المقصود من حرية الفكر والتعبير هو تسليط الاضواء على النقائص التي تؤدي الى الهروب من مواجهة التحديات وخاصة القضية الاساسية «تغيير العقليات» وهو عمل مرهق يستلزم الكثير من الفطنة والتواصل وتكاثف جهود افراد المجتمع ، والتأكيد بوضوح اهمية دور الكفاءات في طرح الاقتراحات والحلول البناءة التي من شأنها ان تساعد على اتخاذ القرارات الصائبة على ضوء ما توفره من معطيات موضوعية وخيارات استراتجية تستجيب لمتطلبات التنمية وثقافة الحوار كعنصر اساسي لفسح المجال واسعا لتدارس مختلف الافكار إزاء المواضيع ذات الاهتمام المشترك والرد عليها بكل شفافية ومسؤولية في ضمان الاشعاع المعرفي والتكنولوجي في الحقل الصناعي وتأكيد التمسك بالديمقراطية مسلكا للاستنباط والاضافة لتوليد الافكار الجديدة والمتجددة في محيطها الاجتماعي. الاعلام الواضح والصريح: بعيدا عن الانحيازات والحسابات التي سادت مشهد المعرفة والتكنولوجيا على امتداد العقود ، فإن عديد الاشكاليات التي جاءت بها العولمة في حاجة الى التوضيح سواء في الجانب المتعلق بأسباب وغياب نشر ثقافة الاندماج في بناء حضارة العولمة او في ما يتعلق بالآليات الفاعلة لمواجهة الوضع الجديد بصورة دينامكية تجعل العمل الانتاجي المشترك بين الكفاءات الحكومية وغير الحكومية في مستوى المواصفات العالمية وتحقيق التوافق مع القطاع الصناعي بمقاييس الرقي التي ستعتمد في هذا الإندماج . لقد سلطنا الأضواء في العروض السابقة على النقائص المتعلقة بقطاع البحث العلمي والمهتمين بالشأن المعرفي والتكنولوجي وهو ما دفعنا الى رسم نماذج استراتيجية التقليد والاتباع الجاري بها العمل في حقل البحث العلمي والتي تتحكم في مراحل النمو الصناعي واستراتيجية الاستنباط والاضافة التي لم تحظ بقبول الكفاءات المعنية وتعرضنا الى مظلمة لانها تمثل تعديل المفاهيم وركائز الاصلاح العلمي والحل الوحيد للخروج من نفق التقليد والاتباع بالنجاعة اللازمة والقدرة الكفيلة بالمجهود التنموي ومواجهة التحديات المرتقبة. نموذج استراتيجية الاستنباط والاضافة (II) نموذج استراتيجية الاستنباط والاضافة يعبر بوضوح عن اهمية دور البحث التنموي في ترجمة المشروع التوجهي على ارض الواقع بما في ذلك لغة التخاطب بشأن التضامن والتعاون والتكامل في التعاطي مع رؤية جديدة متطورة وتجسيد العمل على تقدم المؤسسة الصناعية برسالتها التي تمكن من المحافظة على استقرارها خلال المنافسة في ظل التحولات التي يشهدها الاقتصادي العالمي. ان هذا التمشي مدرك لاهمية المراحل على أن تكون خطوة متقدمة ولا ان تكون تكرارًا لما سبق ان انجزناه دون ان ندعي في الوقت نفسه ان ما أنتجناه من جديد هو كامل لا يستحق التطوير وكل المتتبع لخطوة متقدمة يلمس دعوة واضحة الى ان هناك قضايا ومواقف سوف نظل اوفياء لها مثل قضية الانسانية الاساسية ، وهي قضية الاستنباط والاضافة ، قضية حرية التجريب والتجديد قضية حرية التفكير والتعبير ... اننا سنظل دائما ضد هؤلاء الذين يريدون ان يضعوا المعرفة والتكنولوجيا في اطار المنع ..سنقاوم بما لدينا كل محاولة لوضع الانتاج المعرفي والتكنولوجي في المقاييس النظرية التي لا تساوي الا كتلة ضبابية تحجب الرؤية وتلف مستقبلنا من كل جوانبه. التكنولوجيا في حقل البحث النظري الآن تتراجع وتنحط واصبح الباحث غير قادر على ان يملك التكنولوجيا التي لا تستطيع ان تتصل عن طريقها بالمجتمع ما هي قيمتها ، وهذا يعني ان هناك انعداما للحرية لان التضييق البيرقراطي على الحريات يحرم البدائل للمواد الأولية والتكنولوجيا من الاتصال بالمجتمع . فالاتصال بالمجتمع لابد ان يكون حرا ولا يمكن ان يكون للاتصال توظيف اي ان يتحول الباحث الى ممثل ثقافة التقليد والاتباع التي يزعم المراقب البيرقراطي انها هي التي تهم المجتمع. نموذج استراتيجية الاستنباط والاضافة يجسد القيمة المضافة العالية التي يستمد منها النظام السياسي قدرته على تحديد سبل الخلاص من السلبيات الاقتصادية المتأتية من ارتفاع اسعار المواد الأولية والتكنولوجيا والطاقة والمواد الغذائية وخدمات التداين الخارجي وخاصة رداءة الفكر البيرقراطي المتعلق بالبحث العلمي الذي يهوي علينا كالعاصفة القاضية بطابعه الاستبدادي الذي حول حياة البحث التنموي الى عدمية مقيتة وقد تمخض في المشهد العربي عن هذه الحقيقة اعتبار التمرد عن النظام السياسي البديل الأمثل. نموذج استراتيجية التقليد والاتباع (I) نموذج استراتيجية التقليد والاتباع يترجم عدم الانسجام مع المنهج الاصلاحي المتفق عليه والذي يهدف الى تلافي السلبيات وخاصة تعميق الوعي بأهمية تجذير ثقافة الابداع المعرفي والتكنولوجي التي تمثل اهم مقومات العمل المستقبلي. ان كل مساهم في تركيز منهج التقليد يحمل استنباط ثقافة الاتباع وطبيعة علاقتها بالمحيط الخارجي الذي يبث افكارا ومواقف يحرص على تكريسها والتمسك بها والدفاع عنها. وفي هذا السياق لا يمكن لأي فرد من المجتمع ان يتخطى الحواجز ليحقق انسانيته ويفرض وجوده ليحيا حرّا ، فالحرية تجعل الضعف قوة وتعذي شعور الانسان بالوسيلة لتحدي الخوف والتغلب عليه فمنه تستمد الشجاعة لمواجهة الضغوطات والعراقيل. كما نلاحظ ان هدف استراتيجية التقليد والاتباع هو تراكم المؤسسات الصناعية التي لا تتميز بمواصفات سليمة ورهان صناعي ممتاز سعيا الى توفير مقومات الارتقاءبها نحو الافضل، النموذج يفيدنا بنمو طفيف للقيمة المضافة في مراحل التسارع الكبير لنسق نمو اقتصادات البلدان المتقدمة والصاعدة ويترجم هذا النمو في واقع الامر السباق للهيمنة على المنطقة العربية التي تنتمي لمجموعة الدول النامية التي تفتقر الى فضاء للحوار الجدي حول الابداع الصناعي وآفاقه بغية رفع رهان التنمية. وبهذا النمو الطفيف تواجه مؤسساتنا الصناعية تزايدا في الضغوط تلك المتآتية من ارتفاع اسعار المواد الاولية والتكنولوجيا والمواد الغذائية والطاقة وتراجع الادخار الصناعي وارتفاع تداين المؤسسات ، ومن هذا المنطلق يمكن ان نتوقع ان تواصل ضغوطات هذا المؤشر الصناعي الجملي يرشح المنظمة العمالية والمنظمة الصناعية للتصادم والانفجار وتحديدا ما يتصل بقضية الدفاع عن القدرة الشرائية للعامل امام ارتفاع الاسعار من ناحية والمحافظة على رأس مال المؤسسة الصناعية من ناحية أخرى. وهذا يدل بوضوح على أهمية دور بيرقراطية البحث العلمي في حرمان التنمية الصناعية من البدائل للمواد الأولية والتكنولوجيا وهو ابرز اسباب خطورة هذا الدور ، وفي هذا السياق انا على قناعة راسخة بان دور بيرقراطية البحث العلمي يتناقض تماما مع اخلاقيات البحث التنموي وليست ملتزمة بالتميز عن الآخرين وفق التجارب الرائدة في مجال الابداع ، وحسب مفاهيمها للمعيار الاصلاحي لا يمكن للبحث العلمي ان يتسلح بحاملي طاقة العطاء ابداعا ولا يستطيبع باحث تونسي بلغ درجة التعطش الي البحث عن البدائل للمواد الأولية والتكنولوجيا ان يمارس دوره اذا تحول الى بيرقراطي ، وهذا الواقع يجعلنا في انتظار شديد وفي حاجة ملحة الى المراجعة بخصوص ما قدم في المراحل الماضية لنعرف ما ربحنا رما خسرنا. كل القرارات والاجراءات الهادفة الى مزيد تدعيم علاقات التضامن والتعاون والتكامل بين منتج البدائل للمواد الأولية والتكنولوجيا ووزير البحث العلمي والتكنولوجيا وتنمية الكفاءات غرقت في الجمود وحولت المنارة العلمية البارزة الى مشهد جنائزي وقد جعلت العودة الى الماضي تزداد نقمة على البدائل الكفيلة باحداث المؤسسات المتطورة والقادرة على أداء وظائفها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية على أسس المنافسة مثل مؤسسات بعض بلدان آسيا الشمالية التي تسلحت بالكفاءات المتميزة عن غيرها وفق التجذير في الابداع المعرفي والتكنولوجي لدعم مقومات الارتقاء بها نحو الافضل. الموضوع الذي يجب ان يحظى باهتمام خاص على المستوى السياسي والمدني يتمحور حول الاسباب التي ساهمت في تضخم الجمود الذي يستمد جذوره من التستر على الضعف على حساب الفطنة والتميز العقلاني وهو ما جعل فلسفة التغيير في الاطار الذي لا يوفر الحماية الكفيلة بالقرارات والإجراءات السياسية والعمل على تطبيقها وتطويرها بعيدا عن الانحيازات والحسابات واللامبالاة.