عرفت البلاد خلال الأسبوع المنقضي العديد من الأحداث المؤسفة والتي ترتبط جميعها بغاية موحّدة في بثّ التوتّر ونشر حالة من الانفلات الأمني والاجتماعي والسياسي. مظاهر يُمكن وصفها بأنّها في غاية من الخطورة لأنّها جاءت في إطار من العنف وبثّ أنفاس للكراهيّة ورفض الآخر المُخالف والبحث لتكريس مناحي الإقصاء والتهميش ، وهي في مجموعها سلوكات تنمّ عن حالة من التردّي في الحياة العامة تتناقضُ جوهريّا مع الفلسفة والشعارات والتطلّعات الّتي نادت بها ثورة 14 جانفي في القطع مع الماضي وتكريس أجواء من الديمقراطيّة والتعدديّة والتسامح بين كلّ التونسيين والتونسيات. وسواء ما وقع من مُشادّات في شارع الحبيب بورقيبة (يوم الجمعة) أو ما تعرّض له زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي (يوم السبت في مدينة قابس) أو ما لحق أنصار حركة النهضة (يوم السبت في المنستير) أو ما جُوبه به قياديو حزب الوطن (يوم السبت كذلك في تطاوين ومدنين) أو ما حدث في مدينة جندوبة بين حيين سكنيين أو ما شهدته بعض السجون من توتّرات وحالات هروب للمساجين واتهامات حول حقيقة ما جرى ، في كلّ هذه الأحداث وغيرها ليس للمرء إلاّ أن يُعبّر عن اندهاشه واستغرابه لما تشكّلهُ مثل هذه التجاوزات من خطورة على مسيرة إنجاح الانتقال السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنشود. إنّها مؤشّرات سلبيّة جدّا وتهدّد التوجّه الوطني نحو تحقيق الاستقرار والعودة بالحياة إلى مساراتها الطبيعيّة لتوفير أجواء الأمن المساعدة على إتمام العمليّة الانتخابيّة المنتظرة ليوم 24 جويلية القادم واستعادة النشاط الإداري والاقتصادي نسقهُ العادي لتلبية حاجيات مختلف الفئات والجهات في الشغل والتنمية وظروف الحياة الكريمة والعادلة والحرّة. وما من شكّ في أنّ الحكومة المؤقتّة وسائر مكونات المجتمع المدني والسياسي وكذلك النخب والمثقفين ومختلف وسائل الإعلام تتحمّل مسؤوليّة جسيمة في إماطة اللثام عن حقيقة ما يجري وربط مختلف تفاصيله وجزئياته للوقوف عند الجهات أو الأطراف الّتي يُمكن أن تكون متسبّبة في كلّ هذا الّذي جرى وبذلك الشكل العنيف والمفزع وسدّ الطريق أمام تلك القوى. ومن المؤكّد أنّ ثورة 14 جانفي تُواجه اليوم آخر مناورات من مناهضيها من قوى الردّة والحرس القديم الّذين يُعوّلون على توتير الأجواء وتعفين الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة لتحقيق غاياتهم في وأد تطلعات الشعب في العدالة والحريّة والكرامة والقطع مع كلّ أصناف السلوكات الانتهازيّة المتمعّشة من خيرات البلاد وقوت الشعب وثروته على غير وجه حقّ. وستكون إرادة الشعب الموحدّة والوعي الّذي أصبح يجتاحُ القطاعات الواسعة من الرأي العام صمّام الأمان الأبرز والأكبر لفرز الغثّ من السمين والانتصار للتمشي الوطني الصحيح والسليم الّذي يرفضُ كلّ مظاهر الانتهازيّة السياسيّة وبثّ الفرقة بين أبناء الشعب وفئاته وجهاته وأحزابه ووسط نخبه وطبقته السياسيّة والّذي يؤمن بحقّ الشعب في تقرير مصيره واختيار من يحكمهُ عبر انتخابات نزيهة وشفّافة.