تونس الشروق محمد علي خليفة من جماعة «تحت السور» مرورا بمختلف مراحل الحركة الوطنية التونسية مثّلت المقاهي منابر سياسية بامتياز، فيها تلتقي النُخب ويتدارس المثقفون والسياسيون وضع البلاد ويضعون خطط الاصلاح وسبل المقاومة... وتطور «خطاب المقاهي» في تونس وفقا لطبيعة المجتمع حتى جاءت مرحلة التصحر الثقافي والفكري التي طبعت العقود القليلة الماضية لتأتي ثورة 14 جانفي وتعيد ترتيب الأولويات وتغيير الاهتمامات. في مقاهي ما بعد الثورة تبدد الخوف وذهب شبح «البوليس السياسي» ولم يعد الحديث متمحورا حول تحليل مقابلات آخر الاسبوع والجدل حول ما اذا كان هدف هذا الفريق او ذاك مسبوقا بتسلل أو بمخالفة، بل صار الحديث عن «المخالفات» السياسية في خطاب هذا وموقف ذاك وعن «تسلل» المندسين او الارهابيين الى أرض تونس وعن الامن، وأصبح همّ الجميع كيف سيكون مستقبل تونس بعد الثورة واي نظام سياسي قادر على ضخ أوكسجين الحرية لشعب عاش سنوات طويلة من الظلم والاستدداد. «الشروق» تجولت بين بعض مقاهي العاصمة واستطلعت آراء روادها ضمن الريبورتاج التالي: حديث المقاهي تغير فعلا بعد الثورة واصبح الجميع كبيرا وصغيرا يتحدث عن السياسة وخصوصا في شارع الحبيب بورقيبة حيث تساءل الناس عن الوضع وعما اذا كانت هناك مظاهرات أم لا... هكذا علّق زهير بوعلاق (نادل بمقهى) مضيفا ان المشكل يكمن في ضعف الثقافة السياسية لدى الكثيرين ممن يتحدثون كثيرا لكنهم لا يفهمون الا القليل مما يجري في الساحة السياسية. اهتمامات جديدة هذا الرأي يؤكده أيمن (طالب) بالقول إن اهتمامات الشبان خصوصا قبل 14 جانفي كانت تتركز حول «الكرة» التي كانت تمثل المتنفس الوحيد لهم لنسيان مشاكلهم والمصاعب التي تواجههم، أما اليوم فقد أصبح الجميع يتحدث عن السياسة حتى أولئك الذين لا يفقهون أمرها. والمقاهي حسب أيمن أصبحت فضاء لتداول الاشاعات والاخبار المنشورة على صفحات ال«فايس بوك» والمتعلقة أساسا بالوضع الامني في البلاد وبتصريحات بعض السياسيين المثيرة للجدل. حديث أيمن مع أصدقائه حين يلتقون في احد المقاهي لا يخرج عموما عن هذا الإطار حيث يطرح موقفه من انتخابات 24 جويلية ويرى ان من الصعب جدا إن لم نقل من المستحيل ان تجرى في هذا الموعد، ويعتبر أن الخطأ الكبير هو ان تتجه البلاد الى انتخاب مجلس تأسيسي جديد لأن مسار الانتقال سيكون في هذه الحالة طويلا جدا... يقول ذلك وهو طالب الحقوق الذي يدرك صعوبة هذا الخيار ويفهم الفرق بين اختيار نظام سياسي دون آخر. أما مختار وهو شاب متحصل على شهادة عليا وعاطل عن العمل فيعتبر ان ما يشاهده اليوم وما يسمعه من حديث المقاهي ان هناك نظرة تشاؤمية لمستقبل البلاد وذلك يعود إما لجهل الناس ببعض الأمور او لضبابية الوضع. مختار يبدو على خلاف الآخرين متفائلا ويرى ان الأمور تسير بطريقة جيدة فالامن يتحسن حسب رأيه، والمسار السياسي يمضي على السكة الصحيحة ولو بشيء من البطء، موضحا ان العملية لا تتغير بين عشية وضحاها وان البوليس الذي كان قمعيا لن يتحول بسرعة الى «حمل وديع» بل إنه يذهب الى حد القبول بالقمع اذا كان سيؤدي في النهاية الى ارساء الامن وتنقية المجتمع من العناصر المخربة. وتحدث مختار الذي كان مرفوقا بصديقه عن أحداث الروحية مبديا نظرة تفاؤلية لمستقبل الوضع الامني في البلاد رغم التطورات النوعية التي عاشتها تونس في الايام الماضية، ويقول بكل ثقة إنه من المستحيل ان يحصل عنف أو ارهاب في تونس لأنه لا توجد أرضية خصبة للإرهاب ولأن النسيج الاجتماعي التونسي وتكوين نفسية التونسي ضد العنف ولن يسمح التونسي بتمرير هذا المشروع. مخاوف... وضبابية وعلى خلاف ذلك أبدى منيب (موظف) مخاوف من تطور الانفلات الامني الى ما لا تحمد عقباه من تسلل عناصر ارهابية وتنفيذ هجمات في تونس... كان الحديث عن أحداث الروحية وتنظيم «القاعدة» محور جلسة رباعية ضمت منيب وبعضا من أصدقائه، حيث كان يحلل خفايا هذه العملية مبديا مخاوفه من ان يكون التخويف بشبح «القاعدة» مفبركا لتبرير تدخل أجنبي في تونس. منيب تحدث ايضا عن ضبابية الرؤية سياسيا واقتصاديا وأكد ان ما يشغل بال التونسيين بالدرجة الاولى هو ان تتم محاسبة المجرمين ورموز الفساد حتى يهدأ الناس وتعود الطمأنينة الى نفوسهم ويشعرون بأن الثورة حققت بعضا من أهدافها بالقصاص ممن أضرّوا بالبلاد والعباد. كانت المقاهي في شارع الحبيب بورقيبة مكتظة وحلقات النقاش لا تكاد تنتهي أما الموضوع حسب محمد معيوفي وهو عامل بشركة فلا يخرج عموما عن مناقشة الوضع في البلاد من حيث السياسة والامن. محمد يرى أن هناك غموضا بخصوص الوضع الامني في تونس وأن بعض الاحداث التي تجري تبدو كأنها موجهة لإلهاء الناس والتغطية على ثغرات أخرى. أما الأحزاب فهي حسب محمد سلاح ذو حدّين، فإما أن تكون علامة ومؤشرا للديمقراطية والتعددية او ان تكون عبءا ثقيلا على المجتمع التونسي. محمد وغيره كثيرون لم يفهم برامج هذه الأحزاب بشكل واضح، وقادة هذه الأحزاب حسب تأكيدات النادل زهير كثيرا ما يلجؤون الى هذه المقاهي وسط العاصمة ويتخذونها منابر للحوار والنقاش دون أن يتواصلوا مع المواطنين وهذه من سلبيات خطاب المقاهي الذي لا يزال منقسما بين خطاب النخبة وخطابات العامة.