يجوز لكل تونسي اليوم أن يطلق عقال الأمل والتفاؤل، وأن يتهيأ لافتتاح طور جديد من السير في مسالك النمو والترقي والمجد.. أجل، بعد أسابيع قليلة تتركز لدى الناس أضعاف مضاعفة من أشذاء الحياة وأكاسير التوثب لمعانقة الرؤى التي بات نيلها متاحا وفي وضح النهار.. إننا في البلد الأمين، وسط جمع الطيبين السمر الذين ولدتهم تربة أرضنا الحبلى على الدوام، المخصبة، عشقا وعرقا وصبرا وعطاء.. إننا في الربع الأخضر من شمال افريقيا، نجدد غدا موعدا آخر معنا، نرى بملء عين الفرح، يوما جميلا نصوغه بما أوتينا من حب لايحاء 7 نوفمبر ورمزه الوطني والحضاري الرائع.. نحمل معنا سيرا إلى الموعد، أوكسيجين الحرية، وعبق الفعل اليومي المشترك الذي أنجب في كل الساحات مآثر وبطولات ومفاخر، جعلت العالم يتلفت حبا واجلالا لتونس.. البلد الصغير اللافت، بمقدرته العجيبة على تطويع اللاممكن، وترويض المستحيل، وتخطي عقبات الماضي، مرورا بأسئلة الراهن، إلى ملامح غد مضيء مؤتلق مثل صباحات الوطن، وبراءة الفتية المرتحلين في الدروب إلى مدارج العرفان، وتجاعيد الشيوخ في وهاد خلف مناطق أضحى يغمرها النور، يفلحون الأرض، إيمانا بأن من تعلقت همته بما وراء العرش ناله. أصل الأمل.. فجر جديد تجلى في عمر هذا الوطن قبل سنوات مرت كطيف جميل كحلم تحقق كالمعجزات، لا يستحق الفتى عندنا أن تقص عليه الحكاية، لأنه يعرف جيدا ما يجري عنده، لأنه بكل بساطة شريك وفاعل أول في مسار بناء الوطن وإعماره.. هنا تونس، فيها قبل سبع عشرة من السنوات، انطوى عهد الخجل والوجل، وانبجس سيل من الأمنيات، يدلي كل التونسيين بدلوهم، يقولون بصوتهم وفعلهم نحن هنا، ولى عهد الغياب، والامحاء والاستلاب.. ولى زمن الصمت والتقزم والتيه واللاانتماء.. الكل من تونس.. والكل لها.. هذا المبتدأ.. وهذا العهد.. وهذا المدى وبيت القصيد، وهذا شعار المرحلة، ومتجه القافلة يقودها رجل أصيل وفي وشهم.. يترجل طويلا، يتنفس بعمق من عشق الملايين الصادق، ليملأ رئتيه من دفء الناس، ويقترب من الأهل يبسط بين أيديهم أكف الحب والوفاء.. لترتسم سيماء الأمانة.. نحملها.. ونتحملها من أجل الشعب.. ومن أجل التاريخ.. ها نحن معا نسير هنا وهناك، نجدد العهد ونقول ملايين الأصوات المؤتلفة، وملايين العيون المؤتلقة بدمع الحب والوفاء، لمن يحمل نبض الأرض، ويجمع تضاريس المواطن.. ويمتد إلى حدود الوطن.. هذا الذي ولدت معه من جديد، بطاقة عبور إلى المصير المأمون/المأمول.. هذا الذي يدنو من كل القلوب، يعلن عبر فيض ما قد للتونسيين في سنين التحول، فعلا خالصا حول الكثير من سراب الأمس نعيما نضرا يسعد به الذين تناءى بهم المكان، واستضعفتهم الأيام، ولفهم الألم في مناطق الظل.. هذا الذي جادت به كف القدر، ليقود دوحة المغرب الخضراء في رحلة صعود جديدة، ويسير بتونس واثق الخطوة، واضح المنهج، راسخ اليقين.. وهو ذا يمضي، احتراما لإرادة الشعب، يمضي بالحلم بعيدا، ليكون كل ما كان بعضا من أمل الشعب الموعود.. فتونس التي انطلقت مع بيان السابع من نوفمبر مع برنامج واضح المعالم، صالحت به الحياة، وحجزت موقعا في القادم الموثوق، بعد مراوحة مرتبكة، شارفت الفتنة وأدركت شفا الهاوية.. وكان، أن ابتدأ بالأمس مستقبل الجيل.. فتونس اليوم جديرة بحياة أرقى، ونوعية عيش أرفع، وأيام أكثر ازدهارا واشراقا.. وهو ما صاغه ابنها البار حين وضع حياته على كفه، وخطب مجد شعبه، ووضع عاليا، متجه الأمل، ودعا الجميع للمشاركة والفعل والتضحية.. من ينسى تلك اللحظات الخالدة في عمر الفرد والشعب والحضارة والتاريخ، عندما قدمت الاذاعة صوت البشرى، وزف للحائرين، ارهاصات الولادة الجديدة.. من ينسى تلك الهبة الرائعة، لجموع الأوفياء يردون على تحية الرجل بأخرى أجمل منها، معلنين بداية ملحمة وطنية متفردة طافحة بمعاني المثابرة والجد والتألق والفداء.. لم تكن في حسبان قراء التاريخ المعاصر، أن يبدع التونسي في تجربته الوليدة بعد العودة من درك المخاطر والمحاذير والكوابيس التي طوقته.. لم يكن في حسبانهم أن ينطلق بالصدق والوعي والإرادة، بروح من الاتقاء الجمعي حول تونس ومن أجل الوطن، ويتقدم سيرا إلى ذرى مجده، دونما اكتشافات نفطية مباغتة، أو وصفات خارجية ساحرة، ولا حتى شعارات حماسية خارقة.. عدا: بل قل لتحيا تونس.. بها ولد المشروع، ومن أجلها انطلق الركب من جديد، وعلى قاعدتها الذهبية تحركت السواعد وقبلها الأفكار تتعاون لترسم معالم السبيل التونسي الواعد بصياغة لوحة التقدم والنجاح، كما يحلم به كل التونسيين.. لأجل ذلك كان المنهج واقعيا، والطريقة تونسية، والسياسة قريبة من نبضنا ولهجتنا، الآن وهنا في المدن والريف والقرى والجبال والمصانع والمدارس والحضائر والبيت و.. كان من مفاتيح العبقرية في صفحات الفكرة / المعجزة من صدق الايمان إلى البيان إلى الفعل فالتنمية فالإنسان، اعتماد الديمقراطية على طريقة أخرى أبعد عن النسخ والتكرار وذر الرماد على العيون، فكانت الاستشارات المتوالية، تكريسا تونسيا صادقا لمنهج القرب من كل مواطن، من كل فرد، من كل شاب.. ولذلك ما كان مستغربا أن ينصب العمل منذ الأيام الأولى لافتتاح المشروع الجمعي بالشباب ومن أجله وأن يستقبل في زمن قياسي كل أدوات الفعل والمبادرة والتعبير والابلاغ والمشاركة.. وكان الشباب قوة/ ثروة سرعان ما استحالت وقودا يغني الثورة الهادئة، وكان بين شرائح شكلت قاطرة المشروع وحركت الوطن في مسيرة نمائه في الجامعة والمدرسة وفي كل فضاء وجهة وحي.. وانطلق الركب بنظر استشرافي، وفكر مستقبلي، وحرص واع على استباق الأحداث، وبناء الحاضر الزاهر دونما مساس بحقوق الأجيال القادمة في التنمية المستدامة.. ومضى الركب يعالج أوجه المعاناة بصدق وجدية، ويصافح المشكلات والهموم، يصلح ويبني، ويعمر، ويدفع عجلات الحياة، وسرعان ما تحركت آليات التنمية وقاربت السرعة القصوى بحامات هائلة من مقدرات الشباب والشعب، وطاقات بني وطني على المغالبة والتجديد والابتكار.. وصح للكثيرين مقارنة البلاد بتنين افريقي زاحف كمثل عباقرة جنوب شرقي آسيا، ولم تفتش الأعين هنا عن التفخيم الأجوف، ولكن الأرقام ظلت في سيرها نحو الدرجات قياسية بالمقارنة مع الامكانيات المتاحة ومع البلدان المشابهة، وهو ما شهدت له أعتد المنظمات والمؤسسات الدولية.. ولم تتوقف المسيرة، للمباهاة ولاستهلاك نصيب من متعة النصر وتمجيد الذات.. فلا وقت لغير السير صعدا، حتى ندرك القمة الشماء، وتكون لتونس بقعة أرفع تحت الشمس.. ويردد العالم: من شاء أن يتدرب على التقدم، فلينظر إلى تونس، من شاء أن يدرك في وثوق وهدوء أمان النماء بلا تعقيد أو مجازفة فليقتبس من تونس، من شاء أن يستند إلى منجم لا ينضب من طاقة متجددة إلى ما بعد رحيل المحروقات التقليدية، فليقرأ كتاب تونس. هي بكل بساطة جولات في معركة تونس اليوم مع تحديات المرحلة، ستقودها بتبصر، أنامل خبرت الناس، فهي من معدنهم، وفقهت لغة الوطن وقد افتدته حين انصرف عنه آخرون، وأجادت لغة المواطن، وقد عايشت أشواقه وكيفت الخطط وفقا لأحلامه ووظفت الجهود لاستئصال أسباب عنائه وتعبه وشقائه.. تلك ببساطة ألوان مضيئة في لوحة رسمناها معا على امتداد سبعة عشر ربيعا منذ خريف السابع من نوفمبر.. تلك ملامح مما قلنا واخترنا وفعلنا.. معا.. من أجل الوطن والأمل والمستقبل الآمن والأفضل. ها هي القاطرة تسير.. وها هو الأمل يتضاعف مع ما حبا به اللّه الأرض وأهلها الطيبين، من أجنحة تقودها بإذن اللّه إلى آفاق أرحب من الخير والنماء.. رائدها ابن الوطن الحامل على أكتافه تفاصيل المشروع، السائر مع شعبه، على طريق العمل الجاد والمتضامن.. حتى ترقى إلى قمة هي بها جديرة، مصاف البلاد المتطورة والمتقدمة على كل الأصعدة وفي كل المجالات..