بالفيديو: سعيّد: هذا تقصير وسيحاسب الجميع حتى المسؤولين الجهويين    زيت الزيتون ''الشملالي'' يفوز بميدالية ذهبية في المسابقة الاوروبية الدولية بجنيف..    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    عاجل/ بعد حادثة ملعب رادس: وزارة الشباب والرياضة تتخذ هذه الاجراءات..    النادي الإفريقي.. القلصي مدربا جديدا للفريق خلفا للكبير    إقالة مدير عام وكالة مكافحة المنشطات وإعفاء مندوب الرياضة ببن عروس    المنستير : يوم إعلامي جهوي حول الشركات الأهلية    بنزرت...بتهمة التدليس ومسك واستعمال مدلّس... الاحتفاظ ب 3 أشخاص وإحالة طفلين بحالة تقديم    فعاليات موكب إسناد الجائزة الوطنيّة "زبيدة بشير" لسنة 2023    الصوناد: نظام التقسيط مكّن من اقتصاد 7 % من الاستهلاك    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    عاجل: قيس سعيد: من قام بتغطية العلم التونسي بخرقة من القماش ارتكب جريمة نكراء    حالتهما حرجة/ هذا ما قرره القضاء في حق الام التي عنفت طفليها..#خبر_عاجل    عاجل/ ديلو: قوات الأمن تحاصر عمادة المحامين للقبض على سنية الدهماني..    عاجل/ هذا ما تقرر في قضية سعدية مصباح العضو بجمعية "منامتي"..    الرابطة الثانية.. نتائج الدفعة الأولى من مواجهات الجولة 22    ترغم التحسّن الملحوظ : تعادل لا يرضي احبّاء النادي الصفاقسي    عاجل/ الهجرة غير النظامية الوافدة على تونس: محور جلسة عمل وزارية    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    طقس الليلة    عاجل/ يستهدفان النساء: القبض على نفرين يستغلان سيارة تاكسي للقيام بعمليات 'براكاج'    تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة    عاجل/ فتح تحقيق في واقعة حجب العلم بمسبح رادس    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    عاجل/ القسّام تفجّر نفقا بقوة تابعة للاحتلال في رفح.. والأخير يعلن عن قتلاه    قريبا ..مياه صفاقس المحلاة ستصل الساحل والوطن القبلي وتونس الكبرى    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    تونس ضيف شرف مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بمصر    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    عاجل/ إندلاع حريقين متزامنين في جندوبة    الكاف: عروض مسرحية متنوعة وقرابة 600 مشاركا في الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    القطاع الغابي في تونس: القيمة الاقتصادية وبيانات الحرائق    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    بلطة بوعوان: العثور على طفل ال 17 سنة مشنوقا    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    بطولة روما للتنس: أنس جابر تستهل اليوم المشوار بمواجهة المصنفة 58 عالميا    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    دائرة الاتهام ترفض الإفراج عن محمد بوغلاب    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    بسبب خلاف مع زوجته.. فرنسي يصيب شرطيين بجروح خطيرة    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    نبات الخزامى فوائده وأضراره    اللغة العربية معرضة للانقراض….    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إقصاء الإسلاميين في تونس كان من قوى اليسار
نشر في الحوار نت يوم 24 - 01 - 2011

'علي بن عرفة'' (رئيس الحملة الدولية لحقوق الإنسان في تونس) ل"جريدة التجديد":
إقصاء الإسلاميين في تونس كان من لدن قوى اليسار الاستئصالي الذي التحم مع نظام أمني دكتاتوري

لاجئ سياسي منذ عشرين عاما ببريطانيا، يحن كالعشرات من المنفيين إلى العودة إلى بلده تونس الزيتونة، هو ''علي بن عرفة''، من مواليد سنة ,1966 قيادي في حركة النهضة التونسية، ورئيس "الحملة الدولية لحقوق الإنسان في تونس"، وهي منظمة حقوقية تأسست عام ,1998 على يد مجموعة من النشطاء الحقوقيين اللاجئين في بريطانيا، بهدف الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية في تونس، تعتمد الحملة في مبادئها على المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، وتتميز بتركيزها على التحركات الميدانية، من أجل تنبيه الرأي العام الوطني والدولي للمظالم والانتهاكات ضد حقوق الإنسان في تونس، نجح ''علي بن عرفة''، رفقة عدد من الحقوقيين في تنظيم حملات عديدة للتعريف بالإضطهاد الذي تشهده تونس، أبرزها حشد عدد كبير من العلماء وقادة الرأي في تونس والعالم الإسلامي، للمطالبة بوقف المحنة التي يتعرض لها الدكتور صادق شورو والمطالبة بإطلاق سراحه، إذ شارك فيها كل من فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والدكتور محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للإخوان المسلمين، والشيخ فيصل مولوي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ راشد الغنوشي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. في هذا الحوار مع الأستاذ علي بن عرفة، تحاول التجديد إلقاء مزيد من الضوء على عدد من القضايا ذات العلاقة بالوضع الحالي بتونس الشقيقة، إذ حذر علي بن عرفة، من تبخيس دور الشعب التونسي في إسقاط ''الرئيس الهارب''. ويعتبر أن إقصاء الإسلاميين بتونس، ''كان ولا يزال من طرف قوى اليسار الاستئصالي''، كما يتحدث عن دعم الغرب وفرنسا خصوصا لما أسماه ب''اليسار الانتهازي''، الذي التحم مع النظام الديكتاتوري لمواجهة الإسلاميين، كما يعتز بن عرفة، بما لقيه من ترحيب من طرف جمركي بمطار محمد الخامس، عند زيارته للمغرب سنة ,2001 وهو الترحيب الذي هز وجدانه، فانفجر باكيا أمام عون الجمارك.
حاوره: ياسر المختوم
بداية، ما هي في اعتقادك أولويات حركة النهضة التونسية في المرحلة الحالية؟
أولوية حركة النهضة في المرحلة الحالية، تتمثل في العمل على أن تنجح الثورة الشعبية في تأسيس نظام سياسي، يقطع مع الدكتاتورية والإقصاء، ويبسط الحريات للجميع، بما فيها حرية التنظم والتعبير وحرية الإعلام، واسقلال القضاء، دعامة العدل وأساس العمران، لا بد من تفكيك دعائم النظام الدكتاتوري السابق من أجهزة أمنية وحزب تسلطي فاسد، ورموز وشخصيات تورطت في القمع والنصب والاحتيال، دون عنف أو انتقام، وإنما وفق القانون والاحتكام للقضاء العادل، والعمل على تحقيق التوافق بين جميع مكونات الحركة السياسية في تونس حول مستقبل البلاد، في ظل التقدير الدقيق للوضع الاقليمي والدولي، والتوازنات الداخلية التي يجب مراعاتها تطمينا للجميع، من أجل المصلحة الوطنية التي تعلو كل مصلحة، بما فيها المصلحة الحزبية التي لن تكون إلا متوافقة مع المصلحة الوطنية، إذا كان الحزب حقا إسلاميا ووطنيا، يجب على حركة النهضة أن تطالب بكل حقوقها، ولكنها في نفس الوقت مستعدة للتنازل عن الكثير منها، اختيارا وتحقيقا للتوافق الضروري للخروج بالبلاد من الوضع الراهن، وتحقيق الانتقال الديمقراطي الذي سيكون مباركا على الجميع، فالحرية هي المطلب الرئيسي الذي لا تنازل عنه، وما عدى ذلك يخضع للحوار والتشاور مع جميع الأطراف الوطنية.
ما هي قرائتكم لآخر التطورات التي تشهدها تونس حاليا؟
أولا أحمد الله عز وجل، أن وفق شعبنا لخوض انتفاضة شعبية سلمية، أبهرت العالم وأسقطت دكتاتورا، كان إلى وقت قريب، تقدم له شهادات النجاح من قبل المنظمات المالية الدولية، التي لا يعنيها سوى الربح والنهب بعيدا عن معاناة الشعوب المنهوبة مقدراتها، كما لم يكن أحد من الأكاديميين أوالمحللين والسياسيين ''الواقعيين''، يعتقد أن هناك في شعبنا نبض حياة، بعد أن أوهم الداخل والخارج أنه استسلم لإرادة النظام القمعي، وما عاد له قدرة على مواجهة أعتا آلة قمعية في المنطقة، قوامها 130 ألف بوليس، في مواجهة شعب مسالم صغير لا يتجاوز 11 مليون، ولكن النهب الفاحش لوطن محدود الموارد، والقمع الوحشي الذي لا يرحم كبيرا ولا صغيرا، كان يراكم في صمت لهيب الغضب في نفوس جماهير شعبنا الصابر، الذي كان يراقب في صمت يوحي لمن لم يعرفه أنه الاستسلام والانتهازية، ولكن ذلك في الواقع جزء من ذكاء هذا الشعب في مغالبة طغاته، حيث يشهد عليهم العالم، ويستجمع قواه من دائرة المضطهدين التي تتسع لتشمل كل الاتجاهات، ثم الانتفاضة بشكل سلمي مدني يقدم فيه الشعب الشهداء، من أجل الوطن، بسخاء دون أن تطلق رصاصة واحدة، كان النظام الدكتاتوري ينتظرها لسحق انتفاضة شعبنا تحت واجهة مقاومة الإرهاب، أو مواجهة الإسلاميين الذين ركنوا إلى الصفوف الخلفية في المسيرات الاحتجاجية، عمدا حتى لا يتحايل الدكتاتور مرة أخرى على الرأي العام الوطني، وحلفائه في الغرب، ويوهمهم بأنه يحمي الجميع من الخطر الأصولي، أما بخصوص التطورات التي ستشهدها البلاد فإنها، وإن كانت مفتوحة على خيارات متعددة بحكم المرحلة الانتقالية ومفترق الطرق الذي نحن فيه، ولكن المحدد الرئيس لمستقبل البلاد هو الشعب المصمم على استمرار مسيرته في الشوارع حتى اقتلاع جذور النظام الدكتاتوري، وليس فقط رموزه، فبعد هروب ابن علي صار الشعار في الشوارع حل الحزب الحاكم الذي لن تتحرر البلاد وتشهد استقلالها الثاني اذا استمر هذا الاخطبوط في الهيمنة على مقاليد السلطة، والحكومة الحالية ليست سوى استمرار لنفس النظام، فوزارات السيادة كلها بيد الحزب وهم وزراء عينهم ابن علي في كل مرة تبرهن زمرة الحكم أنها لم تفهم الرسالة، فابن علي أقال وزارء، وقال فهمتكم ولكن الغبي لم يفهم أن المطلوب رحيله هو نفسه، وبعد أن رحل استمر رئيس وزرائه في الحكم زاعما أنه فهم رسالة الشعب، ولكن الغبي أيضا لم يدرك أن المطلوب رحيل رموز النظام السابق بالكامل والقطع الكلي مع النظام الدكتاتوري، وعقليات إقصائية تفرض الوصاية على إرادة الشعب، وتصادر قرارنا الوطني المستقل لمصلحة قوى غربية لم تتخلص بعد من عقلية الهيمنة والاستعمار، رغم كل التضحيات التي قدمها شعبنا في سبيل التحرر، إن المحدد الرئيسي لمستقبل البلاد هي لجان الأحياء التي تشكلت في كامل تراب الجمهورية، لحماية الأحياء الشعبية وحماية الثورة في نفس الوقت، فبقدر إصرار هذه اللجان على البقاء في الشارع، وحرصها على حماية الأمن، فإن الشعب التونسي كله وراءها، وليس أمام محترفي السياسة في تونس، سواء كانوا في النظام أو المعارضة، سوى الاستجابة لإرادة الشعب، فهل سيستمر هؤلاء في جهدهم النضالي المستمر؟ اعتقد ذلك، لأن الحرية تستحق أكثر من ذلك، ولأن دماء الشهداء تستوجب الوفاء، ولأن تونس فداها كل ما نملك وأرواحنا.
في ظل الحديث عن عفو شامل، كم عدد المعتقلين السياسيين في السجون التونسية، وكم هم معتقلوا حركة النهضة التونسية؟
المعتقلون السياسيون حوالي الألفين، أغلبهم من الشباب المتدين الذين اعتقلوا بموجب قانون مكافحة الارهاب اللادستوري، والذي اعتمده النظام السابق تزلفا للقوى الغربية، بزعم مقاومة الإرهاب ومواجهة الأصولية، و استمرارا في سياسة التنكيل بالتيار الإسلامي، واستئصال الحركة الإسلامية، وتجفيف منابع التدين، وبالنسبة لحركة النهضة فلها ثلاث سجناء اعتقلوا بزعم السعي لإعادة تشكيل التنظيم، وهم السادة علي الحرابي وعلي بن فرحات و الهاشمي بن طالب.
بصفتكم حقوقيين، ما الذي يعنيه لكم العفو الشامل، الذي أعلن عنه مساء الأربعاء، وهل شمل جل المعتقلين السياسيين؟
العفو الشامل مطلب أساسي للحركة الحقوقية والسياسية في تونس، وهو أولوية في هذه المرحلة لرفع المظالم، كما أنه رسالة تطمينية للقوى السياسية والشخصيات السياسية التي تعرضت للاضطهاد، والذي أعلن عنه هو سعي الحكومة لإصدار العفو التشريعي، ونحن في حاجة لانتظار قرار واضح للحكومة، حتى نتوقف عند طبيعة هذا العفو، لأن التونسيين لم تعد لهم ثقة في رموز الحكومة الذين فقدوا مصداقيتهم، بسبب الشعارات والوعود التي ترفع في الخطاب الرسمي للسلطة على امتداد عقدين، دون أن تعني في الجوهر شيئا يذكر، وإنما هناك دائما عملية تذاكي وتحايل وتلاعب بالشعارات، وهو ما يحرص شعبنا على القطع معه تماما في المرحلة التي نجتهد جميعا للتأسيس عليها، فالمسؤول في المستقبل يجب أن يكون مبادرا للدفاع عن مصالح الشعب وليس الاستجابة الاضطرارية التي لا تكون مكتملة، وإنما تتضمن النية في التلاعب والتمويه بما يوحي بالاستجابة، ولكن الحقيقة خلاف ذلك. ثم إن العفو التشريعي الذي تعتزم الحكومة إعلانه، سوف يعرض على مجلس للنواب مزيف، ومصادر لإرادة الشعب، وممثل للحزب الذي هيمن على الحياة السياسية طوال عقدين، ورسخ للدكتاتورية والانتهازية ولم يرفع صوته يوما في مواجهة الثروات المنهوبة والاستبداد القائم والانتهاكات المتكررة للدستور والقوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، و خلال الانتفاضة المباركة بقيت مدينة سيدي بوزيد محاصرة خمس أيام، دون أن يتعرض النواب في مداخلاتهم للحصار أو القمع الوحشي الذي يتعرض له المتظاهرون، بينما كان وزير الداخلية يحدثهم فقط عن حادثة انتحار محمد البوعزيزي، فهل هؤلاء مؤتمنون على المصلحة الوطنية؟، أم أن رفع مظالم العهد السابق، وهو عهدهم لا تعني لهم شيئا؟ أشك في ذلك، وإن كنت أحسب أن طبيعة النفاق والتحايل سوف تجتمع في مجلس النواب الحالي، لتخرج عفوا تحت ضغط الشارع، ولكنه ليس كاملا، استمرارا في سياسة النصب والاحتيال.
هناك محاولة لإقصاء حركة النهضة الإسلامية، من المشهد السياسي، خصوصا اعتراض الوزير الأول، على عودة الشيخ راشد الغنوشي إلى تونس، مقابل السماح لعودة منصف المرزوقي، والإعلان عن عفو شامل على المعتقلين السياسيين، ما تفسيركم لما يحدث؟
هو استمرار لنفس السياسة الاقصائية التي يريد شعبنا أن يتجاوزها، لينفتح على حياة سياسية ديمقراطية جديدة تليق بمستوى تطور هذا الشعب، الذي عرف التعددية منذ الثمانينات، وكانت له أول رابطة لحقوق الإنسان في العالم العربي، فدون بسط الحريات للجميع، سنعود إلى المربع الأول، إذ كيف يمكن أن تقوم ديمقراطية أو استقرار في ظل إقصاء التيار الرئيسي في المعارضة التونسية، ولكن الوزير الغنوشي لا يزال يحتكم الى عقلية العهد البائد، وبالتالي لا اعتقد أن الشيخ الغنوشي في انتظار الإذن من هذا الوزير غير الشرعي، فقد أذن له الشعب بالعودة، وهي عودة كريمة تليق بجهاد الشيخ ونضاله من أجل تحرر شعبنا الكريم.
من في اعتقادكم يحاول إقصاء حركة النهضة التونسية من المشهد السياسي، من خلال ما جرى الحديث عنه من استثناء بعض معتقليها من العفو الشامل، أو منع الشيخ راشد الغنوشي من العودة لتونس؟
المتطرفون سواء في الداخل أو الخارج، ولا شك أن القارئ الكريم سيعتقد أنني أتحدث عن التطرف الإسلامي، لأن كلمة التطرف صارت علامة على الإسلام، نتيجة عملية غسيل المخ التي يتعرض لها الرأي العام من قبل وسائل الإعلام المحلية والدولية، في حين أن التطرف داء يحتاج إلى علاج يمكن أن يصاب به الأفراد من جميع الاتجاهات، وفي الشأن التونسي فإن إقصاء الإسلاميين كان ولا يزال من قبل قوى اليسارالاستئصالي الذي التحق ''بالديمقراطية'' مؤخرا، فالتحم مع نظام أمني دكتاتوري في المنطقة، لمواجهة الإسلاميين التونسيين المشهود لهم بالاعتدال والوسطية، والمتقدمين في المنطقة في التأصيل لمبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام، حيث اعترفوا بنتائج الانتخابات منذ الثمانينيات، وإن فاز فيها الشيوعيون، ولكن بقدر ما تطور الخطاب الإسلامي الذي يستنكف اليسار من قراءته أو الاطلاع عليه لمحاججته، فإنه بقي متكلسا عند مقولات متخفية تعادي الدين بكل أشكاله، وإن كان دين التحرر البشري دين الإسلام، الذي فرض السجود للخالق فقط، فيما البشرية كلها خلق الله، وعباده متساوون في الدنيا حقوقا وواجبات.
أما في الخارج، فإن القوى الغربية، وإن كانت مجتمعة في التخوف من التيار الإسلامي، فإنها تختلف في طريقة التعاطي مع هذا التيار، ولكن قدر المغرب العربي أن تكون الهيمنة فيه للقوى الغربية المتطرفة في فهم علاقة الدين بالدولة، والمعادية لكل مظاهر التدين، وتتبنى مفهوما للعلمانية باعتباره إلحادا يقطع مع كل مظاهر التدين، ولذلك لا نستغرب أن تجد قوى اليسار الانتهازي كل الدعم والحماية من فرنسا، التي لم يعترف رؤساؤها شيراك وساركوزي للشعب التونسي بأكثر من الأكل والشرب، بل إن هذا الأخير اعترف أن الحريات تتوسع في عهد ابن علي، إنه الاستعمار الذي يريد شعبنا أن يتحرر منه بالكامل.
أخيرا، نريد أن نعرف تفسيركم للذي حدث بالضبط يوم 14 يناير، هل هي ثورة حقيقة للشعب التونسي، أم هو انقلاب نتيجة صراع داخل أقطاب النظام المنهار؟
هو ثورة شعبية حقيقية، فاجأت الجميع، بما فيها الأكاديميون وأحزاب المعارضة، ولا يعني ذلك أنه ليست هناك محاولات للانقلاب على ابن علي، يعد لها الغرب أساسا، ولكن هذه المحاولات كانت مجرد سيناريوهات استعدادا لما بعد ابن علي، الذي لا يزال حسب الجميع في المرحلة الراهنة وعلى المدى المنظور، يمسك بمقاليد الحكم، وحين تحرك الشعب قد يكون السرياطي رئيس الأمن الرئاسي، فكر بالقيام بما كان يعد له أسياده، بمعنى تقديره أنه الوقت المناسب، ولكن الثورة سبقت الجميع، وكانت تستهدف رأس النظام وفي مقدمته السرياطي نفسه وعائلة الطرابلسي، أصهار الرئيس، فحذار من بخس حق شعبنا في إسقاط الطاغية، وهي ثورة مشبعة بالدلالات، اجتمع فيها البعد الاجتماعي والسياسي والأمني والأخلاقي، بما هي تضامن شعبي مع مواطن فقير، الكثيرون أمثاله مسحوقون في الغرب المتحضر، دون أن يلاقوا تعاطفا معهم، مثل الذي حصل عند الشعب التونسي في مشهد مثالي استجابت فيه الإنسانية لمأساة فرد، فانتفضت المدينة، ثم الجهات الداخلية ثم العاصمة ثم البلاد كلها، بما يصدق فيهم وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ''كالبنيان المرصوص إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى''.
أكيد لكم شوق للعودة إلى وطنكم، تونس الخضراء، متى تنوي العودة؟
أحسب أنني وبعض المناضلين في المهجر، قائمين على دور إعلامي رئيسي لدعم ثورة شعبنا و إنارة الرأي العام الدولي بحقيقة الوضع في البلاد، حتى لا تستغل العناصر التي من مصلحتها الحفاظ على النظام الدكتاتوري السابق، جهل الرأي العام بالكثير من مكونات الساحة السياسية وطبيعة النظام القائم والثورة الشعبية، ومطالبها الرئيسية، المتمثلة في العدل والحرية، فترفع فزاعة الخطر الأصولي من جديد، وهي الفزاعة التي استفاد منها الدكتاتور ابن علي كثيرا، بزعم محاربة الإرهاب و صد الخطر الأصولي، في حين أن الدكتاتورية هي الخطر الحقيقي على البلاد ومحيطنا الإقليمي والدولي، فالدكتاتورية هي المستنقع الذي يفرخ الأفكار الهدامة والعدمية، كما أن الدعم الأروبي لأنظمة قمعية تسلطية يجعلها في تناقض مع رسالتها في نشر الديمقراطية وضد تطلعات شعوب المنطقة، بما يحولها إلى عدو لها، في حين أن أمن الجميع يكمن في علاقات متوازنة وسليمة مع دول مستقلة تمثل شعوبها وتتبادل معها المصالح، بعيدا عن الوصاية والهيمنة بما يعزز السلم والأمن في المنطقة والعالم.
لذلك، ورغم الشوق الكبير الذي يملأ جوانحي لرؤية عائلتي وأهلي وبني وطني، خاصة بعد رفع القيود عن العودة، فإنني أغالب أشواقي ترتيبات للاولويات التي تتقدم فيها مصلحة الوطن والشعب عن كل المصالح، والتي أحسب أنني وجمع من إخواني نعمل لها في المهجر بأكثر مما سنقدم لها في حال عودتنا السريعة، فنحن في انسجام تام مع شعبنا في الداخل الحريص على أن تحقق هذه الثورة نتائجها، وتبلغ غايتها، وحينها سيكون للعودة طعم خاص عودة المطمئن على مستقبل البلاد.
فيا قلب مهلا ولا ترتمي على درب عودتنا موهنا
يعز علينا غدا أن تعود رفوف الطيور ونحن هنا
وناس هم الحب أيامهم هدوء انتظار شجي الغنا
فيا قلب كم شردتنا رياح تعال سنرجع هيا بنا.
كلمة أخيرة ...
أنا لا جئ سياسي منذ عشرين سنة، ولم أشعر خلال غربتي كأنني في وطني إلا عند زيارتي للمغرب الشقيق، ولن أنسى كلمة رجل الجمارك في مطار محمد الخامس سنة ,2001 عندما قال لي ''مرحبا بك في بلدك''، لقد هزني دون أن يعلم من كل أعماقي، فانفجرت دموعي وأنا استمع لكلمة ترحيب بي، في بلد عربي، وأنا الشريد المطارد اللاجئ في بلد أجنبي، فالتحية كل التحية، لوطن عزيز أنجب مثل هذا الجمركي، و لشعب كريم هو خال أبنائي، بعد أن أكرمني خيار أهله بزوجة فاضلة رافقتني في رحلة الهجرة الطويلة.
أما فيما يتعلق ببني وطني، فأدعوهم وأرجوهم أن لا ينخدعوا بالوعود، فآيات المنافق، ثلاث منها إذا حدث كذب، وهؤلاء قد كذبوا لعقود، فهم منافقون، فالمطلوب الرباط في الشارع وفي لجان حماية الأحياء الشعبية، والمرحلة الانتقالية هي مؤشر لما بعدها، فمن أقصي اليوم، فلا مكان له غدا، والقطار إذا انطلق على السكة الخطأ، فسيصل إلى المحطة الخطأ، ولا يجب أن ترهب الشعب التونسي، أحاديث النخبة عن الأمن والفراغ، فهي ألاعيب الساسة لفرض خياراتهم عبر الترهيب، فليس هناك فراغ، هناك جيش يحرس البلاد وهناك رجال الأحياء الشعبية يحفظون الأمن ويساعدون الجيش، ولا أحسب التونسيين اليوم إلا أكثر أمنا من العهد الماضي عندما كانت تختطفهم ليلا الأجهزة الأمنية القمعية والبوليس السياسي والأمن الرئاسي، كما أن هناك رئيس انتقلت إليه الرئاسة دستوريا، يمكن له إن كان وطنيا، أن ينقذ البلاد، بتعيين رئيس وزراء من الشخصيات المستقلة، مثل أب الديمقراطية التونسية أحمد المستيري، ولكن عصابة الحزب الحاكم توهمنا وكأن الغنوشي الوزير الأول، هو قدر تونس ودونه العنف والفوضى والفراغ، هذا لغو، على لجن الأحياء الإعراض عنه، والاستمرار في العمل الجدي في حماية الأحياء والثورة، والنصر قريب إن شاء الله، ما دام هناك عزيمة وإصرار فإرادة الله من إرادة الشعوب.
24/1/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.