رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مآل الانتقال الديمقراطي في تونس ... تقدير موقف
نشر في الحوار نت يوم 02 - 06 - 2011


جنيف 2 جوان 2011
بعد عقود من النضال من اجل الحرية والديمقراطية والكرامة، استطاع الشعب التونسي، بهروب الرئيس المخلوع بتاريخ 14 جانفي/يناير 2011، بدأ عهد جديد في التاريخ الحديث ، حيث أصبح الشعب ولأول مرة سيد نفسه ومتحكما بمصيره.
هذه الثورة ، التي ألهمت الشعوب العربية الأخرى والحركات الاجتماعية في أوروبا وحول العالم، هو خاتمة رحلة طويلة من التضحيات بدأت لحظة الاحتلال الفرنسي، مع اغتيالات ضد شخصيات كبرى مثل النقابي فرحات حشاد.
منذ بداية انتشارالحركات القومية العربية واليسارية وانتهاء بالحركة الإسلامية "حركة النهضة"، كان ولا يزال القمع عنيفا وداميا لكل هذه الحركات. انتهى في التسعينيات بمطاردة ضد عشرات الآلاف من المواطنين و حصار بوليسي لكل المجتمع، هذا الحصار الفظيع الذي استعمل فيه الخوف والقمع وسقط فيه عشرات الشهداء مما أدى إلى إرساء نظام فاسد وعصابة من المافيا جعلت من البلاد ركاما من الرماد والخراب وذلك في ظل فقدان لجمهورية حتى الآن لم توجد في تونس.
من جانبها ساهمت الحركات الاجتماعية والنقابية (الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحادات الطلابية، الخ.) في إعطاء هذه التحركات بعدا أشمل وأوسع.
في هذا السياق استطاعت نضالات أجيال كاملة من الشباب التونسي وبمساهمة كل طبقات وشرائح المجتمع بجميع قواته إشعال ثورة الكرامة وذلك تحت تأثير صدمة إقدام الشاب محمد البوعزيزي على إحراق نفسه.
اليوم وبعد أكثر من أربعة أشهر على قيام الثورة وفي سياق التوتر الشديد والشرخ السياسي والاجتماعي الناتج لا سيما عن مسألة تأجيل انتخابات المجلس التأسيسي المقررة في 24 جويلية/يوليو 2011، تتقدم جمعية الحقيقة والعمل بهذه القراءة الشاملة حول الوضع العام في تونس بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص في مجال حقوق الإنسان، لتحديد موقف بالرجوع إلى مختلف القضايا، خصوصا تلك المتعلقة بمجال عملها.

I. تحليل الوضع في تونس
1) على مستوى السياسي :
منذ 14 جانفي/يناير 2011 تواترت على البلاد ثلاث حكومات ورئيسا دولة، وتم حل البرلمان بعد إلغاء الدستور وتثبيت الجيش كضامن للثورة، إن هذه المحصلة تعكس أزمة خطيرة للشرعية التي تواجه الدولة بعد الثورة، إذ جاءت هذه الحكومات المكونة من بقايا النظام السابق للرئيس بن علي، جاءت لحفظ مصالح الطبقة السياسية التي حكمت لمدة 55 عاما دون منازع، والذين وجدوا أنفسهم في مواجهة شباب شعر بأنه قد وقعت خيانته من قبل هذه الدولة.
حتى اليوم وعلى الرغم من محاولات إضفاء طابع الدستورية والتوافقية للحكومة المؤقتة في شكلها الحالي، والتي تفتقر إلى الشرعية، فهي غير قادرة على الاستجابة لرغبات ومطالب الشعب الذي قدم مئات الشهداء من اجل إزاحة بن علي عن السلطة.
الجميع يتفق على أن الغالبية العظمى من الوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين في الحكومة "الانتقالية" هم من البورقيبيين السابقين أو من أقارب النظام السابق، وهو ما يفسر من جهة، خيارهم المقصود للالتفاف على ثورة الشعب، ومن جهة أخرى خيبة أمل الشباب والشعب بصفة عامة الذي سرقت منه ثمار تضحياته.
والأسوأ من ذلك وضع اليد من قبل قدماء النظام السابق على الحياة اليومية للناس لا تزال واضحة إلى حد كبير من خلال التعديل الوزاري الذي شهدته وزارة الداخلية، المسؤولة عن جميع الفظائع المرتكبة ضد الشعب والمعارضة السياسية ومختلف مكونات المجتمع المدني.
التصريحات الأخيرة لمسؤول كبير في الأمم المتحدة تؤكد أن البوليس السياسي لم يحل فعلا كما تمت مكافأة المسؤولين التنفيذيين لهذا الجهاز، وأن التعذيب لم يختف تماما. هذه التصريحات أدخلت الشعب والطبقة السياسية والجهات الفاعلة الأخرى في حالة من الفوضى العميقة التي من شانها مزيد تعطيل أي تقدم على طريق التجديد المؤسسي للدولة والمجتمع.
هذه الأزمة حول الشرعية لم تمس الحكومة فقط ولكن طالت كل المؤسسات الانتقالية غير التمثيلية التي وجدت وظهرت لتتضارب مع تطلعات الشعب، مما أثار توترا واضحا على الساحة السياسية ووسائل الإعلام، كل ذلك يحول دون ظهور انتقال ديمقراطي حقيقي أو المساعدة على طي صفحة الماضي، وما الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي إلا مثال على هذا الاختيار.
إن تركيبة هذه الهيئة، التي تم تعيين رئيسها من قبل الرئيس المخلوع للقيام بمهمة مشابهة إلى حد ما، لا تمثل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة ويؤكد نهجها الموصوف بالمركزية، الذي يستثني في جزء كبير منه الشباب والمناطق الفقيرة. كما أن المهمة التي عهدت إليها على درجة من الغموض والضبابية أدت بهذه المؤسسة إلي مناوشات لا تنتهي حول قضايا لم تكن ذات أولوية.
وبصرف النظر عن المحاورالمستقبلية للتحول الديمقراطي، يمكن القول بأن هذه المؤسسة لا تمارس أي رقابة على الحكومة، بتعلة أنها تتألف من التكنوقراط ، في حين أن الجميع يجزم بأنها تتكون أساسا من مجموعات "تنوب" التجمع الدستوري الديمقراطي (المنحل من قبل المحكمة ولكنه متواجد في كل مكان في واقع الأمر)، والحزب الاشتراكي الدستوري الذي عمل فيه رئيس الوزراء الحالي والمحاولات حثيثة لإعادة الحياة إليه.
كما تمّ قمع حركة الشارع أمام مرأى و مسمع هذه المؤسسة و صمت طبقة سياسية ينقصها النضج والتمرس في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد)، تقدمت الحكومة بخطى بطيئة في تحقيق المطالب الأساسية للثورة ، على رأسها السعي إلى إعادة المبالغ المالية الطائلة المهربة إلى الخارج، وحل البوليس السياسي، والقطيعة مع حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، و تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل بيئة اقتصادية واجتماعية متردية، والتي تفاقمت بسبب تردد الحكومة في مواجهة كل هذه القضايا وإيجاد حلول عاجلة لها.
أما بالنسبة للخارطة السياسية، فيشوبها خلط كبير يتمثل في الزيادة غير المتناسبة في عدد الأحزاب السياسية (بما في ذلك ما يقارب عشرة أحزاب تدربت على يد "الفرقة الناجية" من التجمعيين اللذين لم تطلهم يد العدالة الانتقالية التي لم تأخذ طريقها بعد) وخيار التركيز على احتلال الفضاء العام ووسائل الإعلام تحسبا للانتخابات التي لم يعرف تاريخها بعد.
علاوة على ذلك فإن بعض الأطراف تعتقد أن هذا الوضع مأتاه غياب أي تجربة ديمقراطية في البلاد، والتأثيرات التي خلفتها هذه العقود من القمع في واقع هذه الأحزاب، مما جعل مهمة إعادة البناء الداخلي مصدر قلق كبير لها لتحتل تقريبا كل اهتماماتها، برغم أن وجودها ضروري في هذه المرحلة الانتقالية للمشاركة في قيادة مسارات الانتقال الديمقراطي.
الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تحول إلى الحزبية السياسية عن طريق إنشاء حزب العمل التونسي، يبدو غير قادر على إحياء دوره الذي لعبه في بداية الثورة كإطار يجمع وينسق الجهود الشعبية، وذلك بسبب موازين القوى المعقدة داخله.
أمام أرباب عمل فقدوا سلم الأولويات مغلبين سياسة الحيطة "المذنبة" وإغلاق العديد من الشركات والأقطاب الصناعية، ظل الاتحاد العام التونسي للشغل غير قادر على التحكم في موجة الإضرابات التي تجاوزته، التي هي مشروعة في مجملها، ولكنها لا تنخرط ضمن رؤية شاملة وإستراتيجية طويلة الأمد. أما بالنسبة للمجتمع المدني فإنه وإن ظل متأثرا بالجو الذي شهد رفع القيود عن أنشطته الماضية، فإنه أعطى الانطباع بأنه ظل يبحث لنفسه عن دور جديد لا يتمثل بالضرورة في حركات الاحتجاج.و استيعاب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي جزءا من المجتمع المدني منعه من القيام بدوره المراقب لسلطة هذه الهيئة وفرض المحاور الرئيسية لمرحلة ما بعد الثورة.
وأخيرا يمكن القول أن الشباب الذي أصبح فاعلا بارزا على الساحة أصيب بخيبة أمل من المشهد السياسي والإعلامي لدرجة أنه يبدو محبطا من رؤية أنّ مطالبه مازالت بعيدة المنال. وفي الشارع لا يزال الشباب مهمشا، على الرغم من وجوده النشط على شبكة الإنترنت، ولكنه يبدو عازما على أن يلعب دورا وأن يتابع بانتباه تطور الوضع العام في البلاد.

2) على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي
إنّ هذا التحدي الأساسي الذي أعطى للثورة إطارا جامعا للمطالب الاجتماعية المشروعة يمثل ثقلا حقيقيا مازال يؤثر في تطور الأوضاع.
وبين التقييمات المنذرة بالخطر وبين تلك التي تبدو أكثر تطمينا، يتفق الجميع على أنّ هذه الضائقة الاقتصادية تسبب اضطرابا في الحياة اليومية للتونسيين.
حسب تقديرات الحكومة الحالية، تونس لديها الآن ما لا يقل عن 700000 عاطل عن العمل، معظمهم من الكوادر ومن العاطلين عن العمل منذ مدة طويلة.
ومن الجدير بالذكر أنه في الفترة التي أعقبت رحيل الرئيس المخلوع، كثير من أصحاب المؤسسات وأرباب العمل، بمن فيهم الأجانب، وجدوا الفرصة مواتية لإغلاق وحدات الإنتاج وطرد العمال. كما استخدمت ذريعة الأمن، المدبرة من أتباع النظام القديم ، لتبرير انهيار الاقتصاد.
وازدادت الحالة سوءا.بعد الضربة التي طالت السياحة، هذا النشاط الاقتصادي غير المستقر في أوقات الاضطرابات.
على الرغم من الكثير مما قيل حول هذا الموضوع ،فإن السياحة تجد صعوبة في الانطلاق من جديد. ونشهد حاليا انخفاضا حادا في القطاع دون أن تستطيع الحكومة توفير الدعم المتوقع.
والواقع أن هذه الظاهرة تعكس تخوفات المستثمرين فيما يتعلق بتطور الوضع العام في البلاد.
وفي ظل هذه الظروف، وجد الشعب نفسه أمام تحدي طلب المساعدات الدولية كمخرج وحيد للبلاد. الصدمة الناجمة عن هذا الوضع كانت هائلة وتتزايد المخاوف اليومية للناس، وخصوصا أنّه في ظل الحالة الانتقالية تخلق المساعدات التي تلقتها من الخارج شكا كبيرا بشأن تأثير مثل هذا الخيار على استقلال البلاد.
وهو شعور بالخوف رافق مشاركة رئيس الوزراء في قمة الثمانية في فرنسا والإبلاغ عن المبالغ الكبيرة التي ستضخ للمساعدة في إنهاء الأزمة.

3) المأزق الأمني:
يعيش التونسيون الوضع الأمني في بلدهم كمعضلة تتمثل في الانتقال من "المقاربة الأمنية الشاملة"في عهد الرئيس المخلوع إلى استقالة الجهاز الأمني من أجل تحقيق أغراض مالية غير مبررة ومنع تأسيس عدالة انتقالية حقيقية تحملهم على الإجابة عن أفعالهم الشنيعة في ظل ديكتاتورية بن علي.
وقد اعتقد التونسيون أنّ ثورتهم بدأت تؤتي ثمارها عندما أعلن السيد فرحات الراجحي، وزير الداخلية السابق، حلّ البوليس السياسي وجهاز أمن الدولة وبعد أن أحال عددا من المسؤولين على التقاعد المبكر.
ولكن، ظلت هذه التدابير في نطاق التزويق المؤسسي لا غير. والدليل على ذلك أن أحد الوزراء الذين تجرؤوا على بعض القرارات "الشجاعة" وجد نفسه يعيد بسرعة مفاتيح وزارته لتسلّم إلى الحبيب الصيد، وهو أحد المقربين من أسوأا وزير داخلية عرفته تونس، وهو عبد الله القلال.
اليوم، آلية الشرطة، تدعمها ميليشيا ملثمة تتدخل لتفريق المظاهرات، ما زالت نشطة وتواصل العمل بنفس الممارسات السابقة (الاعتقالات التعسفية والضرب والتعذيب ، الخ).
حق التظاهر ممنوع. وقمع المظاهرات الأخيرة في شارع بورقيبة وسط العاصمة بوحشية، عزز مخاوف الناس والشباب التونسي حول إرادة القيادة الحالية لإحداث التغيير المطلوب.
ومن المهم أن نتذكر أن انسحاب الشرطة والحرس الوطني وتنظيم هروب السجناء والمعتقلين خلق حالة من الفوضى الشاملة وساهم في تدهور الوضع وإرباكه.
إلى جانب هذا الدور"الاعتيادي" للشرطة منذ 1956 ، فإنها تسعى لرأب صورتها واظهار دورها المهم في الحفاظ على النظام والأمن في البلاد. هذا النوع من الرسائل تنقله بصورة منتظمة قنوات التلفزيون والراديو في تونس، التي لا تنفك تدعوهم إلى برامجها على الهواء.
وفي هذا السياق، نكاد نجزم أنّ عددا قليلا جدا من جلادي الأمس قد انسحب من المشهد الأمني.
الكثير من الأحداث المفتعلة توحي بأن شيئا لم يتغير فعليا في وزارة الداخلية ، ولا سيما أنّ رئيس الوزراء لا يزال ينقل خطاب بورقيبة السابق حول هيبة الدولة التي يجب إرساؤها. و يتم استخدام الهروب المتكرر للسجناء وعمليات السطو، وما إلى ذلك لمساومة لا أخلاقية للشعب لتبرير استمرار الآلة القمعية في مقابل الحفاظ على أمنه..
وبالإضافة إلى ذلك ، هناك العديد من الأحداث الخطيرة ، التي لم تقع إنارة الرأي العام حولها بما يكفي. وذلك في خصوص الهجمات الإرهابية التي كانت على وشك أن تستهدف البلد، مما عزز المخاوف من إعادة صياغة نفس الخطاب الأمني السابق.

4) على الصعيد الإعلامي
من المعروف أن واحدة من الركائز الأساسية للانتقال الديمقراطي الناشئ هو تغيير المشهد الإعلامي نحو مزيد من الانفتاح والتعبير عن المشاغل الحقيقية للناس.
في تونس، عانى قطاع الإعلام لعقود من الحصار البوليسي، والافتقار للإبداع والحرفية، والتبعية للسلطة.
على الرغم من التغيرات الواضحة، استمر هذا الوضع بعد الثورة لأنّ هذا القطاع لم تقع إعادة هيكلته. فصحفيون اعتادوا لفترة طويلة على الرقابة والرقابة الذاتية لا يمكن أن يتكيفوا مع المرحلة الجديدة دون تأهيل المناخ الإعلامي بمجمله..
ولم يكن قانون الصحافة على مستوى التوقعات أبدا حيث استخدمه النظام السابق كسلاح ضد حرية التعبير أكثر من كونه ضابطا قانونيا يضمن الحقوق والواجبات. هذا التشريع يحتاج اليوم إلى مراجعة بل إلى إصلاح الشامل.
إنشاء هيئة وطنية لإصلاح الإعلام والاتصال مسؤولة عن إيجاد الحلول هو خطوة هامة لكنها غير كافية. فعلى الحكومة المؤقتة واللجان المختلفة التي أنشأت والمؤسسات العامة والخاصة أن تتعوّد على احترام حرية التعبير وتقبل أن تقول وسيلة إعلام ما الحقيقة في كل ما يهم المواطن دون محرمات ودون خوف من الرقابة.
أما ما يسمى بالقنوات الخاصة، التي خدمت النظام السابق لفترة طويلة، فهي تواصل اللعب على الاضطرابات بنفس المسؤولين الذين عرفوا بولائهم لعائلة الطرابلسي، اسم عائلة زوجة الرئيس المخلوع.
والإصلاح القانوني ليس هو الحل الوحيد لهذا القطاع. فتجديد البنية التحتية والمناهج الجامعية والتكوين المستمر، وأساليب العمل والإشراف على التحرير : جميع هذه الأهداف مطلوبة لتوفير مشهد اعلامي جدير بالثورة التونسية.
الحق في المعلومة الذي طالما نودي به في عهد النظام السابق، يجب أن يُحترم من قبل جميع وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية. الملفات المتعلقة بالفساد والتعذيب وإساءة استعمال السلطة والنفوذ والقناصة والعنف وما إلى ذلك... ينبغي أن تطرح جميعها بشفافية كبيرة.
وفيما عدا وسائل الإعلام الحزبية ينبغي لوسائل الإعلام وبخاصة الرسمية منها أن تبلغ المعلومة بالقدر الكافي من الحيادية والمهنية وتربية المواطن على الديمقراطية واحترام الاختلافات.

1. II كيف نضمن انتقالا ديمقراطيا حقيقيا : وجهة نظر جمعية الحقيقة والعمل
يمكن القول دون مبالغة أن مسار الثورة والانتقال الديمقراطي في خطر حيث نلاحظ وفقا لاستنتاجاتنا على الميدان:
o تراجعا واضحا في مسألة حماية حقوق الإنسان في تونس بسبب الصلاحيات المطلقة المعطاة للبوليس بدعوى تحقيق الاستقرار.
o تعثرا بينا في تحقيق العدالة بشأن مسألة التعذيب ومطالب الأشخاص المتضررين في استعادة حقوقهم الأساسية كمواطنين حيث تُركت عائلات ضحايا القمع بدون سند وعدد قليل جدا منها يجد من يوجهه إلى أفضل السبل لاسترجاع حقوقهم من الجلادين و "القناصة".
o غياب مسألة حماية حقوق الإنسان ضمن أولويات الأطراف السياسية في السياق الحالي الذي تطغى عليه مناقشات لا نهاية لها حول الانتخابات المقبلة.
o لا يبدو المجتمع المدني نشيطا في تتبع انتهاكات حقوق الإنسان ولا في دعم ضحايا التعذيب والقمع وعائلاتهم ما زالت تنزل طوعا إلى الشوارع دون دعم فعال و فعلي.
o فكان علينا أن ننتظر تصريحات مسؤول كبير في الأمم المتحدة لنقر بأن العدالة الانتقالية لم تبدأ القيام بوظيفتها بعد. سارعت الحكومة بعد هذه التصريحات لطمأنة الشعب ولكن التصريحات في خصوص الدعوى القضائية ضد الرئيس السابق وعدد من كبار المسؤولين في نظامه لم تقنع أحدا!
على مستوى آخر، تزيد قضية اللاجئين التونسيين في أوروبا مخاوف البلدان الأوروبية التي لجأت إلى التشدد الأمني في سياق سياسي يتميز بصعود اليمين المتطرف.
وفي هذا السياق،لا يفهم التونسيون الذين يستقبلون على أراضيهم مئات الآلاف من اللاجئين من ليبيا دون دعم حقيقي من المجتمع الدولي، كيف تنزعج البلدان الأوروبية في مواجهة بضعة آلاف من اللاجئين من تونس وتتركهم يعانون من سوء المعاملة.
لا تزال مكافحة الفساد أيضا دون إجراءات ملموسة حيث يطرح التونسيون أسئلة عديدة حول عمل لجنة مكافحة الفساد. ولم تظهر حتى الآن أية قضية أمام المحاكم على الرغم من التصريحات. ومازال المشتبه بهم أحرارا ولديهم متسع من الوقت لسحب أموالهم أو الفرار من البلاد. ناهيك عن اختصاص المحاكم العادية في التعامل مع هذا النوع من القضايا. فبدون تدخل مباشر من الدولة لدعم هذا الملف، سيظل حكرا على جمعيات ولجان غير قادرة على تحقيق أي شيء في هذا الملف عدا التأثير الإعلامي.
إنّ ملاحقة الديكتاتور وأقاربه وأعضاء حكومته لازالت تعترضه عراقيل كثيرة. وتحويل قضيتهم إلى المحكمة العسكرية ، على الرغم من أنه تم على خلفية كفاءة هذه المحكمة في تناول هذا الملف، من شأنه أن يحرك الشواغل المشروعة حول خطورة مثل هذا النهج وضمانات تسليم بن علي و عائلته واسترداد الأموال المودعة في الخارج.
وما يخشاه بعض المراقبين هو أن تلوح البلدان التي يقيم بها هؤلاء المسئولين باستحالة تسليمهم لأن المحاكم العسكرية محاكم استثنائية لا تضمن محاكمات عادلة، وفقا للمعايير الدولية المعروفة.
لذلك فإنّ جمعية الحقيقة والعمل تلفت الانتباه إلى واجب جميع الأحزاب السياسية والجمعيات وغيرها لتهيئة مناخ حواري صحي ومتسامح للمضي قدما في طريق الديمقراطية والحريات بخطى ثابتة. علما و أنها قد كانت نبهت في مواقف سابقة وبالتحديد بيانها الصادر بتاريخ 21 جانفي 2011، إلى مثل هذه الأخطار والمخاوف و هي اليوم تؤكد على ضرورة تقدير المصلحة العليا للشعب التونسي في تحقيق ثورته ونعلن بهذه المناسبة أننا:

1. سنواصل التزامنا بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية في تونس والقيام بكل ما من شأنه ضمان ترسيخ هذه القيم في الحياة اليومية للمواطن والواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في تونس.
2. تقيدنا الكامل بالقيم المشروعة للثورة أي الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والديمقراطية للمجتمع التونسي العربي المسلم الحر والمستقل.
3. سنواصل تقديم الدعم والدفاع عن مطالب الشعب والعمل مع جميع الأطراف حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، مع الحفاظ على استقلاليتنا.
وجمعية الحقيقة والعمل تعتقد أن مساهمتها مكملة لجهود جميع الشركاء على الصعيدين الوطني والدولي، وبروح من الشفافية والشراكة. وهي تضع خبرتها في المجال الحقوقي لخدمة ملف محاكمة المسؤولين في النظام السابق لدورهم في الفساد والتعذيب والقمع ، وذلك من خلال الدعوة إلى إقامة عدالة انتقالية حقيقية مستقلة وسلمية.
بناءا على هذا الالتزام، تدعو جمعية الحقيقة والعمل الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحالية والعمل على إرساء السلطة الحقيقية للشعب، وليس إلى إعادة تكريس الماضي بتغيير مزعوم يقتصر على الواجهة.
وتدعو مختلف الجهات الفاعلة من سياسيين ومجتمع مدني ووسائل إعلام لتحمل مسؤوليتها تجاه الشعب بالبحث عن التوافق اللازم حتى يتسنى له أن يعيش في ظل نظام ديمقراطي حقيقي يضمن الكرامة والشفافية.

رئيس الجمعية
عماد العبدلي
جمعية الحقيقة والعمل-سويسرا جنيف
هاتف سويسرا: 0041797032611
هاتف تونس : 0021625688460


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.