تابعت، كسائر أبناء هذا الكوكب، خطاب «باراك أوباما» عن ربيع الثورات العربيّة، وبالتوازي مع الخطاب غرقتُ في تسقّط الآراء وردود الأفعال. ما يمكن قوله أنّ خطاب «أوباما» كان مثار الكثير من الخيبة والقليل من الرجاء. ثمّ، إنّه لم يكن إلاّ ضربا من الاعتراف بتأخّر أمريكا في الاستماع إلى نبض الشارع العربيّ الثائر في الجمهوريّات دون الملكيّات غير الدستوريّة طبعا ! وتبقى مشكلة «أوباما» القديمة الجديدة أنّه يريد أن يرضي الجميع، فينتهي به الأمر إلى أن يخيّب آمال الجميع. لا الحاكم رضي ولا المحكوم، ولا الفلسطينيّون قبلوا به ولا الإسرائيليّون، لا الخليجيّون ولا الإيرانيّون. ولأنّي جئتُ على «ساقَة الدهر»، وقد قُتِل الخطاب درسا ودراسة، وتحليلا وتأويلا، ولأنّ البركة في هذه الفضائيّات الإخباريّة بمحلّليها ومُراقبيها المتوثّبين للانقضاض على كلّ حادث أو طارئ، فقد سمحت لي معرفتي بالرّجل في مناسبات ثلاث، يومَ تنصيبه، ويوم خطابه التاريخيّ في القاهرة، وفي هذه المناسبة بأن أصرف عنايتي لما أغفلته التعاليق والتحاليل. وأقدّر أنّ هذه السطور ستسفّه مقولة تلك العجوز الأمريكيّة «مادلين أولبرايت» حين نفت عن العرب أيّ تفكير استراتيجيّ جازمة: إنّ بُعد النظر نادر في العالم العربيّ ! كما أنّ الكثيرين سيجدون فيها ما يشدّ عزائمهم ليقولوا ل«أوباما»: لو خرجتَ من جلدك لما عرفتك ! ففي حين كانت حماتي تدعو ل«باراك أوباما» بالنصر والتمكين على اعتبار أنّه من أصول إفريقيّة مسلمة، كنت أضرب أخماسي في أسداسي مقلّبا في أحاديث «أخبرت» عن غيوب تطابقُ ما أراه على شاشة التلفزيون : هل يفعلها «باراك أوباما» ليكون هو الحبشيّ الأسود ذو السُّويقتيْن الذي يخرج في آخر الدنيا ويهدم الكعبة؟ ! ولأنّي رجل يؤمن بالبحث والتنقير، فقد فزعتُ إلى المراجع التي أسعفتني ببيان صفة ذي السُّويْقتيْن بالقول: «ثبت في صحيح البخاري ومسلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يخرّب الكعبةَ ذو السويقتيْن من الحبشة. قال ابن حجر في فتح الباري: عن عليّ رضي الله عنه قال: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأنّي برجل من الحبشة أصلع - أو قال - أصمع حمش الساقين قاعد عليها وهي تُهْدم. رواه الفاكهاني من هذا الوجه وقال: قائماً عليها يهدمها بمسحاته، والأصلع من ذَهَب شعر مقدّم رأسه، والأصمع الصغير الأذنين، وقوله حمش الساقين بحاء مهملة وميم ساكنة ثم معجمة أي دقيق الساقين. انتهى كلامه. فتبيّن أنّ المقصود بذي السويقتيْن الحبشيّ هو رجل من الحبشة دقيق الساقين، وهو الذي يباشر هدم الكعبة عندما يحين ذلك الوقت..» مذعورا من أنْ «يحين ذلك الوقت»، مضيت في استخلاص صفات الحبشيّ، كما حدّث بها ثقاتنا عن ثقاتهم، معارضا لها بصفات الرئيس الأمريكيّ. من سلسلة «الأحاديث الصحيحة» أقرأ: قال عليه الصلاة والسلام « يخرّب الكعبةً ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها حِليها، ويجرّدها من كسوتها. ولكأنّي أنظر إليه أصيْلع أُفيْدَع يضرب بمِسحاته ومِعوله.» (والأفيدع مَن بيديه اعوجاج ). وأقرأ في « صحيح البخاريّ» أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: « كأنّي أنظر إليه أسود أفحج ينقضها حجرًا حجرًا، يعني الكعبة..» (الفَحَج هو تداني صُدُور القدميْن وتباعُد العَقِبيْن .) فهل يفعلها، حقّا، هذا الرجل الذي فرح بمقدمه العرب والعجم، ويكون «أوباما حسين» ذا السويقتيْن يخرج من الحبشة أسود أصَيْلعَ أُصَيْمعَ أفيْدَعَ أُفَيْحَجَ؟ ! بهتّ حين كانت التلفزيونات تنقل سيره لتحيّة بعض الحضور. ما كان أقربَ السّاعة ! هو هو الرجل الآتي الذي أخبر عنه الحديث الماضي ! رجل أسودُ، وهذا رجل أسود على رأس جيش عرمرم يخرج من الحبشة (إذا حملنا كينيا الموطن الأصلي ل«أوباما» وبعض بلدان القرن الإفريقيّ على كونها الحبشة القديمة..). وهو دقيق الساقين، والرجل الذي أمامي، الآن، دقيق الساقيْن. وهو أصْمَعُ كالرئيس الذي يبتسم الآن أمام المصوّرين. على أنّ الحديث يقول إنّه أفيدع، ويقول إنّ كنيته ذو السويقتيْن. وهاتان لم تعرفا عن الرئيس «أوباما» إلى حدّ الآن. ولم أر الرئيس في وضع « مخلّ بالآداب»، مثلا، حتّى أتثبّت من استقامة كوعيْه وبوعيْه، كما لم أسمع أحدا من ساكنة البيت الأبيض ولا الظاعنين عنه يكنّيه – توقيرا – بأبي السويقتيْن ! هذه، إذن، بشارة على انكفاء أشراط الساعة وعلى أنّ في العمر بقيّة حتّى يحدث ما ينبغي أن يحدث: يظهر المهديّ، وينزل المسيح فيقتل الدجّال، ويخرج يأجوج ومأجوج ليفسدوا في الأرض، ثمّ تأخذهم الريح. وهذه أمارة على أنّ عمارة الأرض متواصلة، وأنّ الذئاب والكلاب لن تسكن مدينة رسول الله وأنّ السباع لن تأتي على منبره الكريم. غير أنّها فرحة لم تدم. فقد بحثت عن كلمة «أوباما»- متغافلا عن بدعة من قال هو بركة حسين أبو عمامة - فكانت النتيجة: أوباما هو اسم سائر في قبيلة (اللو Luo)، وهي مجموعة عرقيّة في جنوب غرب كينيا، حيث ولد «باراك أوباما» الأب. كلمة أوباما Obama تتكوّن من (أو O ) بمعنى (هو)، ومن (باما bama ) التي تعني في هذه اللغة صفة (معوجّ) ! يا إلهي ! بهذا، فإنّ اسم العَلَمَ ( أوباما ) يعني عبارة «هو معوجّ» أي يعني ذا الساق أو اليد المائلة أو ما سمّاه الحديث، منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، بالأفدع والأفيدع ! الآن، صرتُ أنظر إلى مراسم الخطاب وإلى تعاليق المحلّلين بضجر، وأنا أتخيّل هذا الحبشيّ الأفيدع الأفيحج ذا السويقتيْن متعلّقا بالبيت الحرام يهدمه حجرًا حجرًا بمِسحاته ويجرّده من كِسوته ويسلبه حِليته. كَلّ متنُه وتبّت يده ! تُرَى، لو علمت حماتي التي لم تنقطع، منذ الظهر، عن الدعاء ل«أوباما» بما أخبرت عنه الأحاديث وما هداني إليه البحث (!!) ماذا عساها تقول؟