السجن ويتحدث معه ومعهم في نفس الوقت في محاولة للتوصل الى حل وهو ما كان.. وعاد عاشور رئيسا للاتحاد.. واضاف «ففي الظروف العصيبة، كان عاشور يلجأ اليه كلما استعصى عليه حل مشكلة تعترضه». ووجه الصالحي نداء الى اتحاد الشغل لكي يعمل على جمع شمل قدماء الحركة النقابية وارجاعهم الى الاتحاد على غرار احمد بن صالح ومحمد كريم ومصطفى الفيلالي. ويذهب النقابي محمد كريم الى ان عبد العزيز بوراوي كان من ابرز النقابيين الذين عرفتهم تونس وكان من مؤسسي النقابات المستقلة الى جانب الزعيم فرحات حشاد والحبيب عاشور. وبين ان بوراوي بدأ النشاط الحزبي قبل النشاط النقابي وهو نفس الأمر بالنسبة للحبيب عاشور لكن فرحات حشاد كان نقابيا بدرجة أولى ثم دستوريا في مرحلة ثانية. وقال كريّم: «اعتبر ان بوراوي يعد ديناصور الحركة النقابية لأن تكوين النقابات في ذلك الوقت وانطلاقا من سنة 1944 لم يكن سهلا... ولكن بوراوي كان فعلا رجلا صلبا، لا يتراجع عن المبدأ وكان رصينا ليّنا خلافا للحبيب عاشور الذي لا يعرف الا القوة والضرب.. فقد مارس رياضة الملاكمة وتعلم منها الكثير». وأكد كريّم على ان بوراوي عرف بالوفاء والاخلاص اللامحدود للحبيب عاشور... فقد كان يختلف معه في وجهة النظر لكنه في آخر الأمر يمتثل له ورغم كل هذا الوفاء.. فقد سمح عاشور لنفسه في الثمانينات بطرد بوراوي و6 من النقابيين من المكتب التنفيذي للاتحاد الذي كان يضم 13 عضوا.. طرد بوراوي رغم أنه مثالا في التفاني والنزاهة.. طرد بعد ان قضى 44 سنة من حياته في سبيل الحركة النقابية. انضباط حزبي تحدث الصادق بن جمعة عن عبد العزيز بوراوي فقال انه كان رجلا ملتزما ودستوريا منضبطا وكانت له مواقف دستورية تنم عن الرجولة.. وفي نفس الوقت وبصفته النقابية كان رجلا شهما متفتحا على الاجيال الشابة وكان نظيف اليدين وحلاّل الصعاب في الظروف العصيبة. ومن جهته أكد النقابي الحسين المغربي أنه لا يمكن الفصل بين النضال النقابي والنضال الحزبي وذكر ان بوراوي ينتمي الى جيل الرواد المؤسسين للحركة النقابية وقد كان أحد أصدقائه الذين لازموه طويلا وعرف عنه انه سار في خط مستقيم. وأضاف المغربي ان بوراوي كان مسؤولا عن القسم الاداري والمالي في الادارة المركزية للحزب وكان مندوبا للحزب في تونس الكبرى ومن خصائصه انه رجح كفة العمل النقابي لكن دون ان يتخلى عن العمل الحزبي - ومن ميزاته ايضا نظافة اليد وبين ان بورقيبة سأل عنه وعرف انه محتاج فعرض عليه المساعدة لكن بوراوي قال له «هناك من هو أحوج مني». وقال محمد الصياح الوزير السابق ان بوراوي ضحى بالنفيس وكان محبا للعمل. وبين المناضل بوبكر عزيّز ان بوراوي كان دستوريا ونقابيا متمسكا شديد التمسك بالنقابة الدستورية وكان وطنيا بحق.. وذكر محمد بالحاج عمر أن بوراوي يتميز بخصال حميدة وكان رجلا رصينا ويعرف من أين تؤكل الكتف ويحاول فض المشاكل مقدما مصلحة الوطن على كل المصالح.