وزير الخارجية يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية المقيمين بالعراق    تنفيذ بطاقة الجلب الصادرة ضد سنية الدهماني: ابتدائية تونس توضّح    مظاهرات حاشدة في جورجيا ضد مشروع قانون "التأثير الأجنبي"    حالة الطقس ليوم الأحد 12 ماي 2024    أزعجها ضجيج الطبل والمزمار ! مواطنة توقف عرض التراث بمقرين    عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    يوم تاريخي في الأمم المتحدة :فلسطين تنتصر... العالم يتحرّر    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    سليانة: الأمطار الأخيرة ضعيفة ومتوسطة وأثرها على السدود ضعيف وغير ملاحظ (رئيس قسم المياه والتجهيز الريفي)    مقرر لجنة الحقوق والحريات البرلمانية " رئاسة المجلس مازالت مترددة بخصوص تمرير مبادرة تنقيح المرسوم 54"    شيبوب: وزارة الصناعة بصدد التفاوض مع مصالح النقل لإعداد اتفاقية لتنفيذ الالتزامات التعاقدية لنقل الفسفاط    مصادر إسرائيلية تؤكد عدم وجود السنوار في رفح وتكشف مكانه المحتمل    انضمام ليبيا لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل    النادي الافريقي: فك الارتباط مع المدرب منذر الكبير و تكليف كمال القلصي للاشراف مؤقتا على الفريق    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    بطولة الاردن المفتوحة للقولف - التونسي الياس البرهومي يحرز اللقب    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    6 سنوات سجنا لقابض ببنك عمومي استولى على اكثر من نصف مليون د !!....    كيف قاومت بعض الدول الغش في الامتحانات وأين تونس من كل هذا ...؟؟!!.    سوسة: بطاقات إيداع بالسجن في حق عشرات المهاجرين غير النظاميين    سوسة: أيّام تكوينية لفائدة شباب الادماج ببادرة من الجمعية التونسية لقرى الأطفال "أس أو أس"    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    تنظيم الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية من 14 إلى 21 ديسمبر 2024    مهرجان الطفولة بجرجيس عرس للطفولة واحياء للتراث    تطاوين: إجماع على أهمية إحداث مركز أعلى للطاقة المتجددة بتطاوين خلال فعاليات ندوة الجنوب العلمية    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    عاجل/ الاحتفاظ بسائق تاكسي "حوّل وجهة طفل ال12 سنة "..    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    المهدية.. إفتتاح "الدورة المغاربية للرياضة العمالية والسياحة العائلية"    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    القيادي في حركة "فتح" عباس زكي: " الكيان الصهيوني يتخبط لا قيادة له.. والعالم على مشارف تحول جديد"    لويس إنريكي.. وجهة مبابي واضحة    الجامعة التونسية لكرة القدم تسجل عجزا ماليا قدره 5.6 مليون دينار    الحرس الوطني يُصدر بلاغًا بخصوص العودة الطوعية لأفارقة جنوب الصحراء    وزير الخارجية يعقد جلسة عمل مع نظيره العراقي    رئيس الجامعة بالنيابة جليّل: اعجاب كبير بعمل الوحيشي وسنبقي عليه    صفاقس: الإحتفاظ بشخصين من أجل مساعدة الغير على إجتياز الحدود البحرية خلسة    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    هذه المناطق دون تيار الكهربائي غدا الأحد..    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    تونس تشهد موجة حر بداية من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    البطولة العربية لألعاب القوى تحت 20 عاما : تونس ترفع رصيدها الى 5 ميداليات    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ كمال القفصي ل«الشروق»: المجلس الأعلى للقضاء معلّق.. ورفع الحصانة عن الراجحي بلا معنى !
نشر في الشروق يوم 15 - 05 - 2011

في حوار أجرته «الشروق» مع الأستاذ كمال القفصي المحامي لدى التعقيب والمختص في العلوم السياسية والقانون الدستوري والدولي،حول الوضع الراهن والمشهد السياسي وتجاذباته والأداء الحكومي، لاحظ محاورنا:
٭ لماذا آل الوضع الحالي إلى ما عليه وما السبب؟
السبب الرئيسي في إحتقان السلم الإجتماعي وإضطراب البلاد وضجر العباد هومشروع القانون الإنتخابي على القائمات للمجلس التأسيسي، صنيعة عصبة الهيئة الإستشارية للإنتقال الديمقراطي، وقد إنحرفت عن تحقيق أهداف الثورة بمصادرتها حق الشعب الناخب في إرادته الحرة لإختيار نوابه،وشوهت ذلك الحق وإنتقصت منه دون مبرر وأي وجه حق في إعتمادها طريقة الإقتراع على القائمات.ومن يسوق لخلاف ذلك، من قبيل الذهن الغبي أوالبهتان الجلي أوالرياء الخفي، على قول الله عزّ وجلّ:
« مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوه كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا» لأنهم يعلمون علم اليقين، وإن لم يكن،بإمكانهم ذلك،موطن الحق من الباطل والخطأ من الصواب والجميل من القبيح والسليم من عدمه، ومع ذلك فهم يصرون على حديث الإفك في تفديم المشروع الإنتخابي المشؤوم على أنه أقل سوء مما يكون أوأفضل ما يكون . عجبا من جدّهم في باطلهم . ويقولون ويردّدون بلا وعي ولا إستحياء أن المشروع المذكور يمنع أي حزب من الأغلبية لوحده، ويراد منه رسم ملامح تركيبة المجلس التأسيسي، ضاربين بذالك عرض الحائط مفهوم الإنتخاب الحر والمباشر ويفرغونه من مضمونه الديموقراطي الحقيقي ليصبح الشعب الناخب أداة تبرير لعملية انتخابية مزورة في جوهرها وأساسها . إذ لا يمكن لأي عاقل وحتى دون ذلك، في أهل الأرض أن يقبل إقتراعا لا يتمتع فيه الناخب بإرادته الحرة كاملة في الإختيار والتشطيب وغيره، وليس أن تفرض عليه قائمة مغلقة برمتها من المترشحين ليصبح مسيرا ومضطرا وليس مخيرا فعليا وحسيا في ممارسة حقه الإنتخابي الذي يؤسس لشرعية الحكم .
٭ لماذا يفعلون ذلك؟
كل الدلائل والمؤشرات تفيد أن الذين لا يجد القلم ولا اللفظ اسما لفعلتهم،آثروا خلافا لإتجاه الرأي العام والمختصين، تغليب أهوائهم الإديولوجية والسياسية الماكرة، إستجابة لرغبة الصلف الفرنسي الأمريكي المقيت (راجعوا مقال إبتهاج أروبا بالمشروع الإنتخابي.. تدخل سافر.. «الشروق» 17/04/2011 ص27) على أصل الحق المناط بعهدتهم صياغته، واقتراح قانون إنتخابي حر ومباشر ونزيه، ومنطوق العبارة الصريح يقطع مع التأويل، فخرجوا عن التكليف المذكور واستنبطوا قانونا غريبا لا أصل له في الواقع. والحال أنه في أول تجربة إنتخابية حقيقية ضمن مجتمع مدني لم يستكمل أوضاعه ورسوخه المؤسساتي، لا يمكن ولا يجوز بأي وجه أن تعتمد غير طريقة إنتخاب الأفراد، لأنها وحدها كفيلة بممارسة الناخب لإرادته الحرة والمباشرة بكل يسر وبساطة،في إختيار نائبه دون أيّ معوق ولا تزوير لمقاصد إرادته وإختياره في عملية الإقتراع . وهؤلاء يثبتون على أنفسهم أنهم لم يتحرروا ولم يتخلصوا من النمطية الغربية بينما الشعب تحرر وفي طوراستعادةكرامته، فكأنّ الله عز وجل غيّر ما بالقوم ولم يغير القوم ما بأنفسهم.وبالمحصلة فإنّ العصبة المذكورة رئيس الهيئة والخبراء وأعضاء،يشفق عليهم لإنفضاح أمرهم، وتعلق التزوير التاريخي لإرادة الناخب بأسمائهم إن تمّ إقرار وصدور القانون على صيغته،فهنيئا للمنتصر المشفق عليه المتورط في أخلاق العبيد بدلا من أخلاق الأحرار، « فليعمل كلّ على شاكلته» ق ك، «ذوالعقل في النعيم بعقله... يشقى وأخوالجهالة في الشقاوة ينعم»(المتنبي).
٭ ماهي الآثار المتوقعة بالنتيجة للإنتخاب على القائمات ؟
انتخاب القائمات، يهز السلم الإجتماعي والوفاق الوطني ويضعف شرعية الحكم، لأنّ نتائج الإنتخابات مهما كانت وبأي وجه تم ضبطها، لن تفضي للمقبولية السلمية السليمة، التي تؤسس لشرعية الحكم الرشيد. والمقصود بتلك المقبولية التي تنزل على الناس والشعب الناخب بردا وسلاما لأنها غير مشوبة بأي لبس أن يعتريها. ولاتتوفر تلك المقبولية السليمة إلا بالإقتراع على الأفراد لأنها تحمّل الناخب الحرّ عبء الخسارة مسبقا إقتضاء الآلية الديمقراطية. بينما،بإقترع القائمات المشبوهة والمسيرة، يرضى الناخب إعتباطيا عند الفوز ويرتد عن ذلك عند الخسارة لأنه يحس بالغبن والتغرير نسبة لطريقة الإنتخاب المشبوهة فنحصل تباعا على مقبولية غير سليمة للإنتخابات وينجر عنها تراكما مضافا في الغضب والحنق.
فمنذ أسابيع والشارع يغلي غليانا مثيرا في الفضاءات العمومية والندوات واللوائح الشعبية من عدّة ولايات، مطالبة الحكومة بإعتماد الإنتخاب على الأفراد، والحكومة والإعلام الرسمي يتجنبون الخوض في ذلك، شاغلين الناس بهامشيات مفتعلة للتضليل، بينما قطاعات عريضة وفئات كثيرة من الشعب يدركون جيّدا وبوعي وبصيرة أنّ الحكومة المؤقتة والإعلام والأحزاب يتعمدون الضبابية والتضليل بتلك المواضيع الهامشية لتمرير قانون الإنتخاب على القائمات، الذي سرعان ما تنفر السواد الأعظم من الناس لتعقيده وصعوبة استيعابه والجدل المرافق له، وظلوا يرتقبون،آملين من الحكومة تصويب القانون المقترح، ولما إنساقت الحكومة أوأشارت بذلك للقانون المقترح بدأ الضجر والتململ بين الناس والمختصين،وجاء التوظيف الإعلامي المشبوه لتصريحات وزير الداخلية السابق ففاض التنور، بفعل المتربصين الهائمين، والحقيقة أنّ تلك التصريحات الغير رسمية تمّ تهويلها عمدا واستغلالها إعلاميا،لصرف النظر عن مربط الفرس الحقيقي وجوهر الموضوع الشعبي، ذي الصلة بقانون الإنتخاب على القائمات، فانفجر الوضع تباعا إلى الحد المعلوم. أهوذا الذي صار وهان وكان على قول سيّد دويش. فلا مجال عندئذ للتضليل والإفك، لأن الحق أحق بالإتباع،وهوأوسع وأرحب وأوفى للسلم الإجتماعي والوئام المدني.
٭ ما المرغوب من الحكومة بالتدقيق في هذا الصدد (قانون الإنتخاب)؟
المطلوب من الحكومة والرئاسة المؤقتة تصويب مشروع القانون الإنتخابي المذكور إستجابة لمطالب الشعب المتواترة ورأي أغلبية المختصين، دفعا لشبهات التدخل الأجنبي بشأنه، وذلك بإستبدال طريقة الإقتراع على القائمات المقترحة، بالإقتراع على الأفراد كما أسلفنا، وأضعف الإيمان إعتماد القائمات المفتوحة وليس المغلقة، حتى يمارس الشعب الناخب حقه في الإنتخاب بصفة حرة ومباشرة فعلية وحقيقية . وإن أقرت وأصدرت القانون المشؤوم المذكور على صيغته، فإنّ ذلك يفقد الحكومة والدولة حيادها الوجوبي وينال من صدقيتها تجاه المجتمع، ويجعل الشعب ملك الدولة بدلا من الدولة ملك الشعب ويتحمل القائمون عليها تباعا المسؤولية التاريخية والقانونية والشخصية في ما سلف بيانه.ومع ذالك يمكن التدارك إلى غاية الساعة إن رغب من له الأمر الإستجابة لأمانة الشعب, بإصدار أمر تطبيقي وتوضيحي, ويضيف ويلحق عبارة «مفتوحة» لطريقة القائمات المعتمدة في القانون الإنتخابي المذكور. «يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهومعهم إذ يبيّتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطا» 107 النساء.
٭ ما تعليقكم حول أداء الحكومة المؤقتة؟
شغفها بالحاكمية أضاع رشدها ...
في خصوص الندوة التلفزية المباشرة للسيّد الوزير الأول،بقدر ما أعجبني كتابه : Bourguiba le bon grain et l'ivraie
مذكرات في شكل رواية تاريخية أدبية جيدة وثرية. بقدر ما أساءني وأزعجني أسفا أداءه عامة وخطابه خاصة، وكأنه ليس ذات الكاتب والرجل. فقد إستمعت إليه بإهتمام وتركيز شديدين، لفك ما وراء السطور والمسكوت عنه والملتف عليه من الأسئلة والرسائل الضمنية التي فضت وتسربت من سياق حديثه.
٭ ما وجه الأسف بالتحديد؟
1 ردّ رسمي عنيف،بواسطة قنوات إعلام رسمية وحكومية، على تصريحات غير رسمية، وردت بواسطة إعلامية مشبوهة في توظيفها (ليست وسيلة إعلام رسمية معترف بها ولا يعتد بها قانونا) نسبت لوزير الداخلية السابق،ولا يزال حينها ضمن فريق الحكومة بصفته الوظيفية على رأس الهيئة العليا لحقوق الإنسان . فهل كان مناسبا وأنيقا، من السيّد وزير الأول بالحكومة المؤقتة أن يردّ أصلا على هكذا تصريحات غير رسمية، ومهتزة، وتمّ تداركها في الإبان ، بصورة أعنف وأكثر إثارة للجدل من سببها. ما كان له الإنحدار بالخطاب السياسي للحكومة وهورئيسها إلى ذلك المنزلق والجدل البيزنطي المراهق، متناسيا ومتغافلا عن صفته، فالناس كافة ينتظرون ويأملون من الخطاب الرسمي للحكومة ما يجلب الإطمئنان والأمان والثقة في النفس وفي حكومتهم، والسعي الدؤوب إلى تحسين الأوضاع الأمنية والإقتصادية، وليس الخوض مع الخائضين أوالوقوع في مطبات الضغط الإعلامي المفتعل.
لم أكن أتوقع منه مثل ذلك الردّ الغير مناسب ولا الملائم، على تصريحات غير ذات موضوع جدي يستدعي التدخل في أعلى مستوى. قد قال بنفسه أنّ «السياسي يجعل من القبّة حبة» لكنه فعل العكس تماما.ويبدو لي أنه يفتقر لمستشار سياسي وإعلامي حاذق ماهر ونبيه، يقيه الوقوع في مثل تلك المآرب
٭ ما رأيك في اجتماع مجلس الأعلى للقضاء بنية رفع الحصانة عن القاضي والوزير السابق المذكور؟
إنّ في ذلك محاولة يائسة وغير قانونية بالمرة، في غير طريقها، وليست مستساغة بأيّ وجه. لأن المجلس الأعلى للقضاء معلّق شأنه شأن الدستور السابق، ولا ينعقد بصفة شرعية قانونية إلا بعد انتخاب أعضائه على الوجه الصحيح والسليم. وإن فعل خلاف ذلك فإنّ اجتماعه مطعون فيه ومشوب باللاشرعية، ومثل ذلك قراراته إن وردت، ولايسوغ للقضاة إستدراجهم في جدل سياسي لا معنى له نسبة لعهدتهم. والأخطر من هذا وذاك أن ذلك الإجراء التعسفي إن استكمله أصحابه سيكون سابقة خطيرة في مصادرة حرية التعبير ونحن في طور بناء الجمهورية الثانية وهي أقدس وأعلى درجة من كلّ الحقوق.
فإعفاء الوزير المذكور من مهامه الوظيفية السياسية على رأس الهيئة العليا لحقوق الإنسان لعدم إلتزامه بواجب التحفظ في الأداء الحكومي، هو أقصى إجراء سياسي يمكن إتخاذه في جانبه، أما حشر السلطة القضائية في الموضوع أومحاولة إستعمالها في جدل سياسي، هي بطبيعتها مستقلة ومحايدة عنه بصفتها غير مقبول البتة، ناهيك وأنّ المجلس الأعلى للقضاء لا ينعقد شرعيا في المرحلة الحالية وقبل إستيفاء إنتخابه كما أسلفنا، وأملي في أنّ القضاة لن ينطلي عليهم ذلك.
أما شغفه بالحاكمية أضاع له الحكمة والرشد،متناسيا صفته المؤقتة في تناول المسألة. وإصراره المكرر حول كيفية وطريقة الحكم بالنسبة لصفته وعهدته المؤقتة، فذلك ينطوي على خلط وسوء تقدير غير مبرر وخطير لمفهوم وطبيعة ومدى النظام المؤقت للسلط العمومية, موضوع المرسوم عدد14 المؤرخ في 23 /03/ 2011، وهو بمثابة الدستور المؤقت، الفقير جدا من جهة صياغته الدستورية الرديئة والمرتجلة،إذ لم يشتمل على إعلان مبادىء ترجمان المرحلة الحالية والإتجاه المفترض إتباعه .وفي تقديرنا فإن صياغته المقتضبة والغير واضحة والدقيقة بالقدر الكافي، جعلت نفاذ مقتضيات السلط العمومية في غير تناغم وإنسجام كما يجب. فحكومة تصريف الأعمال بالنظام الدستوري المؤقت، لا تتمتع أصلا بصفة الحكم السياسي ومشمولاته، وصلاحيتها المؤقتة، ذي صلة بتصريف أعمال الحكومة، لها صبغة مدنية إدارية صرفة، ولا ترتقي لمفهوم الحكم السياسي كما صرّح، لأنه منعدم بطبيعته في النظام المؤقت، وفي ذلك تجاوز مزدوج لصلاحيات رئاسة الجمهورية المؤقتة الركن الثاني في النظام المؤقت وصلاحيات الجيش الوطني الركن الأول في ذات النظام،على اعتباره تنزل في حالة طوارىء سابقة لإعلان النظام الدستوري المؤقت. فحضر الوزير الأول يمثل الركن الثالث للنظام المؤقت المذكور، وليس الحكم السياسي، بقدر ماهورمز الحكومة المدنية الإدارية لتصريف الأعمال، المتفق عليها، والسلطة القضائية في شخص القضاة تمثل الضامن القانوني لها، لإستمراريتها ودوامها.وحتى رئيس الجمهورية المؤقت لا يمثل الحكم السياسي الذي لا ينعقد قانونا ودستورا إلا بالإنتخابات الشرعية .بل هورمز وضامن لإستمرار النظام الجمهوري، وتنفيذ القوانين والأحكام .
بينما الجيش الوطني ونحن في حالة طورئ طبق الأمرين عدد 184في 15/01/2011 وعدد 185 في 14/02/2011 هوالماسك الوحيد بالشرعية الأصلية الدائمة والمستقرة وهوالضامن لإستمرارية الدولة ووحدتها ومناعتها ونفاذ النظام الدستوري المؤقت المعلن في ظلّ حالة الطوارىء تلك.
إذا النظام الدستوري المؤقت المسمى التنظيم المؤقت للسلط العمومية، طالما أعلن ونفذ في ظلّ حالة الطوارىء فإنه يقوم أساسا على حماية الجيش الوطني بصفته،لأنّ شرعيته أصلية دائمة ومستقرة
وتحظى بالمقبولية الشعبية قبل 14/01 وبعده 24/07 ، فكيف يمكن لمن يمسك ويتمتع بالشرعية الأصلية الدائمة، ويضطلع بحماية الوطن والشعب والثورة، في غياب الحكم السياسي الشرعي المِؤسس على الإنتخابات، أن يكون تابعا لمن يمسك بشرعية مؤقتة توافقية؟ أليس في ذلك خلل وخلط في مفهوم وطبيعة النظام المؤقت وأركانه . فلوتم إعلان النظام الدستوري المؤقت، في غير حالة الطوارىء السابقة له،لكان إجتهاد السيّد الوزير الأول في هذا السياق مصيبا وفي طريقه. لكن والحالة الواقعة عكس ذلك فإنّ ممارسته وفهمه للنظام الدستوري المؤقت معيب بكلّ الأوجه وإتجه تصويبه وتصحيحه. فعندما يصرح في الندوة الصحفية السابقة أنّ الجيش غير خارج عن الحكومة، أوفي الندوة الأخيرة التأكيد على أنّ السيّد رئيس أركان الجيش، ذهب في زيارة «مع رئيسه» فإنّ ذلك ينبه ويؤشر على انعدام الإنسجام ووحدة العمل والخطاب في أداء الوزير الأول في مهامه.
بينما الأصل المستقر،أنّ الجيش الوطني بموجب حالة الطوارىء السارية قبل إعلان التنظيم المؤقت، هو المشرف عن إعلانه والضامن لنفاذه،علاوة على اضطلاعه بالأمن العام والدفاع عن الوطن وحماية الثورة والشعب، وهوتباعا الحامي والضامن لعمل الحكومة المؤقتة فلا هوخارجها ولا داخلها بالمعنى الذي إستعمله السيّد الوزير الأول، بل هومحيط بها يقوم بالإسناد والمتابعة والتدخل عند الإقتضاء لتسريع أوتصويب مجريات الأمور.
وخلاصة القول في ذات السياق أنّ النظام الدستوري المؤقت الحالي يقوم على أربعة أركان إثنين دائمين الجيش والقضاء وإثنين مؤقتين رئستي الجمهورية والحكومة، حسب السلم الهرمي التالي :
أولا : الجيش الوطني رمز وحدة وإستمرار الدولة ومناعتها وحماية الشعب والثورة والوطن والأمن العام، وهوالضامن والمشرف على النظام المؤقت المذكور ونفاذه.
ثانيا: رئيس الجمهورية المؤقت رمز وضمان إستمرار النظام الجمهوري ونفاذ القوانين والأحكام.
ثالثا: الحكومة المؤقة برئيسها وأعضائها بصفتها حكومة تصريف الأعمال الإدارية والمدنية الصرفة.
رابعا: سلطة القضاة في أشخاصهم وصفتهم إلى حين إنتخاب مجلسهم الأعلى، وتمثل الضمان القانوني لحكومة تصريف الأعمال المؤقتة .
من ذلك الخلط والخلل المشار إليه، لم تفعل الحكومة ما يجب في معالجة الملف الأمني لبلوغ أفضل الأوضاع، وقد تراجع السيّد الوزير الأول في ما تعهد به في خطابه الأول نسبة لعدم إقالة أيّ وزير أوإنتداب وزير من النظام السابق، بعد ثلاث أسابيع من تعهده، مما أربك أدائه العام والخاص.
ولم يفعل كذلك ما يجب في ملف الفساد أوما يكفي لاستعادة ثقة الشعب في حكومته ومصدقيتها في عملها، وتقاعست في إستجلاب المال المهرب، حتى جاءت، رئيسة حكومة سويسرا، تعاتبنا على ذلك التقاعس والتأخير في إستيفاء الملف القضائي للرئيس الهارب وإسترداد أموال الشعب .
فلم يستوعب السيّد الوزير الأول على الوجه الصحيح، حاجة الشعب والشباب الملحة للإطمئنان والثقة والوضوح والشفافية .
٭ من المتسبب في الخلل الذي أشرت إليه إن جاز تسميته كذلك؟
هيئة الإنتقال الديمقراطي المنحرفة عن عهدتها ومسارها هي التي أربكت الآداء الحكومي، لأنها تتصرف كالبرلمان المنتخب وهي ليست كذلك، وهي أيضا بواسطة رئيسها وعصبته وأغلبهم من النظام البائد، الكارهون لدور الجيش وخشيتهم منه، ساهموا من حيث لا يشعرون أوعمدا. في خلق نوع من الفتور بين أركان ومكونات النظام الدستوري المؤقت. قال المعري:
«يسوسون الأمور بغير عقل فينفذ أمرهم ويقال ساسة...فأف من الحياة وأف مني ومن زمن رئاسته خساسة».
٭ ما العمل حسب تقديرك لتدارك ذلك ؟
ليس أقل من المصالحة الوطنية على كل المستويات على أسس سليمة، إذ لا بناء وطنيا دون مصالحة وطنية خالصة. ولم الشمل والعمل على تحقيق الإنسجام والتناغم بين مكونات وأركان النظام الدستوري المؤقت مع وجوب إحترام السلم الهرمي للشرعية كما بيّناه أعلاه.
لأنّ في ذلك أكبر رسالة توفر الإطمئنان والأمان للناس وتبعث فيهم الثقة والأمل في الأيام الاحقة.
والتحلي بروح المصالحة الوطنية الخالصة والبناء المشترك للمصير المشترك «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» على قول سيّد الخلق محمّد خاتم الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام وكافة المرسلين.
والله ولي التوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.