بقلم المخرج المسرحي والكاتب رياض الحاج طيب (صفاقس) ان تونس اليوم تونس ما بعد الثورة في حاجة ماسة وضرورة للقيام بمراجعة عميقة، وشجاعة ومتبصرة لثقافته السياسية الفائتة في النظام البائد لبن علي الطاغية ،ومفهومه للانسان والقيم والنظام والقانون والولاءات والحزب والتحزب والأحزاب والنقابا ت والجمعيا ت والاعلام، كما أنه في حاجة الى تخطيط سياسي لا ممارسة سياسية بدائية تسعى وراء المتوقع والاقصاءات للتواجد وانما حنكة تؤمن لتونس الغد التطور المطلوب لمواجهة التحديات الآنية والمستقبلية،المتربصة بأفراده وثوابته الحضارية،وهذا لا يمكن أن يتم الا من خلال التكامل بين أفراد المجتمع وشرائحه وثقافاته،وكفاءات المعرفة مع كفاءات المال وكفاءات القوة،بدل تنافرها وتناحرها،وتوظيف ذلك التعامل في صياغة المناهج والبرامج الكفيلة لجعل الدافع الأقوى لدى الفرد التونسي في حياته يوجه سلوكياته نحو تحقيق الذات التي تعني مساعدة الناس، ونعتقد أن حاجة تونس لهذه المراجعة تحتاج الى التركيز على تأهيل المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتنشئوية والاعلامية والدينية، والحرص على انتقالها من عصر تطبيقات الدين والتربية والسياسة والقانون في الشكل دون الفكر والعمل،ودون الابانة بالفهم الجيد للفرد والجماعة والمجتمع، وأهمية هذا التأهيل يجب أن يطال الحياة السياسية والنظام التربوي والتنشئوي،والاعلام والاقتصاد،والخروج من متاهات المطالبة والذاتية واستعمال الأساليب المتخلفة في تحقيق الأهداف عبر قطع الطرقات والحرق للمؤسسات وسياسة لوي اليد وانما الدفع الى دعوة التأهيل هو عجز ممنهج يتم تعليمه وتعلمه والتثقيف عليه، الى درجة أصبح معها عادات فكرية. أطرت وتؤطر التونسي منذ مرحلة المهد،وتحاصره وتكرس عجزه عن التفكير وتغرقه في السلبية بما تحمل من معاني التقوقع والانزواء والبلادة والانغلاق والكسل والشخص السلبي هوالفرد البليد الذي يدور حول نفسه لا يتجاوز اهتماماته أرنبية انفه ولا يمد يده الى الآخرين ولا يخطوالى الامام والمجتمع السلبي الذي يعيش فيه كل فرد لنفسه على حساب الآخرين مجتمع زائل لا محالة كما ان المجتمع لايجابي راق عال لا شك .. الاستبداد الفردي في ادارة المؤسسات تشكل المؤسسات العمود الفقري لأي بنية اجتماعية تحتية وهي بذلك تعطي للمجتمع تنظيمه الطبيعي وانعكاسه الخارجي، لان أي تحقق اجتماعي لا يمكن ان يترجم الى بعد واقعي وخارجي ما دام لم توجد مؤسسات اجتماعية مختلفة، وهذا نجده حتى في أكثر الجماعات بدائية. وكلما تطورت المؤسسات البشرية ونضجت وتنامت كلما تنامى المجتمع وأصبح أكثر تكاملية وحضارة، لذلك تقاس الأمم في مستواها الحضاري المتقدم بقياس مستوى نمو المؤسسات ونضجها وقدرتها الادارية في تحقيق اثباتها الاجتماعي المتميز. فالمؤسسة هي تعبير سلوكي عن ذلك الاجماع الأخلاقي والمصلحة المشتركة.وتنبعث هذه الاشكالية المهمة التي نحن في صدد البحث فيها في كون المؤسسات التي تشكل العمود الفقري لمجتمعاتنا لها الدور الأكبر في التخلف الحضاري الذي نعيشه، وذلك لعدة أسباب: أولا: أنها لا زالت بدائية في مستواها التنظيمي والاداري بمعنى أنها لا زالت تعتمد على الأساليب القديمة في التنظيم والادارة والتي تستوحيها من الارتجالية الفردية وعدم التخطيط والاندفاع الذاتي. ثانيا: أنها تشكل جزءا هامشيا في التأثير على صياغة البنية الاجتماعية، واذا كان لها تأثير فليس باعتبار المؤسسة كمجهود اجتماعي بل باعتبار المجهود الفردي الذي يؤديه الفرد القائد، ولذلك نرى تغير المؤسسة وانقلابها أو انحلالها بتغيير نفسية أو فكر الفرد الذي تصاغ المؤسسة على هيئته الذاتية. ثالثا: أنها مؤسسات غير مستقرة وسريعة الزوال لذلك لا تستطيع أن تستمر في أدائها. على أن المؤسسة من الناحية النظرية بكونها البنية التحتية للمجتمع تتميز با ستمراريتها فلا يرتهن وجودها بحياة فرد أوعدة أفراد بل بالوظيفة التي تؤديها في النظام السياسي الاجتماعي ككل. رابعا: أنها لا تستطيع استيعاب الطاقات البشرية بل على العكس من ذلك تعيش استنزافا متدفقا في الموارد البشرية فضلا عن ضعف الأداء. خامسا: أنها واقعة تحت سيطرة التحكم الفردي والادارة الشخصية المباشرة وبالتالي استخدام الأسلوب الفردي في ادارتها. سادسا: أنها تعيش ازدواجية انفصامية بين ممارساتها الفعلية والأفكار والمبادئ الحقة التي توصي بالشورى ومراعاة حقوق الآخرين واحترام المؤمنين ومداراة الناس. ان دراسة هذه الخطوط العامة للحالة السلبية التي تعيشها مؤسساتنا في الكل أوفي البعض تعطينا انطباعا أساسيا مشتركا وهو أن المنهجية التي تسير عليها هي منهجية تحمل في داخلها الكثير من الاشكالات. ان الطابع الرئيسي في انعدامية الحركة الاجتماعية المتطورة لهذه المؤسسات هي كونها مؤسسات تعمل في اطار المنهج الفردي ادارة وممارسة وقرارا وهي بذلك فوضى وليست منهجا وان كان تسميتها منهجا من باب التجاوز. ولكون الفردية هي الأرضية الرئيسية التي تتحرك فيها مؤسساتنا فانها تحمل نقيضها الذي يقودها نتيجة الى ابتلاع ذاتها وموتها، لان طبيعة المؤسسة وحيويتها المستمرة كما قلنا تنبعث من انصهارها الاجتماعي واستيعابها البشري واستحكامها في البناء الاجتماعي. واذا كانت المؤسسة بشكلها النوعي تهدف الى ايجاد حركة اجتماعية متميزة من اجل المساهمة الفعالة في بناء المجتمع وتثقيف الناس وقضاء حوائجهم فان الحركة الفردية التي تقوض بالفعل والقوة محورية المؤسسة الاجتماعية بتقويضها لمنهج الشورى والمشاركة الاجتماعية تصبح مثارا كبيرا لكثير من الاشكالات القانونية والحقوقية والشرعية. فالقائمون بادارة المؤسسات بالأسلوب الفردي والقرار الاستبدادي لوتأملوا قليلا لوجدوا انهم بحاجة الى العديد من المرتكزات القانونية والشرعية فضلا عن العقلانية لنجاح عملهم .. فعلى الصعيد الانساني والحقوقي: تعتمد المؤسسة على الكادر البشري في تحقيق وجودها الخارجي وعندما تستبد قيادة المؤسسة بقراراتها ولا تعطي أهمية للرأي الانساني المساهم في تحقيق وجودها ابتداء واستمرارا فانها تنتهك ابسط الحقوق الانسانية وتحوِّل البشر الى أداة استعباد لتحقيق تسلطها ومصالحها الخاصة.