(الحلقة الخامسة) ٭ تمسّك بورقيبة بالسلطة ولم يوف بوعوده لا لا يا منديس فرنس !! إن بورقيبة لم يعرف من ذلك شيئا ولم يتحرر أبدا من ذاته الضيقة التي طبعتها صورته الكاريزماتيّة المستبدّة الثقيلة التي أثرت وهيمنت على المشهد السياسي في البلاد التونسيّة قبل الإستقلال وبعده، مدعوما بالحزب الواحد الذي كان مهيمنا على كلّ شرايين المجتمع بكلّ مؤسساته وقوانينه وسلطه الثلاث: التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، فكان ماسكا بيد فولاذيّة على الحياة العامّة لكنّه كان خاضعا خضوعا منبثقا من قناعة استحواذيّة متسلّطة؛ وهو أن الحكم كلّ الحكم في تونس ينبغي أن يرجع إلى بورقيبة ولا شيء غير بورقيبة !! وذلك اعتمادا على مبدأ الشرعيّة النضاليّة الشهيرة، فهو الذي لا ينبغي لأحد أن ينافسه أو يزاحمه كائنا ما كان !! أو يطيل معه الكلام !! فهو الفاتق الناطق الممسك بالحقيقة المطلقة، المهيمن بالتّمام والكمال على تونس وشعبها وهو الهمام الذي لا يشقّ له غبار !! وقد كلّفتنا مشروعيته النّضاليّة وتوجيهاته يا منديس فرنس وهو ما دفع فاتورة غالية وثمنا باهضا: هويّة ودينا وتاريخا وتراثا وثقافة وتعليما وتربية !! حتى تنمية !! فهذه الأخيرة قد فشلت وتدحرجت وتعثّرت بين تجارب مهتزّة ومرتجّة من الإشتراكيّة المفلسة إلى اللّيبراليّة المجحفة !!! إنهّا واللّه لخسارة كبرى!!! حوصلة: إذا لم تستح فافعل ماشئت !! كان بورقيبة عندما يتهجّم على مشائخ الزيتونة وعلمائها الأفاضل لا يستعمل إلا لفظة «الزّواتنة» ويأبى لسانه استعمال كلمة «الزيتونيين»، وهذا ينم عن عدائه العقدي والمعجمي (≠ اللّغة العربيّة) وليضرب عصفوريّن بحجر واحد: الإقتراب من الشعب التونسي فكأنّه يريد أن يقنعنا بأنه تونسي لحما ودما، من ناحية؛ ومن ناحية أخرى الإبتعاد عن اللّغة العربيّة الفصحى لغة القرآن الكريم «قرآنا عربيّا غير ذي عوج» !! ولا تعجب أيها القارئ العزيز فالرجل داهية سياسيّة كبرى؛ أليس هو «المجاهد الأكبر» (أكبر المجاهدين قديما وحديثا !!)؛ وقد تمت أدلجته في باريس على أسس استراتيجيّة قويّة بصورة محنّكة وعلى أيدي جهات استعماريّة معنية لها رسالة وخطّة مضبوطتان جدا !! فهذا إذن سلوكه ومعجمه المتخلق والمتحضّر !! تأملوا جدا الحقل المعجمي Le champ lexical الذي وصف به المناضلين الوطنيين الأحرار ممّن اختلفوا معه في الرأي وجرّح به رجالات جامع الزيتونة المعمور حامل رسالة الإسلام في ربوع إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط وصنو الأزهر الشريف في مصر حفظه اللّه ! معجم يدل جليا على أن بورقيبة لم يتعلم حتى أساسيات وأبجديات الحوار والخطاب المعتمدين في فرنسا ولا مبادئ حق الإختلاف ولامقوّمات الديمقراطيّة والحريّة ولا مبادى احترام الغير وخاصّة مواطنيه والشعب التونسيّ !! ألم يتوجّه إلى هذا الشعب بتمامه وكماله قائلا له: « Qui étiez-vous avant ? N'aviez-vous pas été qu'une poignée de poussière ? Et c'est moi qui ... » !!! «ماذا كنتم أنتم من قبل ؟؟ ألم تكونوا مجرّد حفنة من غبار؟؟ وأنا الذي ... !!» أسمعت يا منديس فرنس ؟؟ فالكرة في شباككم الآن!! وليشهد التّاريخ !!! الجزء الثالث: كن كمال أتاتورك أو يوغرطا أو حنبعل أو أيّ قائد رومانيّ !! لكن حذار أن تكون قائدا مسلما أو إسلاميّا !!