تعيش بلادنا وعملية الانتقال الديمقراطي هذه الأيام فترة عصيبة يسودها التراشق بالتهم وتوسع العنف المادي واللفظي وانتشار الفوضى وغياب الاحساس بالأمن والأمان وهي ظواهر خلقت حالة من الخوف والاحتقان بدأت تتعاظم في مجتمعنا. هذه السلوكات والأفعال التي ميزت المشهد السياسي الوطني وتعدّته الى الشارع وعبّر عنها بالاحتجاجات والمظاهرات والتخريب والنهب، كانت مسؤولية الحكومة والأحزاب والمواطنين وعديد الهياكل الرسمية. مسؤولية الحكومة في ما حدث تكمن في بطء تحركها في معالجة كل الملفات التي تعهدت بها وهو ما أدى الى تأخير كبير في اتخاذ عديد القرارات الهامة التي ظل التونسيون في انتظارها. كما أن سياسة الحكومة الانتقالية كانت ضعيفة ولفها الغموض والتعتيم وهو ما أدى الى فقدان المعلومة الصحيحة والدقيقة والى تغذية الاشاعة ورواجها. ويضاف الى هذا ضعف الوزير الاول المؤقت في التواصل مع الأحزاب والصحافيين وكافة أفراد الشعب إذ لم يجب عن الأسئلة المطروحة التي كان التونسيون يبحثون عن اجابات واضحة ومقنعة لها علاوة على استفزاز عديد الأطراف التي ردّت بأشكال متعددة ورأت أن خطابه ظل استعلائيا ويخفي تفرّدا بالرأي. وساهمت قوات الأمن بعنفها المبالغ فيه عند تفريق المتظاهرين في تأجيج الاحتقان خاصة بعد الاعتداء على الاعلاميين وملاحقة بعضهم في مقرات عملهم وهو ما كشف ان طريقة قوات الأمن لم تتغيّر وأن الحديث عن المصالحة مع المواطن مازال بعيدا. وغابت عن أغلب الأحزاب السياسية وأساسا تلك التي تميزت بحراكها الكبير عقب الثورة القدرة على التأطير الميداني وتغليب صوت العقل والتسامح والدفع الى تهيئة مناخ ملائم لتنظيم انتخابات ديمقراطية وشفافة يكون صندوق الاقتراع حاسما في تصعيد قيادة جديدة تحقق الانتقال الديمقراطي وتجسّمه. وأعطت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي صورة سيئة لعديد المواطنين من خلال اللقطات المصوّرة التي بثتها الفضائيات حول طريقة الحوار وإدارة الخلاف بين أعضائها إذ كشفت عن فوضى لا تليق بنخب البلاد وعن غياب القدرة على التوافق. الأيام الماضية أكدت أيضا ان جزءا من التونسيين مازالوا أوفياء لتبني أفكار أو نصرة أشخاص دون تدقيق أو احكام العقل واللجوء الى ردود أفعال زادت في خلق أجواء الفرقة والتجاذبات والخلافات وسوّقت لمفاهيم جديدة لا تدخل حتما في خانة حرية الرأي والتعبير. إننا اليوم أمام إشكال حقيقي لا يمكن الخروج منه الا إذا تظافرت كل الجهود وتغلّبت روح المصالحة وساد العقل على العاطفة وبادر كل طرف بنقد أدائه قبل انتقاد غيره.